وقد لعب خلال نصف قرن أدوارا خطيرة في تاريخ "إسرائيل" مثله مثل بن غوريون وموشي ديان وأرييل شارون فهو عسكري سياسي وكاتب سياسي خريج معهد ماساتشوستس في الهندسة المعمارية ثم العلوم السياسية، عمل مع جلاد الشعب الفلسطيني أرييل شارون في حكومتين كان يرأسها شارون، ثم نافسه على زعامة الحزب وشارك في أكثر الحروب "الإسرائيلية"؛ حرب الاستنزاف، حرب أكتوبر، حرب لبنان، معركة الكرامة وحرب "سيف القدس" التي رمت به أخيرا إلى منحدر التاريخ ليواجه مصيره الأسود أمام المحكمة "الإسرائيلية" التي تطارده منذ 2019 على التهم الثلاث؛ الرشوة، الاحتيال وخيانة الأمانة في القضايا المعروفة باسم 1000 و2000 و4000.
وأعظم خدمة اسداها نتنياهو لـ"إسرائيل" انه استطاع بدهائه أن يغير معادلة إيلي كوهين وزير المخابرات "الإسرائيلي" من سلام مقابل السلام إلى سلام بلا مقابل والتي قامت عليها صفقة القرن بالتحالف مع كوشنر صهر ترامب والتي اجهضتها المواقف الفلسطينية والاردنية الرافضة للصفقة، ثم جاءت أحداث غزة الأخيرة لتحول أوراق صفقة القرن إلى رماد ولتدك ما تبقى من الحلم "الإسرائيلي" في ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية بما فيها غزة إلى خارطة المساومات السياسية التي تضمنتها صفقة القرن.
وهنا لابد أن يقف العرب والمسلمون جميعا ليقدموا التحية والشكر والعرفان للمقاومة الباسلة التي أسقطت معادلة إيلي كوهين سلام مقابل السلام والتي أطلقها في مقابل المبادرة العربية التي انطلقت من بيروت عام 2002 والتي قامت على مبدأ الأرض مقابل السلام والتي أكدت عليها قرارات مجلس الأمن 242 و338 و425 والتي أجمعت على تخلي "إسرائيل" عن الأراضي التي احتلتها بالقوة مقابل سلام دائم ومستقر لكن سنوات الصراع الرهيبة اثبتت ان "إسرائيل" لا تريد السلام بل تريد المزيد من الأرض حتى تحقيق حلمها التلمودي في "إسرائيل" الكبرى من النيل إلى الفرات.
فعسكرة المجتمع "الإسرائيلي" من ناحية وتحالفاتها الدولية القائمة على الدعم اللامحدود لـ"إسرائيل" واستراتيجية بناء القوة التي لا تقهر والمتفوقة عسكريا على دول المنطقة تكشف للقاصي والداني ان "إسرائيل" لا تريد السلام إلا اذا كان هذا السلام في خدمة تلك السياسة.
وقد جاء نتنياهو يترجم هذه السياسة من خلال اتفاقيات التطبيع التي عقدها مع بعض الدول العربية بدون أن يعطي شيئا، فمنذ الوهلة الأولى وهو يخطط لاحتلال غزة والتخلص من المقاومة في الوقت نفسه كان يمد يد التطبيع إلى بعض العواصم العربية طالبا من عواصم أخرى أن تلتحق بقطار التطبيع، وقد بانت مطامع نتنياهو من هذا السلام انه ليس اكثر من مجرد فرصة للانقضاض على المقاومة الفلسطينية والتخلص منها تحت صمت وحيادية الدول المطبعة.
لكن مسار الأحداث غيّر كل شيء فقد وقفت المقاومة صلدة أمام المؤامرة الصهيونية ووقف الشعب الفلسطيني برمته مع المقاومة ووقفت شعوب الدول العربية (حتى المطبعة منها)، مع غزة الصامدة وعادت الدوائر العالمية تتحدث عن دولة فلسطينية مقابل دولة "إسرائيلية" تلك المعادلة التي كادت تندثر ولم يتحدث عنها أحد أمام أطماع نتنياهو في ابتلاع كل الأرض الفلسطينية.
ان التاريخ سوف لن ينسى ما قدمته المقاومة للقضية الفلسطينية حيث انها أجبرت "الإسرائيليين" على نبذ نتنياهو وإخراجه من حلبة السياسة "الإسرائيلية" وإلى الأبد، وإلى الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تشكيل دولته وعلى هذا المبدأ تقوم المساعي المصرية اليوم وهذا هو أول الطريق لتحرير كامل الأرض الفلسطينية من الاحتلال الصهيوني، فقد جاءت الظروف مواتية لتحقيق الأهداف الفلسطينية في استعادة كامل التراب الفلسطيني فمن خلال وحدة الشعب الفلسطيني والتلاحم العربي والإسلامي مع قضيتهم والتعاطف الدولي سيحقق هذا الشعب ما يصبوا اليه وهي الذخيرة الحية التي يجب أن تستثمرها المقاومة في أية مفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي".
بقلم محسن القزويني