“مسيرة الأعلام” التي نظمها مستوطنون وجماعات متطرفة، تحت حماية الشرطة الاسرائيلية، في مدينة القدس المحتلة يوم امس الثلاثاء، شهدت مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال في القدس ومختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد استبقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسيرة بتشديد الإجراءات الأمنية واعتقال عدد من الشبان الفلسطينيين والاعتداء على بعضهم بالضرب، واصيب 27 فلسطينيا في مواجهات مع قوات الاحتلال في البلدة القديمة بالقدس.
المستوطنون وصلوا إلى ساحة باب العامود وأدوا رقصاتهم، ثم توجهوا إلى حائط البراق، وسط توتر شاب المسيرة واعتداء شرطة الاحتلال على من تبقى من الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء قرب الساحة حيث أجلت جميع من كانوا فيها قبيل وصول مسيرة المستوطنين..
كان من المقرر ان تجري “مسيرة الاعلام” ، قبل هذا الوقت ، الا ان اغلب الخبراء والمحللين داخل الكيان الاسرائيلي وخارجه، متفقون على ان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، نجح في توريط خلفه رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، عندما قام بتأجيل “مسيرة الاعلام”، لما بعد تصويت الكنيست على حكومة بينيت، من اجل احراج الاخير، من خلال وضعه امام خيارين احلاهما مُر.
في حال وافق بينيت على تنظيم المسيرة، فانه يجازف في اندلاع مواجهات، واحتمال دخول المقاومة الاسلامية في الازمة ، في حال اعتدت قوات الاحتلال على المقدسيين، وعندها سيجد بينيت نفسه في مواجهة عسكرية مع غزة، قد تضعضع ائتلافه الضعيف اصلا. وفي حال رفض تنظيم المسيرة، فان المواجهات ستنتقل الى داخل االمعسكر اليمني المتطرف الذي ينتمي اليه بينيت ، حيث سيتهم بالضعف، وبالتالي سيتضعضع ائتلافه يضا، وفي كلا الحالتين سيكون الامر في صالح نتنياهو الذي توعد انصاره بالعودة الى السلطة مرة اخرى.
لم يخف نتنياهو رغبته بالعودة من خلال تعكير صفو حكومة بينيت ، فقد اعلن صراحة امام الكنيست عندما أطيح به بعد 12 عاما من توليه رئاسة الوزراء :”سأقودكم في معركة يومية ضد هذه الحكومة اليسارية السيئة والخطيرة وأسقطها”.
يعتقد نتنياهو ان حكومة بينيت المؤلفة من ثمانية أحزاب، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وبينهما احزاب عربية، هي حكومة هشة للغاية، ولا يمكنها ان تدوم، وهذا الاعتقاد هو الذي يشجعه على وضع العراقيل امام بينيت، الذي كان يوما تلميذه ويعمل في مكتبه.
رغم ان لا فرق بين نتنياهو وبينيت، في رؤيتهما الى القضايا الرئيسية في الصراع مع الشعب الفلسطيني، ومن بينها رفض حل الدولتين، ورفض عودة اللاجئين، واعتبار القدس عاصمة “اسرائيل” ، والابقاء على المستوطنات في الضفة الغربية، والسيادة على الجولان، الا ان الفرق الوحيد بين الرجلين، هو ان نتنياهو خرب العلاقة مع الحزب الديمقراطي، ووضع كل بيض “اسرائيل” في سلة الحزب الجمهوري وشخص الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، بينما بينيت، يقف على مسافة واحدة من الحزبين الامريكيين، حتى وان كان معارضا لعودة الرئيس الامريكي الديمقراطي جو بايدن الى الاتفاق النووي، فهي معارضة تبقى وراء الكواليس.
هذا الاختلاف يعتبر نقطة قوة لبينيت، بل ويجعله اكثر خطورة من نتنياهو، على الشعب الفلسطيني، وعلى عودة امريكا الى الاتفاق النووي، لذلك لا نعتقد ان حكومة بينيت بتلك الساذجة الذي يعتقدها نتنياهو، فانها وان كانت اكثر يمينية وتطرفا من حكومة نتنياهو، الا انها لن تترك المستوطنين المشاركين في مسيرة الاعلام، يتسببون بمواجهة جديدة مع المقاومة الاسلامية في غزة، ولن تحول دون تنظيم المسيرة، لتظهر بمظهر الضعيف.
اخيرا، ضعف مسيرة الاعلام وقلة المشاركين فيها، والتعامل الحذر لحكومة بينيت مع المسيرة، جاء بفضل صمود المقاومة الاسلامية في غزة التي نجحت في لجم قوات الاحتلال ومنعته من التصرف بحرية في القدس، واوقفتها عند حدودها.
بقلم / فيروز بغدادي