وقال مركز ستراتفور للدراسات الإستراتيجية والأمنية، إن العلاقة بين بن زايد وبن سلمان ضعفت عما كانت عليه من سنوات بفعل تنافس خططها الاقتصادية والسياسية.
وذكر المركز أن الإمارات والسعودية يفتقدان للتوافق في الأولويات الإقليمية، لاسيما ما يتعلق بملف حرب اليمن والتدخل العسكري في ليبيا فضلا عن إدارة الخلاف الخليجي.
وعلاوةً على ذلك أبرز المركز أن الإمارات أظهرت إشارات مقلقة بشأن القيادة الإقليمية؛ مما قوَّض الدور الريادي المعتاد للسعودية.
وقادت أبوظبي الحملة إلى إشهار التطبيع مع إسرائيل لتبرز نفسها سياسيا، وهو أمر ساهم في ضعف التنسيق بين الإمارات والسعودية بعد أن كان مُحكمًا في 2016 – 2017 بعد صعود بن سلمان إلى السلطة.
واقتصاديا، ذكر المركز أن الإمارات والسعودية تتنافسان على الموارد المحدودة من الاستثمارات والعمالة والسياحة في إطار سعيهما لتنويع مصادر الدخل والخروج من الجائحة إلى عالم ما بعد الهيدروكربونات.
مصالح إقليمية متباينة
ويرجح المركز أن المصالح الإقليمية المتباينة للسعودية والإمارات مهيأة للتعزيز من خلال المنافسة الاقتصادية المتزايدة.
ومع تداخل النماذج الاقتصادية لما بعد النفط في كلتا الدولتين على نحو متزايد، ستجد الدولتان نفسيهما في سباق للاستحواذ على السياح ودولارات الاستثمار والعمَّال ذوي الجودة العالية.
وأعلنت السعودية في فبراير/شباط الماضي أن الشركات ستخاطر قريبًا بفقدان الحصول على العقود المربحة التي توفرها الحكومة السعودية إذا لم تنقل مقارَّها الإقليمية إلى السعودية نفسها.
وهي خطوة يمكن تفسيرها على أنها محاولة لتقويض هيمنة الإمارات باعتبارها مركز أعمال مجلس التعاون الخليجي.
وإذا وضعنا في الاعتبار المقاومة المحتملة من الشركات التي عملِت لمدة طويلة في الإمارات، فإنه من المؤكد أن الخطط المتداخلة بين الإمارات والسعودية لتنويع مصادر الدخل ستأتي بمزيد من المنافسة الاقتصادية.
وتعد السياحة واحدة من أكثر جوانب المنافسة المباشرة، لا سيما القطاع غير الخاص بالحج، حيث يبحث السياح من ذوي الدخل المتوسط والمرتفع عن الشواطئ والمنتجعات والمغامرات العربية.
وفي حين أن دبي، قلب صناعة السياحة في دولة الإمارات، تتقدم حاليًا بسنوات ضوئية على السعودية، فإن طبيعة العلامة التجارية في دبي والسياحة بوجه عام تعني أن السعودية ستتاح لها فرصة للحاق بالركب، بل إنها ستسرق قاطرة السياحة.
وتتسم العلامة التجارية الفاخرة الراقية في دبي بحداثتِها وتفوقها التكنولوجي، لكن بعض مشاريعها السياحية العملاقة المبكرة، مثل برج العرب، الذي جرى الانتهاء منه في عام 2000، تظهر بالفعل قديمة الطراز، وتتطلب ابتكارات وتحديثات كبيرة لاستعادة بريقها، ومن المحتمل أن يستلزم ذلك تمويلًا خارجيًّا.
كما تفرض دولة الإمارات ضرائب على نحو مطرد مثل ضريبة القيمة المضافة، والتي في حين أنها قابلة للاسترداد حاليًا، فإنها تزيد من التكاليف الأساسية لزيارة الإمارات؛ مما يقوِّض القدرة التنافسية للأسعار في الإمارة.
ومن المقرر أن تنمو هذه الأنواع من الضرائب مع تحديث الإمارات لمواردها المالية؛ مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة السياحة، لا سيما في دبي التي تعاني من ضائقة مالية، والتي استنفدت احتياطياتها النفطية منذ عقود.
ومع ذلك لا تزال ضريبة القيمة المضافة منخفضة جدًّا موازنةً بالأماكن الأخرى وتكلفة ممارسة الأعمال التجارية للأجانب الذين يسعون إلى تجنب نمط الحياة المقيد في السعودية.
ومع اتجاه صناعة السياحة الإماراتية نحو التضاؤل، قد تتحرك السعودية بقوة في الفضاء الإقليمي، في محاولة لجذب السياح بعيدًا عن الإمارات نحو علامتها التجارية الخاصة بالسياحة الفاخرة.
وبرج جدة، المقرر أن يكون أطول برج في العالم إذا جرى الانتهاء منه – المشروع معلَّق جزئيًّا منذ عام 2018 بسبب تداعيات حملة التطهير السعودي (مكافحة الفساد) عام 2017 – يهدف مباشرةً إلى جذب الأنظار عن حامل الرقم القياسي الحالي، برج خليفة في دبي.
ويُبنى عدد من منتجعات البحر الأحمر ومراكز التسوق في جميع أنحاء المراكز الحضرية في الدولة والأنشطة الترفيهية التي تشبه إلى حد كبير المرافق الموجودة في دولة الإمارات.
وسيحتوي القِدِّيَّة، المركز الترفيهي الضخم الذي سيُبنى في الرياض، إذا اكتمل بالكامل، على حدائق مائية وملاعب جولف وأفعوانِيات وغيرها من المرافق التي يمكن أن تفوق مراكز الترفيه الخاصة في الإمارات.
أفق الاستثمار
وعلى عكس دبي، يعني صندوق الثروة السيادية في السعودية الذي لا زال مليئًا بالأموال والرغبة في الاستفادة من صندوق الاستثمار العام التابع له أن بإمكانه الاستثمار في البنية التحتية الطويلة المدى، فضلًا عن دعم المشاريع لتنافِس الإمارات في الأسعار.
وتتمتع السعودية أيضًا بمزايا طبيعية لا تستطيع الإمارات منافستها فيها. لقد جرى بالفعل تطوير سياحة الحج في السعودية بعمق، حيث يأتي الملايين من داخل السعودية وخارجها لزيارة مدينتي مكة والمدينة المقدستين.
وترك تاريخها الطويل من التمركز على طرق التجارة الرئيسة إرثًا تاريخيًّا تفتقر إليه الإمارات.
ومدينة العُلا القديمة، التي بُنيت في القرن الأول، على سبيل المثال، تنافس مدينة البتراء الأردنية في الإمكانات السياحية.
وتُعد دولارات الاستثمار زاوية تنافسية أخرى، خاصة أن المستثمرين يَزِنُون مشاريع مماثلة في كلا البلدين.
حملات تقويض متبادلة
ومن أجل المنافسة، من المرجح أن تضع السعودية سياسات من شأنها أن تقوِّض الإمارات مؤقتًا، مثل إعلان انتقال المقرات الإقليمية إليها، حيث تسعي لجذب صناعات مماثلة.
لكن من غير المرجح أن تقف الإمارات مكتوفة الأيدي: فهي أيضًا ستصلح مناخها الاستثماري لزيادة المنافسة، والسعي للحصول على ميزة نسبية على السعودية من أجل الحفاظ على إستراتيجيتِها الخاصة بالتنمية فيما بعد النفط.
في حين أن الهبَّة المحتملة في العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات ستشمل النقل والطاقة والدفاع والصفقات المالية، وهي ميزة لا تزال بعيدة عن أيدي السعودية.
وسوف تتنافس الدولتان أيضًا في قطاع الدفاع، حيث ستنافِس الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي/SAMI) شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إديك/EDIC).
ويخلص المركز الدولي إلى أن المنافسة على دولارات الاستثمار المحدودة، والعمال والسائحين والصفقات التجارية ستؤثر على علاقتهما.
وفي هذا الفضاء التنافسي لن يحاول كل منهما جذب الأعمال من يد الآخر فحسب، بل قد يميل أي منهما أيضًا إلى اللجوء مرةً أخرى إلى تلك الأشكال من العلاقات العامة والحملات الاقتصادية ضد الآخر، كما حدث ضد منافسين آخرين في المنطقة.