وكما هو معروف لدى الجميع فإن استراتيجية الإستكبار العالمي في تعامله مع الشعوب تعتمد على سياسة "فرق تسد" وهذا هو الخط العام والذي يتغيَّر بالإسلوب دون المضمون حسب الزمان والمكان، فلكل منهما حساباته الخاصة؛ ولكن نظرة الاستكبار لبلاد المسلمين لها خصوصية تختلف عن غيرها من بلدان المعمورة.
فشعوب البلدان الاسلامية تتبنى العقيدة الاسلامية التي تربط الفرد والمجتمع بقوة قادرة قاهرة وبالتالي تمنح المسلم طاقة روحية وقدرة دفاعية قد لا تتوفر لدى الآخرين، هذه القوة الغيبية التي تجعل ممن يتبناها مشروع تعبوي على كافة المستويات يصل الى حد الاستشهاد في الدفاع عن المبادئ ومن أهمها سيادة الوطن، ومن هنا يأتي القلق الأستكباري فبات يحسب لمثل هذه المجتمعات ألف حساب.
وكما يعلم الجميع فإن الشعبين الايراني والعراقي كغيرهما من الشعوب الاسلامية يتبنيان هذه العقيدة والتي تمتاز بأصالتها ولم تصل إليها يد التحريف والأنحراف، كذلك خصوصية المشتركات الكثيرة بينهما من جغرافية وروابط اجتماعية بحيث تجد تداخل اجتماعي قل نظيره، فتجد اولاد العم والخال على جانبي الحدود الجغرافية، هذه العوامل جعلت منهما شعبين متقاربين الى أقصى حد.
من هنا فإن التقارب بين ايران والعراق مصدر قوة للبلدين، والدليل الواضح والذي شهدناه بالأمس هو إفشال مشاريع التقسيم التي كانت تستهدف وحدة الاراضي العراقية، فعندما دخل داعش ليستبيح الحرمات في محافظات الموصل وصلاح الدين والانبار وقف الجميع متفرجا والبعض شامتا وحرائر العراق سبايا بيد الدواعش اللئام.
إلا أن الجمهورية الاسلامية الايرانية حكومة وشعباً هبوا لنصرة العراق وشاركو مع ابناء العراق الغيارى لاسيما منتسبو القوات الامنية من الجيش والشرطة وأبطال الحشد الشعبي المقدس، لتطهير الارض العراقية من دنس داعش الارهابي.
في حين كان المحيط العربي متفرحاً بل مشاركاً في إيجاد تلك المحنة التي مر بها العراق، والى يومنا هذا مازال يتآمر على وحدة العراق أرضا وشعباً، والامثلة والشواهد كثيرة، فكل مشاريع الإنفصال كانت تُعَّدُ في الغرف السوداء لدى تل ابيب أو في عواصم عربية معروفة بإنخراطها ضمن المشروع الصهيوني.
وتجدر الاشارة هنا الى ان حواضن داعش ومن تآمر وتعاون معه لتدنيس أرض العراق على مستوى الداخل هم أيتام صدام وقادة منصات الإعتصام من البعثيين الذين طعنوا الشعب العراقي بالخاصرة وبسكين الغدر العفلقي الماسوني وجريمة سبايكر تشهد على ذلك فمن نفذها هم أبناء لقيادات بعثية معروفة.
أما على مستوى الخارج فهناك أنظمة عربية وعلى رأسها النظام الحاكم بالسعودية التي أرسلت الإنتحاريين والأحزمة الناسفة والمفخخات ودعمت منصات الإعتصام المطالبة بأقليم سني كنواة لتقسيم العراق وشاركت بدخول داعش ليحتل الأرض وينتهك العرض ويرتكب أبشع الجرائم ضدَّ الشعب العراقي.
ومقارنة منصفة ومحايدة تجد مدى تأثير العلاقات الايرانية العراقية في أفشال المشاريع الأستكبارية التي تحاول تفتيت العراق، ومن المناسب ان أشير الى ملاحظة قد يغفل عنها الكثير ألا وهي أن طبيعة هذه العلاقات ليس في إطار طائفي بل تتجاوز ذلك الى السمة الحضارية، فالتعاون على الواقع لم يكن شيعي شيعي بل هو ايراني عراقي بطابعه الاسلامي.
من هنا فإن الإستكبار العالمي وأذنابه في المنطقة قلقون جدا من هذا التقارب الايراني العراقي الذي لم يقتصر على المستوى الرسمي بل هو أوسع من ذلك فالعلاقة بين الشعبين لها جذور ممتدة في أعماق التاريخ وعابرة للحدود الوهمية التي وضعها المحتل الذي جزء البلاد الاسلامية.
وقد استخدم الاعداء اساليب متعددة لصنع هوة بين الشعبين إلا أن كل أحلامهم ذهبت أدراج الرياح، وفي هذه الايام لجأ الاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية الى أساليب مضحكة وصبيانية ظنا منه أنها تنطلي على عامة الناس، إلا أنها تكشف ضحالة مستوى تفكير من يقوم بها.
فمقاطع الافلام القصيرة التي تظهر فيها مجموعة من الممثلين، يدعون أنهم عراقيون، يسبون ويشتمون شعب ايران والقيادات الايرانية التي لها منزلة عالية لدى الشعب وينسبون تهم غير واقعية لهذا الشعب، تقابلها أفلام بنفس الضحالة لممثلين، يدعون أنهم إيرانيون، ويتبعون نفس الاسلوب السابق بالسباب والشتائم والتهم للشعب العراقي... إنه حقا إسلوب مضحك وتافه يدل على أن جعبة العدو أصبحت فارغة من سهامه الشريرة فلجأ الى هذه الطريقة المفضوحة المكشوفة.
فعلى أعداء الشعبين الايراني والعراقي أن يعلموا جيداً أنهم واهمون وأن ألاعيبهم لا تنطلي على أحد بل جعلتهم محل إستهزاء وسخرية لدى أبسط أفراد المجتمع.
جابر كرعاوي
المصدر : اذاعة طهران العربية