لم يتمتع العراق بتجهيز الطاقة الكهربائية بشكل كامل على مر التاريخ رغم أنه أغنى بلد في منطقة غرب آسيا، والأسباب كثيرة وراء ذلك، يطول المقال عند الخوض فيها.
وعلى مدى عقود من الزمان وتعاقب حكومات مختلفة ومتعددة ـــ الملكية، الجمهورية، الشوفينية (تحالف بعثي قومي طائفي)، القومية الطائفية، البعثية الديكتاتورية، وآخرها الديمقراطية في ظل الاحتلال الامريكي ـــ فأتحدى أن يقول قائل بأن العراق في أي من هذه الحكومات تمتع أبناؤه بتجهيز عادل ومنصف بالطاقة الكهربائية.
لعل من يعترض ويقول هذا كلام مبالغ به وأنا لا ألومه على ما يقول لأنه كان يعيش لنفسه ولا يدرك معاناة الآخرين من ابناء شعبه، أو هو في منطقة لها منزلة ومكانة عند الحاكم الجائر المتسلط.
سأتكلم عن الكهرباء في العراق لاسيما محافظات الوسط والجنوب والعاصمة بغداد وكما رأيته بأم عيني أو ما هو معروف لدى جميع العراقيين الشرفاء.
وأبدأ من زمن حكم الديكتاتورية البعثية وفي هذه الحقبة المظلمة بكل مفاصلها لم يتمتع العراقيون بتجهيز كامل للطاقة الكهربائية إلا في يوم واحد خلال السنة وهو يوم ميلاد (السيد الرئيس صدام)، وهذا بحد ذاته هو نوع من أساليب التعذيب الجماعي ليقول البعثيون لأبناء الشعب (شوفو هاي الكهرباء الحلوة بس ما نعطيكم اياها).
أقسم بالله وكما شاهدته بأم عيني لغاية سقوط حكم الديكتاتورية البعثية المنحلة عام 2003 وهناك قرى وأرياف في العراق لا يوجد فيها عمود كهرباء ! لأن البعث الشوفيني ينظر لهؤلاء المواطنين نظرة أنهم من الدرجة الثالثة او العاشرة ولا يستحقون ايصال الكهرباء إليهم.
بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة تم قطع الكهرباء عن جميع المحافظات المنتفضة، تقريبا بشكل كامل ، وللتاريخ نقولها حاولت المرجعية الدينية في النجف الأشرف إنجاز مشروع لتجهيز الطاقة الكهربائية لحل هذه الأزمة إلا أن الديكتاتور المقبور صدام منع ذلك.
ومن هنا نستطيع القطع جازمين بأن الكهرباء في العراق هي قضية وليس مشكلة مستعصية الحل، هي قضية شعب يأبى الخنوع للظالم المستكبر فتكون النتيجة أن لا بد من معاقبته ومحاولة تركيعه باستغلال قضية الكهرباء وحرمانه من هذه النعمة الإلهية.
قضية الكهرباء لم يعد حلها بيد الحكومة العراقية
إن من مصلحة أي حكومة في ظل نظام ديمقراطي مهما كان مستواه، أن تقدم هذه الحكومة إنجازاً للشعب لتكسب ثقته ، وعلى أقل تقدير أصواته الانتخابية ، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن هناك ربح أقتصادي من خلال بيع الطاقة الكهربائية سواء للمواطن أو تصديرها للخارج ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العراق لديه وقود شبه مجاني لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.
ولهذا فقد عملت كل الحكومات العراقية من 2003 إلى يومنا هذا دون استثناء على إنجاز هذا المكسب من خلال وضع مشروع لبناء منظومة حديثة للطاقة الكهربائية تستطيع تجهيز العراق بشكل كامل بالطاقة الكهربائية وفائض عن ذلك ، إلا أنها لم تفلح.
وهنا لا بد لنا من التساؤل إذا كان الأمر كما تقدم وفيه مصلحة للحكومة فإذاً ، ما هي الأسباب وراء إخفاق الحكومات المتعاقبة في تنفيذ مشروع مضمون الربح على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟؟؟
الجواب على هذا السؤال واضح وبالوثائق والأدلة ، وقبل الإجابة لا بد لنا أن نتذكر هذه الحقيقة وبدون مجاملة ، وهي أن العراق بلد ما زال منقوص السيادة ، فإدارة البيت الأبيض تتحكم بأهم ما يمتلكه البلد وهي وارداته من النفط ، فلا ننسى أن العراق في الجانب المالي لحد الآن هو تحت البند السابع . إذن أصابع الغول الأمريكي متشابكة على رقبة هذا البلد.
والشيء بالشيء يذكر ؛ مَن أوصل العراق أن يكون تحت البند السابع؟
أليس هي حماقات حزب البعث الديكتاتوري بقيادة المقبور صدام ، وحروبه التي كان يشنها على دول الجوار وآخرها الحرب على دولة الكويت الشقيق ، هذه الحرب التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة للتدخل في المنطقة ، وبالتالي وضع العراق تحت البند السابع... هذا ليس تاريخ بل عاصرناه ، وما زالت مرارته في مذاقنا.
أعود إلى صلب الموضوع فبما أن العراق منقوص السيادة من قبل الاحتلال الأمريكي، فإن الولايات المتحدة لديها مشاريع مشبوهة في العراق حاولت تنفيذها وعلى رؤوس الأشهاد دون خجل ولا حياء ، وصرح أكثر من مسؤول أمريكي بهذه المشاريع والتي أهمها تقسيم العراق بل ومسحه من الخارطة من خلال تفتيته إلى دويلات.
هذه المشاريع لا يمكن أن تنجح إلا بضرب اللحمة الاجتماعية، وأحد أدوات تنفيذ هذا الأمر هو إفشال أي حكومة عراقية تستلم السلطة من خلال عرقلة أي مشروع خدمي إستراتيجي، ومن بينها الكهرباء.
بعبارة أوضح ؛ الآن قضية الكهرباء هي العصا التي تمسك بها الإدارة الأمريكية لترويض الشعب العراقي ، ليستسلم أمام إملاءاتها الشيطانية. فقد عرقلت واشنطن تنفيذ مشاريع الكهرباء من خلال حجزها لشركة "جنرال موتورز" الأمريكية والتي تذرعت بالجانب الأمني لتأخير تنفيذ المشروع ، الأمر الذي اضطر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي آنذاك للتعاقد مع شركة "سيمنز" الألمانية ، والتي لم توافق الحكومة الأمريكية عليها ـ وكما ذكرنا لأن العراق بالجانب المالي ما زال تحت البند السابع ـ فالأموال تصرف بموافقة الخزانة الأمريكية.
وبقي المشروع معطلاً حتى جاءت حكومة حيدر العبادي وكان في حينها العرض الصيني الملخص بـ "النفط مقابل الإعمار". لكن يبدو أن العبادي تعرض لضغوط من الجانب الأمريكي فلم يتفق مع الصين.
وهنا لا بد من التوضيح أن "النفط مقابل الإعمار" يخرج مشاريع الإعمار في العراق من السيطرة الأمريكية ، وذلك من خلال منح الصين نفط خام بمعدل 300 ألف برميل باليوم بسعر السوق مقابل ما تقوم به من تنفيذ مشاريع بنى تحتية ، وبذلك لا يحتاج العراق إلى موافقة الخزانة الأمريكية ، على اعتبار أنه لا يدفع "عملة نقدية" بل يدفع نفطا.
ثم جاءت حكومة عادل عبد المهدي التي تجاوزت الأمريكان وانفتحت على الصين لتوقيع اتفاقية "النفط مقابل الإعمار"، الأمر الذي أزعج واشنطن وأدى إلى الإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي والقصة معروفة.
وجاءت حكومة مصطفى الكاظمي المؤقته ، التي هي لم تستطع أن تغيِّر أي شيء من واقع الكهرباء بل ازداد سوءأ، وكما قالها الكاظمي في اعتذاره للشعب "ليس بيدي العصا السحرية"، في إشارة إلى إخفاقه في هذا المجال.
ولعل القارئ الكريم يتساءل هنا، ويقول: إذن أين الحل وبيد مَنْ؟
والإجابة واضحة ولا تحتاج إلى عناء... فالحل أن ينال العراق استقلاله وسيادته بالكامل، وهذا بيد أبناء الشعب العراقي، فالاحتلال لا يرحم الضعفاء، وما يراه الكثير من شرفاء العراقيين أنهم سيعودون مظطرين إلى "شعلان أبو الجون وليراته العشرة"... والعاقل يفهم!
بقلم / جابر كرعاوي