انتظر العالم تلك اللحظة التي يفصح فيها الامام الخميني ـ قدس سره ـ عن تشكيل حكومة اسلامية تدير شؤون البلاد ، ولكنه ـ رحمة الله عليه ـ فاجئ الجميع عندما خوَّل الأمر الى الشعب من خلال إنتخابات حرة يشارك فيها جميع ابناء الشعب الايراني بكل طوائفه وقومياته وتياراته السياسية ويتم التصويت على أختيار النظام الجديد الذي يحكم ايران على انقاض حكم ديكتاتوري بغيض.
وبالفعل جرت أول انتخابات حرة ونزيهة شارك فيها الشعب الايراني عن بكرة أبيه ليصوت لصالح "الجمهورية الاسلامية الايرانية" ، فكان الحدث السياسي الأكبر بعد أنتصار الثورة الاسلامية المباركة ، الأمر الذي جعل العالم يقف مذهولا امامه ، لأنه كان على غير عادة الثورات الشعبية والانقلابات العسكرية التي تحدد النظام القادم قبل ساعة الصفر بأيام.
ومن ذلك اليوم أصبحت الانتخابات في الجمهورية الاسلامية الايرانية سنة حسنة وثقافة وطنية وممارسة شعبية واسعة لتحديد مستقبل البلاد في كل مفصل من مفاصل حياتها السياسية.
واليوم 18 حزيران شهدت الجمهورية الإسلامية الايرانية عرسا انتخابيا حيث فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في عموم البلاد عند الساعة السابعة صباحا وتستمر حتى الساعة الثانية عشر ليلا وذلك مراعات لظروف جائحة كورونا.
وتتزامن مع الانتخابات الرئاسية بدورتها الثالثة عشرة انتخابات الدورة السادسة للمجالس الاسلامية البلدية والقروية وكذلك الانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة.
وطبقا للإحصاءات الرسمية فأن ما يقارب من ستين مليون مواطن ايراني يحق له الاشترك في هذه الانتخابات من خلال سبعة وستين ألف مركز إقتراع تنتشر في كافة انحاء البلاد.
وتولي جميع الوزارات ودوائر الدولة اهتماما خاصا للإنتخابات الجارية اليوم فقد أكد وزير الداخلية الايراني قبل يوم من موعدها على ان الانتخابات ستجري في ظل تأمين الحماية الامنية لها على جميع المستويات ، بالاضافة الى توفير سبل مراعاة البروتوكولات الصحية في ظل جائحة كورونا.
وعلى الرغم مما يمر به العالم من جائحة كورونا فقد حضر ابناء الشعب الايراني من الساعات الاولى صباح هذا اليوم للإدلاء باصواتهم وأختيار رئيس جمهورية للبلاد من بين اربع مرشحين ، من تيارات سياسية مختلفة ، في الدورة الرئاسية الثالثة عشرة.
وكان في مقدمة الحضور قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي ـ دام ظله ـ حيث أدلى بصوته في الدقائق الأولى من بدء عملية الاقتراع في المركز الانتخابي بحسينية الإمام الخميني رضي الله عنه ، ليكون القدوة في تأدية الواجب الشرعي الذي تترتب عليه آثار مهمة في تحديد مستقبل البلاد.
وكان لكلمة سماحة القائد التي ألقاها بهذه المناسبة والتي أكد فيها على أهمية صوت الناخب واصفا اياه بأنه المدير الحقيقي للساحة ، فكان لها الأثر الكبير في توضيح أهمية المشاركة في هذه الانتخابات ، وقد دعا الجميع للمشاركة وعدم الاستهانة بأصواتهم التي تتجمع لتشكل ملايين الاصوات.
هذه الكلمات الأبوية الصادقة التي صدرت من سماحته كمرجع ديني وسياسي كبير أوضحت أن المشاركة الانتخابية لها سمة العمل الشرعي الذي لابد للمكلف القيام به ضمن إطار الجهاد السياسي الذي تترتب عليه مصلحة الاسلام الحنيف من جهة ، ومن جهة أخرى هو نوع من المواجهة مع أعداء الجمهورية الاسلامية الذين يتربصون بها الدوائر.
ويحق للجمهورية الاسلامية الايرانية ان تفتخر بهذه الانتخابات التي تجسد العمق الديمقراطي في نظامها السياسي.
ومن الملفت للنظر أنه وقبل أشهر من بدأ الإنتخابات الايرانية هذا العام شنت وسائل الاعلام المعادية للجمهورية الاسلامية حملة تشويش شعواء على الرأي العام الايراني الغرض منها ثني المواطنين عن المشاركة في هذه الانتخابات.
والمفارقة العجيبة أن أغلب هذه الدول التي وجهت سهام حقدها من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي للحد من المشاركة في الانتخابات الرئاسية في ايران لم يكن في القاموس السياسي لهذه الانظمة مصلطلح او مفردة أسمها "انتخابات" ، بل هي انظمة ولدت من رحم الديكتاتورية المقيتة.
إلا ان الشعب الايراني الذي يمتلك أعلى مستويات الوعي السياسي لا يمكن ان تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب من مصادر يعرف نواياها سلفا.
وبالفعل فقد كان الرد على ابواق النشاز التي كانت تشكك بديمقراطية الانتخابات الايرانية وتبث دعاياتها بأن الشعب الايراني سيقاطع الانتخابات فجاء الرد من هذا الشعب الوفي لثورته ودماء شهدائه ، ليسجل حضورا واسعا بلغت نسبته 40% قبل موعد غلق الصناديق بخمس ساعات ، ومايزال توافد الناخبين كثيفا ونحن نكتب هذه السطور.
*وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سورة التوبة الآية 105
بقلم / جابر كرعاوي