في مثل هذا اليوم، أفلت الشمس التي انتظر المسلمون طلوعها في سماء بلادهم طويلاً خلال سنوات الفساد والظلم والاستبداد والاستعباد. رحل الإمام الخميني، وبقينا ننعم بظلال عباءته المطهّرة التي تحمل العرفان والمقاومة بكلّ أشكالها.
اليوم، على أعتاب اكتمال التحرير وانتصارات المقدسيّين، بدأت تتحطّم معابد الطغاة والمغتصبين لأرضنا وتراثنا وكراماتنا وثقافاتنا. إنه حلم الإمام الخمينيّ ووعده الذي كان يقيناً أمام عينيه، ولم يشعر يوماً بالوهن حتى حين شعر برحيله. لم يفقد هذا اليقين، بل أودعه في قلوب الأحرار، وفي قلوب محبّيه، وفي ضمير شعبه الذي عرف معنى الكرامة منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة.
كان يتمتم حين رحل: "أسافر نحو مقري الأبدي بقلبٍ هادئٍ، وفؤادٍ مطمئن، وروحٍ فرحةٍ، وضمير آمل بفضل الله"، فكان مرتاح البال مطمئنّاً إلى حال المستضعفين الذين ظلّ يدافع عنهم حتى الرمق الأخير، لكنَّه بقي يرى نفسه مقصّراً في حقّهم فقال: "أسأل الله الرحمن الرحيم أن يقبل عذري عن قصوري وتقصيري، وآمل من الشعب أن يقبل عذري لما قصرت أو كنت قاصراً فيه"، فأيّ رفعةٍ وعزةٍ وكرامةٍ تحملها هذه الكلمات؟!
إنه السيّد المقدام، الجريء القلب والثابت الخطى، الذي أقبل على شعبه حاملاً عقيدةً وإيماناً، فعلّمه أنّ الإيمان والعقيدة والقيم الإسلامية هي السلاح الأقوى في وجه الطغاة، مهما كانت قوّتهم وعتادهم.
هو العارف التقيّ الذي علّم جنوده وشباب بلاده أنّ التواضع والزهد بملذّات الدنيا دواءٌ يزيل الحجب التي تمنعهم من رؤية النور خلال السلوك. بعد كلّ ذلك، كيف لا تنتصر هذه الثورة ولا تتخلّد؛ هذه الثورة التي انطلقت من صفات الرحمة والعرفان والزهد والتواضع، وتسلّحت بالعقيدة والحماسة والثورة واليقين؛ هذه الثورة التي صدق فيها القول: "ما كان لله ينمو"!
إمامنا العزيز، لقد وصلت كلماتك إلى مسامع الأجيال، وأرّختها صفحات التاريخ، لأنّها كانت تحمل قضيّة العدالة والإنسانية، وإحقاق أصول الدين، وإعلاء صوت الحقّ في حياة الإنسان أخلاقياً، ثم فكرياً وسياسياً واقتصادياً.
ندين اليوم لك أيها الموسويّ بكلّ سيادتنا وحريّتنا وكراماتنا وانتصاراتنا. ندين لعباءتك وعمامتك بهذا الظلّ الذي يغمرنا بالإرادة والجهاد ونصرة المظلوم.
نقول لك اليوم إننا على خطاك وخطى خليفتك الإمام الخامنئي ـ دام ظله ـ نسير نحو تحرير أراضينا المغتصبة في كلّ مكان، وتحرير الإنسان الّذي يحاربه الاستكبار والاستعمار. وعلى نهجك سوف نمضي حتى نحقّق الصلاح والكمال وارتقاء الإنسان.
لولاك سيّدنا لما كانت سعادة النصر اليوم تسري في عروقنا، مبشّرةً بفجرٍ آخر من عبق فجرك يا شمس بلادي وتاريخ عزّتها.. لولاك لما اقتربنا أكثر، ولما جمعتنا الانتصارات اليوم، وآنستنا ذكريات التحرير مع جيراننا، حتى ازددنا وجداً وشوقاً إلى المزيد من التحرير والفتح.
رحمةٌ وسلامٌ كثير لروحك يا حماسة أبنائنا، ويا قرّة عين أجدادك الأشراف والأولياء الصالحين.
بقلم الدكتور عباس خامه يار