وما إن طرق الإسلام أبواب بلاد فارس، حتى انصهرت تلك الحضارة وذابت تلك الأمة العظيمة في الإسلام ذوبان حبيبات السكر في الماء.
ومنذ ذلك الحين والإيرانيون يرفدون العالم الإسلامي بفحول العلماء والفلاسفة والمفسرين وأهل النحو والصرف الذين أرسوا قواعد اللغة، فما من مذهب من مذاهب المسلمين إلا وتجد أبناء بلاد فارس يتربعون على عرشه بما حباهم الله به من محبة وإخلاص للنبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وكانوا مصداقا لقول رسول الله "لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس"، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال، والمتتبع اليوم لا يجد أمة تسبق الايرانيين بما قدموه للإسلام من علماء ومفكرين وفقهاء، وبطون الكتب ورفوف المكتبات تشهد على ذلك، حتى أمست هذه الأمة وهذه الرقعة الطيبة ملاذا آمنا لأهل العلم ومركزا إشعاعيا لامعا للحضارة الإسلامية.
لذلك لم يرق لإعداء الإسلام أن تبقى هذه الأمة منصهرة بالدين، ومندكة بالشريعة، مشكلة سدا منيعا بوجه الأجندة الأجنبية والمطامع التوسعية للغرب في المنطقة عموما وفي إيران على وجه الخصوص.
لذا كان الدعم الغربي لشاهات الحكم البهلوي غير محدود، واستطاع الحكم البهلوي مسخ ومحو الهوية الإسلامية لهذا الشعب العريق إذ بالكاد أن تجد مظاهر التدين واضحة حتى في مراكز المدن ذات الصبغة الدينية.
من وسط تلك الدوامة الغربية المنحرفة التي وضع النظام البهلوي إيران فيها بغية طمس الهوية الإسلامية لهذه الأمة وجعلها مرتعا للشيطان، بدأ الإمام الراحل مشروعة التغييري الشامل، وقاد ثورة بشعب أعزل مسلح بالإيمان والتوكل، يقابل نظاما شرسا منحرفا تقف أكبر القوى في العالم ظهيرا له، إلا أن ذلك لم يثن العزيمة الراسخة لدى الإمام الراحل طاب ثراه، وكان كجده العباس ثاقب البصيرة صلب الإيمان، وكأن الزمن تكرر حيث برز الإيمان كله للشرك والكفر كله..!
فروح الله لم يكن عالما أو فقيها تقليديا كأقرانه، بل كان مشروعا محمديا علويا حسينيا لإنقاذ الإسلام ولإيقاض المسلمين من سبات دام قرون، فالمسلمون لم تقم لهم دولة تجعل من الدين والشريعة منهاجا عمليا للحياة بعد دولة رسول الله صلى الله عليه وآله.
وعلى الرغم من الصعوبة البالغة والتعقيد والتحدي الكبير الذي واجه الإمام الراحل في قيام وقيادة الثورة، سيما إن أخذنا بنظر الاعتبار عدم كفاءة الطرفين، أمة أبعدتها مشاريع الغرب عن الثورية والإسلام وأغرقتها باللهو والملذات، ونظام بعقيدة غربية مدجج بالسلاح، إلا أن التحدي الحقيقي الكبير كان بعد نجاح الثورة، ومسك مقاليد الحكم، وإدارة الدولة برؤية وقوانين وأنظمة شرعية تواجه الواقع العملي، وتقدم للعالم نموذج حكم اسلامي حديث يبرهن للعالم أن الدين قادر على قيادة الحياة بكل تفاصيلها.
نعم كان تحديا عظيما، وبارقة آمل تعلقت بها قلوب المؤمنين، تحديا في تكييف واستنباط وبناء منظومة حكم إسلامية متكاملة في بناء الدولة، مسؤولية عظيمة لا يتصدى لها إلا من ملأ الله قلبه بالإيمان.
لقد قاد الإمام الراحل الثورة والدولة بنجاح منقطع النظير، وكان شعار (نحن قادرون) الذي أطلقه كالشمس الدافئة التي بثت الربيع في ربوع الأمة وأعادت لها مجدها وعزها وكرامتها وصدارتها بين الأمم.
فسلام الله تعالى عليك يا روح الله يا أمل المستضعفين ومحقق حلم الأنبياء يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حيا.
محمد علي السلطاني