في مثل هذا اليوم من عام 1986 شهدت البشرية واحدة من أبشع الحوادث المدمرة في تاريخها منذ الأزل تمثلت في انفجار مفاعل تشيرنوبل.
قد تكون الكثير من المحاولات التخيلية والقصص والروايات حاولت استعراض أبشع تفاصيل حادثة “تشيرنوبل”، لكنها بحكم طبيعتها بين الاختزال والتكثيف لم تنقل صورة دقيقة عن الكارثة الأخطر في العصر الحديث.
ففي يوم 26 أبريل/نيسان من عام 1986، شهدت البشرية واحدة من أبشع الحوادث المدمرة في تاريخها منذ الأزل.
سحب كثيفة بما يوازي 8 أطنان من الوقود النووي، ارتفعت إلى السماء، ناجمة ومدفوعة بألسنة لهب حريق ضخم، ومرفوقة بمواد خطيرة، أفضت إلى حصيلة مرعبة لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
ففي ساعات الصباح من التاريخ المذكور، كان نحو مائتي عامل وموظف في مفاعل الطاقة النووي “تشيرنوبل” بمدينة كييف الأوكرانية، وكانوا يعملون يومها على اختبارات في 3 وحدات بالمحطة.
رائحة الموت كانت تتسرّب في أرجاء “بيلاروسيا” قبل أن يعلم شعبها مصدرها وسببها، لكنهم أيقنوا أنه لم يعد بإمكانهم وداع أحبائهم، واضطر سكّان المدن الأقرب إلى مغادرة موطنهم إلى الأبد، وبقيت الطيور والحيوانات وحيدةً في وجه وحش غير مرئي، تلحظ آثاره فقط في الجثث التي اخترقها من دون رحمة.
ففي الـ26 من أبريل (نيسان) عام 1986، هزّت سلسلة انفجارات مبنى ومفاعل كتلة الطاقة الرابعة في محطة تشيرنوبل الكهرذرية، الواقعة بمدينة برابيت قرب الحدود البيلاروسية، لتحلّ أضخم كارثة تكنولوجية في القرن العشرين.
مأساة إنسانية
“عليك أن لا تنس أن من أمامك ليس زوجك، ولا الشخص الحبيب، بل جسمٌ مشعٌ بكثافة عالية من التلوث. أنت لست انتحارية. تماسكي”، كانت هذه كلمات طبيب لزوجة أحد عمّال الإطفاء فاسيلي إيغناتيكو في موقع تشيرنوبل، التي أرادت أن تبقى إلى جانب زوجها الذي كان يحتضر آنذاك، حسب الشهادة التي أوردتها الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسفييتش في روايتها “صلاة تشيرنوبل” الصادرة عام 1997.
كما لم تستطع الأمهات والزوجات وداع أحبائهن من رجال الإطفاء، ومن كانوا يعملون بالمفاعل والمنطقة المحيطة، لأن الجثث العالية الإشعاع دُفِنت في مقبرة موسكو بطريقة خاصة، وفي توابيت من الزنك محكمة الإغلاق، تحت ألواح من الإسمنت. وعلى الرغم من أنه لسنوات، ظلّ الحديث عن وجود مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا وبالقرب من الحدود الروسية إلا أنه كان أقرب إلى المناطق المأهولة بالسكان في بيلاروسيا، لذا كان هذا الشعب المنسيّ الأكثر تضرراً على الإطلاق.
كانت الحادثة بسبب تجربة علمية مُخطط لها نفذت بشكل خاطئ، وأسفرت عن إطلاق مواد مشعة في الهواء مدة 10 أيام تقريباً. وأكدت التقارير العلمية الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة العلمية المعنية بآثار الإشعاع الذري أن ثلاث مجموعات سكّانية في البلدان الثلاثة الأكثر تأثراً لديها أعلى مستويات تلوث إشعاعي، وأنهم معرضون لخطر الآثار الصحية الطويلة الأجل من التعرّض للإشعاع، وهم العاملون في عمليات الإنقاذ والإطفاء والتنظيف.
وبالفعل سقط جميع عمّال عمليات الإطفاء في وقتها، وتوفوا خلال أيام، وأجلوا من المناطق الملوّثة، إضافة إلى هذه المجموعات الثلاث، أولئك الذين يعيشون بعيداً عن مكان الحادثة في كل من البلدان الثلاثة الأكثر تلوثاً، لكن أيضاً في أوروبا حيث وصلت نسبٌ من الإشعاع بفعل اتجاه الرياح.
وحظيت بيلاروسيا بنحو 70 في المئة من الإشعاعات الخطيرة التي خلّفها انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي، فأصبح 23 في المئة من أراضيها ملوثاً بالنويدات المشعة بكثافة مقابل 4.8 في المئة من أوكرانيا، و0.5 في المئة من روسيا. ويحتل الإشعاع المركز الرئيس بين عوامل الانقراض الديمغرافي، وتزيد نسبة الوفيات بمقدار 20 في المئة عن نسبة الولادات في مقاطعتي غوميل وموغيليف الأكثر تضرراً من الكارثة.
وحسب الموسوعة البيلاروسية عام 1996، فإنه نتيجة للتأثير الدائم للجرعات الصغيرة من الإشعاعات يزداد كل عام عدد المصابين بالأمراض السرطانية والتخلف العقلي والاضطرابات النفسية والعصبية، فضلاً عن التغييرات الجينية المفاجئة.
وذكرت دراسة تابعة لجامعة كاليفورنيا، أنّ دراسات سابقة أجريت بعد عقد من وقوع الحادثة قدّرت سقوط بين نحو 9 إلى 10 آلاف حالة وفاة بسبب سرطان الدم، بينما يمكن توقع السرطانات الصلبة على مدى الحياة بين أكثر السكان تعرضاً للإشعاعات في بيلاروسيا وأوكرانيا وغيرهما من دول الاتحاد الروسي.
وأوضحت الدراسة التي أجريت في 2016، أنّ الدراسات الوبائية التي تناولت الآثار الطويلة الأجل لانفجار تشيرنوبل ركّزت بشكل أساس على النتائج الصحية الثلاث الأكثر خطورة التي ظهرت في الثلاثين عاماً التالية للحادثة، وهي سرطان الدم وإعتام عدسة العين وأمراض القلب والأوعية الدموية بين عمال التنظيف، وسرطان الغدة الدرقية والأمراض غير الخبيثة في السكان الذين تعرضوا للإشعاع وقت أن كانوا أطفالاً ومراهقين. ومع ذلك، جادل عديد من التقارير الحديثة بأن العواقب النفسية أصبحت التأثير الصحي الرئيس للكارثة.
وتعتبر كارثة تشرنوبل عالمياً أسوأ كارثة للتسرب الإشعاعي والتلوث البيئي شهدتها البشرية حتى الآن. وصنفت ككارثة نووية من الدرجة الـ 7. وقعت الكارثة في القسم الرابع من مفاعل محطة تشرنوبل بالقرب من مدينة بريبيات في أوكرانيا التي كانت حينذاك واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. لذا تعد واحدةً من أهم الأحداث العالمية البارزة التي يصعب تصديقها، وقعت خلال المائة عام الأخيرة، مع ذلك، هناك عددٌ قليلٌ من الناس فهموا ما حدث فعلًا هناك. بعد قدر من الخلط والتشويش، تم تحريف كل المعلومات التي تسربت عن هذا الحادث خلال الأعوام الخمسة التي تلت الحادث؛ كي تتوافق مع قصةٍ مختارةٍ، وهي أنَّ المسؤولية واللوم يقعانِ بالكاملِ على كاهل العاملين الذين كانوا يديرون هذه المحطة. من هنا، تحولت جزئياتٌ وقليلٌ من المعلومات إلى نوعٍ من الأساطير والأحاجي، بالرغم من وضوح وجلاء كثيرٍ من الأقاويل غير الدقيقة التي راجت سابقًا.
يتتبع الكاتب الإنجليزي أندرو ليذربارو في كتابه “تشرنوبل.. 01:23:40.. الحقيقة كما حدثت” كارثة تشرنوبل انطلاقا من تاريخ الطاقة الذرية ليبدأ رحلته قبل وبعد الكارثة وما خلفته من آثار مدمرة بيئية وإنسانية، ويوثق الكثير من الشهادات والمعلومات العلمية والسياسية والاجتماعية والبيئية في ثلاثة عشر فصلا، مصححا لأقاويل غير دقيقة راجت عن كارثة الانفجار، وكاشفا عن تفاصيل ولحظات مروعة لما جرى قبيل الانفجار وأثناءه، وبالنهاية لا يقف عند ذلك بل يذهب بعيدا ليتتبع المفاعلات النووية في الشرق والغرب، ويصيغ كل ذلك بشكل مبسطا مستهدفا القارئ غير المتخصص.
يلفت ليذربارو في كتابه الذي ترجمه سمير محفوظ بشير والصادر عن دار العربي للنشر إلى أن “كلَّ كتابٍ جديدٍ أو فيلم سينمائيٍّ، مقال في صحيفة، أو موقع علَى الإنترنت يدلي بشكل مخالف للقصة الحقيقية لهذه الكارثة، وهذه المفارقات ما زالت منتشرة حتى يومنا هذا. ليس هذا فقط، فأنا لم أستطع العثور علَى أي عنوان يركز علَى أجزاء القصة التي أهتم بها، معظمها يخصص جزءًا بسيطًا للحادثة الحقيقية، ثم يختار بديلًا، وهو الحديث عن الآثار اللاحقة. أما مَن اهتموا بسرد الأحداث الحقيقية بالتفصيل، مثلما ورد في كتاب “مذكرات تشرنوبل”؛ فإنَّ الكاتبَ تجاهل تمامًا الوقائع التالية للحادث. آخرون أصبحوا متورطين في عرض السياسات والتأثيرات البيئية، مع تسجيل أرقام وأعداد لا نهاية لها، لذلك، بعد بحثي عن الكتب التي أود قراءتها كي أكتشف بعض العناوين غير المسجلة، قررت أن أكتب كتابًا”.
ويضيف “لا أود هنا أن أصبغ نوعًا من الإثارة علَى هذا الحادث، فما وقع مثير حقًّا من وجوه عدة، لكنَّ كثيرًا ما تُحكى قصة هذا الحادث بنوعٍ من المبالغة لإضافة الشكل الدراميِّ عليها، وهذا أعتبره فعلًا غير أمين، وليس ضروريًّا؛ فالأحداثُ الحقيقيةُ فيها من الدراما ما يكفي. أيضًا، لن أحاول هنا أنْ أدين أو أبرئ أحدًا، فأنا لا أطيق ما يلجأ إليه كُتَّابُ المؤلفاتِ غير الروائية بفرض آرائهم علَى القارئ. هنا سوف أعرض الحقائق بكل بساطةٍ، وأوضحها كما تراءتْ لي. وبالرغم من أنني بذلت جهدًا حقيقيًّا؛ كي أتأكد من أنَّ كلَّ المعلومات المذكورة هنا صحيحة ودقيقة، فإنه في النواحي المختصة بالمفاعلات النووية، قمت بتبسيطها إلى حدٍّ كبير، بغرض أنْ تصبح القصة سهلة التتبع علَى القارئ. هذا، وقد وضعت قصص الشخصيات المتورطة في الحادث عند حدها الأدنى، تحقيقًا لمبدأ الإيجاز”.
يركز ليذربارو في قصته علَى الأشخاصِ الذين رأيت أنه كان لهم دورٌ رئيسيٌّ في هذا الحادث. يقول “شعرت أنه من الأهمية بمكان أنْ أجعل هذا السرد يهتم بشخوصها، ولذلك استخدمت عددًا من الاقتباسات من الناس الذين كانوا هناك وقت الحادث، ولكن، لأنَّ وقتًا طويلًا قد مرَّ، فعرفت أنه لن يكون في إمكاني أنْ أبني قصةً كاملةً ودقيقةً لما حدث بسبب تعارض المعلومات التي أدلى بها الشهودُ، لكنني جاهدت كي أتأكد من أنْ يكون هذا الكتاب صادقًا وحقيقيًّا بقدر الإمكان، وعندما أكون غير متأكد من معلومة ما، فإنني أضع عنها ملحوظة في الهامش. لذا، إذا اتضح أنني لم أكن دقيقًا في معلومة معينة ثم ظهر الدليلُ القاطعُ علَى صحتها، فأرجو من القارئ ألا يتردد في إخباري بذلك، حيث إنني لا أطيق أن أتورط في ذكر أيِّ حقائق غير موثقة”.
ويشير إلى أنه أراد من كتابه تضمين تجربة رحلته التي قام بها إلى تشرنوبل عام 2011، “أردت بها أنْ أدرس هذه الكارثة أكثر. كانت تلك الرحلة مفيدة للغاية لي، بل وأقول إنها غيَّرت حياتي بالكامل. وهذه هي القصة الثانية، التي هي في الواقع أقل إثارةً من الأحداث التاريخية، وأتمنى أنْ تضيف شيئًا للمنظومة. لا أتذكر كثيرًا المحادثات أو النقاط الجيدة التي صادفتني خلال رحلتي تلك، حيث إنني لم أشأ أنْ أحصل علَى معلومات معينة أضيفها إلى كتابي، لذا فإنَّ نقصَ التفصيلاتِ في بعض النواحي هو اختيارٌ متعمدٌ. كل الصور الفوتوغرافية – التي تبلغ نحو ألف صورة – الملتقطة لمدينة بربيات وتشرنوبل الموضحة في هذا الكتاب قمت بالتقاطها بنفسي أثناء تلك الرحلة”.
يقول ليذربارو “في الساعة 01:23:04 تم فصل المولد رقم 8، وبدأت قوته تخبو، لم يكن لدى المشتغلين أي فكرة عما سيحدث، لذا انشغلوا في تهدئة لغة الحوارات، مبدين ملاحظة أن عمل المفاعل قد اكتمل، ويمكن لهم الآن أن يغلقوه تماما. لكن ما حدث بعد ذلك ليس واضحا بدرجة 100%؛ ادعى دياتلوف ـ لاحقا ـ أن التجربة استمرت بشكل عادي بلا أي مشاكل، وأن أكيموف ضغط بكل بساطة على مفتاح مفتاح أمان الطوارئ EP-5 الذي يغلق المفاعل بعد اكتمال التجربة المخطط لها. آخرون قالوا إنه حدثت ـ حينئاك ـ صيحات، وأن أكيموف ضغط على المفتاح بعدما شاهد توبتونوف القراءات في لوحة مفاتيح الضبط التي بينت وقوع مشكلة خطيرة. وبالرغم من أن التفاعل النووي زاد قليلا بينما تهبط حركة التوربين، لكن بعض التقارير وعمليات المحاكاة استنتجت أنه لم تحدث أي ظاهرة غريبة قبل الضغط على المفتاح، وأن كل القراءات في ظل كل هذه الظروف كانت طبيعية”.
ويضيف “بغض النظر عن كل هذا، في الساعة 01:23:40 يوم 26 أبريل 1986، أصدر ألكسندر أكيموف (عمره 32 عاما) قراره المصيري عندما ضغط على مفتاح أمان الطوارئ رقم EP-5 لتبدأ عملية الـ “SCRAM” جاعلا كل قضبان الضبط الباقية في بداية نزولها البطئ نحو النواة، كان غلق مفتاح الطوارئ هو اختيار أيموف الواضح.. هناك جزء كبير من الأسباب التي نرى أنها تقف وراء مسألة أن النواة فقدت استقرارها؛ من ضمنها أن الـ 211 قضيبا للضبط كانت قد ارتفعت عن أماكنها المعتادة، مما جعل أكيموف ومعه زملاءه على قدر ضئيل من القدرة على التحكم في المفاعل، وربما يكون ـ إذا كانت تلك القصص التي راجت من أن توبتونوف كان يصيح فيه هي قصة صحيحة ـ هنا، اعتبار الرجل أن ذلك هو خياره الوحيد، إذا أخذنا في الحسبان أن هناك عديدا من أنظمة الأمان كانت قد تعطلت. للأسف ، وللحقيقة، كان ذلك أسوأ تصرف يصدر عنه؛ خلال ثوان معدودة، توقفت قضبان التحكم عن الحركة تماما”.
ويوضح ليذربارو “أصبحت مضخات المياة مصابة بما يسمى بالتكهيف أو التجويف ومملوءة بالبخار، بذلك خفضت من حجم وكمية مياه التبريد التي لا غنى عنها، كذلك سامحة لحدوث فجوات البخار “هي جيوب من البخار كان واجبا أن يكون بديلها هو الماء” أن تتكون عند النواة النووية، علما بأن غياب الماء البارد يحدث تسارعا رهيبا في القوة المنبعثة من المفاعل، بتعبير أبسط: مزيد من البخار = مياه تبريد أقل = مزيدا من الحرارة = مزيدا من البخار. ولأنه كانت هناك أربع مضخات من ثمان تهرب من التوربين المتباطئ، لذا حصل المفاعل على القليل من مياه التبريد، في حين أن الحرارة تزداد في الوقت نفسه، عبر كل مبنى المحطة الشاسع، كان يسمع صوت “طرقات” قادمة من اتجاه قاعة المفاعل الرئيسية، أما المؤشرات والقراءات التي ظهرت على لوحة الضبط أكيموف أوضحت بجلاء أن قضبان التحكم لم تتحرك كثيرا بعد تجمدها عن الحركة، لم تتحرك سوى 2.5 مترا من وضعها العلوي؛ لذا وهو يفكر بسرعة بالغة قام على الفور بتفكيك روابط القضبان من محركاتها، كي تتمكن هذه القضبان الثقيلة أصلا من أن تهبط سريعا نحو النواة، بسبب ثقلها الذاتي، لكنها للأسف لم تتحرك بتاتا؛ لقد انحشرت: “فكرت أن عيني قد برزتا من محجريهما، لم يكن هناك أي تفسير معقول لحدوث ذلك”، هكذا تذكر دياتلوف، بعد مرور ستة أعوام تالية: “كان واضحا أن ما كان يحدث أمامنا ليس طبيعيا، لكنه شيء أكثر رعبا، إنها كارثة”.
ويشير ليذربارو أنه “في عام 1973، صنعت روسيا المفاعل فائق القوة RBMK-1000 – المماثل للمفاعلات التي استخدمت في تشرنوبل، التي كانت تحت الإنشاء – حينذاك – وقد بدأ العمل في تصنيعها في لينينجراد. استمرت كل من أميركا ومعظم الدول الغربية في تزويد المفاعلات في تصميمها بالمياه المضغوطة للتبريد، وهي مياه مبردة كخيار أمان. مع نهايات عام 1970 حتى بدايات عام 2000، هدأ نوعًا ما بناء المفاعلات الجديدة؛ حدث هذا نتيجة للحوادث التي وقعت في مفاعلات كل من تشرنوبل الروسية، وحادثة جزيرة الثلاثة أميال الأميركية، مع ضرورة تحسين وتطوير مقدار الطاقة المنبعثة وكفاءة المفاعلات الموجودة فعلًا.
بلغت مسألة توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة النووية أقصى نشاط لها مع تعداد المفاعلات العاملة حتى عام 2002، حيث بلغ عدد المفاعلات 444 مفاعلًا في الولايات المتحدة وحدها، إلا أنه في عام 2006 بلغ إنتاج القوى الكهربائية من المفاعلات النووية أقصى حدودها، حيث ولدت تلك المحطات مجتمعة 2660 تيرا وات/ ساعة في هذا العام.
ويكشف أنه خلال عام 2011، ولدت المحطات النووية 11،7% من إجمالي كهرباء العالم، من 430 محطة مفاعلات نووية، تعمل في 31 دولة، جميعها استطاعت توليد 372 ألف ميجاوات كهرباء. الآن، تعتبر أكبر محطة مفاعلات نووية في العالم هي محطة كاشيوازاكي – كاريوا اليابانية، التي تستطيع توليد 8000 ميجاوات من سبعة مفاعلات، بالرغم من أنها متوقفة عن العمل حاليًّا. هذا، وبينما تعتبر فرنسا هي أكثر الدول اعتمادًا علَى الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، حيث تولد 75% من الكهرباء عبر محطاتها النووية؛ يترواح مدى اعتماد أميركا وروسيا علَى هذه النوعية من توليد الكهرباء بما يمثل فقط 20% من إجماليِّ توليدهما للطاقة الكهربائية. أما كل من سلوفاكيا والمجر فهما الدولتان الوحيدتان اللتان تولدان حوالي 50% من كهرباء المحطات النووية مع نهاية عام 2014، هذا بالرغم من أن أوكرانيا، حيثما تقع محطة تشرنوبل، ما زالت تعتمد علَى كهرباء الطاقة النووية بمقدار 49% من إنتاجها للكهرباء”.
أعداد الضحايا
لا تزال أعداد الضحايا الذين سقطوا قتلى نتيجة تفجير تشيرنوبل تشكّل قضية خلافية. فحسب العدد الذي أعلنته السلطات السوفياتية وقتها، فإنّ 30 شخصاً توفوا جراء التفجير والإشعاع في موقع الحادثة، لكن نُقِل 237 جواً إلى موسكو، لعلاجهم في مستشفى خاص، حيث احتجزوا في أقسام مخصصة، ومُنِعت الزيارات عنهم، بينما كان من يخدمهم يرتدي بدلات خاصة واقية من الإشعاع، نظراً إلى خطورة المواد المشعة التي كانت أجسامهم تشبّعت بها جراء التفجير، وفقاً لشهادات زوجات وأمهات بعض الضحايا. وتوجد 4000 آخرين توفوا على مدار أشهر قليلة، لأسباب تتعلق بالإشعاع.
وبينما لا يتضح العدد النهائي لقتلى تشيرنوبل، قالت منظمة السلام الأخضر الدولية إنها تتجاوز الـ90 ألفاً، لكن شارك أكثر من 600 ألف شخص في عمليات التنظيف داخل وحول المحطة النووية، حيث ظلّت المفاعلات الأخرى تعمل حتى عام 2000، وأعيد توطين أكثر من 350.000 شخص من المنطقة المحيطة بشكل دائم خارج منطقة الاستبعاد التي تبلغ 1000 ميل مربع، التي لا تزال مهجورة تماماً، ولا يقطنها سوى بعض الحيوانات المشعة. وتقول تقديرات الأمم المتحدة، إنّ أكثر من 3.5 مليون شخص تضرروا في نهاية المطاف، وتلوث نحو 20 ألف ميل مربع.
وذكرت دراسة ميدانية أجرتها كيت براون، مؤرخة علمية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلفة كتاب “دليل البقاء” حول تشيرنوبل، أنه في حين حُدّد العدد الرسمي للوفيات بـ33 إلى 54 شخصاً، وجدت 35000 أرملة تتلقى تعويضاً عن الأزواج ضحايا الكارثة، وبشكل غير رسمي، علمت أن عدد القتلى على الأرجح 150.000.
بسبب هذا التباين الواضح في الأرقام يقدّم لكم موقع BuzzFeed الأمريكي 14 معلومة مرعبة بالفعل عن الانفجار الأكبر في التاريخ.
1 – لا يوجد عدد نهائي لقتلى تشرنوبل
يتضمن هذا العدد حالتي وفاة فورية نتيجة الانفجار، و29 حالة وفاة خلال الأشهر التالية نتيجة التعرض لإشعاعات حادة، والآلاف الذين ماتوا مستقبلاً لأسباب تتعلق بالإشعاع.
2 – حياة شنيعة عاشها المصابون
فاسيلي إجناتينكو، أحد أوائل رجال الإطفاء المستجيبين للكارثة، والذي ظهرت شخصيته في مسلسل Chernobyl من إنتاج HBO، عانى موتاً بطيئاً وشنيعاً لمدة أسبوعين نتيجة التعرض للإشعاع.
كان يتبرز مخاطاً دموياً أكثر من 25 مرة يومياً وتخرج أجزاء من أعضائه الداخلية مع السعال.
3 – انتفاخ جسد المصابين وتشوههم
في جنازة إجناتينكو، أصبح جسده منتفخاً ومشوهاً، ولم يلائمه حذائه أو ملابسه.
ذكرت أرملته، ليودميلا، في كتاب Voices From Chernobyl إنهم لم يتمكنوا من وضع الحذاء بقدمه لأنها انتفخت بشكل كبير.
وأضافت أنهم اضطروا إلى تمزيق الملابس الرسمية أيضاً لأنهم لم يتمكنوا من إدخال جسده بها، ولم يكن هناك جسد كامل لوضع الملابس عليه”.
4 – ظهور بقع سوداء في الجثث
هناك روايات أخرى تشير إلى ظهور “بقع سوداء” في بعض الجثث، وأن بعض الجثث أصبحت “سمينة، مثل البراميل”، وأن بعض الجثث أيضاً تحولت إلى “اللون الأسود، مثل الفحم، وتقلص حجمها”.
العديد من تلك الروايات ذُكرت في كتاب Voices From Chernobyl على لسان أشخاص في المناطق المجاورة كان عليهم النزوح من منازلهم.
5 – عمليات الإجهاض وصلت إلى 200 ألف
هناك ما يقدر بـ 100,000 – 200,000 عملية إجهاض في أوروبا بعد كارثة تشرنوبل نتيجة “رهاب الإشعاع”.
وفقاً لموقع Live Science الأمريكي، نصح العديد من الأطباء في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي النساء الحوامل بالإجهاض لتجنب ولادة أطفال بتشوهات أو أي مشكلات أخرى، على الرغم من أن مستوى الإشعاع الفعلي الذي تعرضت له تلك النساء أقل من أن يسبب أي مشكلة.
6 – الغابات الحمراء
أصبحت المنطقة المحيطة بتشرنوبل تُعرف بـ “الغابة الحمراء” بسبب موت الأشجار.
تحولت الأشجار إلى اللون الأحمر الساطع، إلى أن جُرّفت ودفنت في النهاية.
7 – تشرنوبل أصبحت منطقة محظورة
أصبحت مدينة تشرنوبل، ومدينة برابيت (القريبة والتي تضم الكثير من السكان)، والكثير من المناطق المحيطة تُعرف الآن بمنطقة العزل أو المنطقة المحظورة، وغير مسموح بالعيش أو الانتقال إلى هناك.
وبالرغم من ذلك، لا يزال هناك بشر يعيشون في تلك المنطقة.
وتقدر الأعداد بحوالي 130 – 150 شخصاً يعيشون هنا، معظمهم من النساء الكبار اللاتي لا يزلن يعملن بزراعة أراضي عائلاتهن.
8 – الحياة في تشرنوبل
أصبحت المنطقة المحظورة قاحلة حيث لا توجد مدارس ولا رعاية صحية والحياة هناك غير آمنة حيث لا يزال بها نشاط إشعاعي.
9 – لم يسمح للأهالي بأخذ حيواناتهم
لم يكن مسموحاً للسكان أخذ حيواناتهم أثناء الإخلاء في عام 1986، وكان هناك عدد كبير من الكلاب المنزعجة “تعوي” وتركض وراء الحافلات لوقت طويل.
وكما في المسلسل، هناك فرق أُرسلت للقضاء على تلك الحيوانات.
ولكن لا يزال هناك مئات الكلاب الشاردة تعيش في غابات تشرنوبل والمنطقة المحظورة، وهم سلاسة من تُركوا هناك وتمكنوا من النجاة.
وللأسف، متوسط العمر المتوقع لتلك الكلاب أقل من المعتاد بسبب الإشعاع.
وفقاً لصحيفة The Guardian، فإنهم يحملون مستويات متزايدة من الإشعاع في الفرو ولا يعيشون طويلاً بعد السنة السادسة”.
10 – بإمكان الجميع زيارة المنطقة!
لا يزال بإمكانك فعلياً زيارة المنطقة المحظورة؛ في الواقع، آلاف الأشخاص يفعلون ذلك.
أشارت الوكالات السياحية إلى ارتفاع تجاوز 40% في حجوزات رحلات اليوم الواحد منذ بث مسلسل تشرنوبل.
11 – أشياء مخيفة ستراها في تشرنوبل
من الأشياء التي قد تراها اليوم مقصف مدرسة مليء بأقنعة غازات مهملة على الأرض. وهذا أحد “المعالم” المخيفة التي قد تراها في تلك الجولة.
أو تلك الدمى الغامضة التي وضعت بدقة متناهية في الأسرّة بمنطقة تشرنوبل.
لا نعلم من فعل ذلك، ولكنها قد تكون صورة رمزية يُقصد بها “تحية” للأطفال الذين عاشوا هناك في وقت من الأوقات.
وهناك أيضاً رسومات ظليّة غريبة تظهر على المباني المختلفة، وصور أشباح، كما أن المتنزه المهجور في بريبات يبدو مسكوناً.
12 – ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في أوكرانيا
في أوكرانيا، خلال السنوات الخمس الأولى بعد الكارثة، ارتفعت حالات الإصابة بالسرطان بين الأطفال إلى أكثر من 90%.
وخلال السنوات العشرين الأولى من الكارثة، سُجلت حوالي 5,000 حالة سرطان بالغدة الدرقية في روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء لأشخاص بعمر أقل من 18 سنة.
13 – استمرار عمل تشرنوبل
رغم الحادث الكارثي إلا أن محطة مفاعل تشرنوبل استمرت في العمل فعلياً حتى ديسمبر/كانون الأول 2000.
14 – متى ستكون مناسبة للسكن مجدداً؟
لن تكون المنطقة المحيطة بتشرنوبل آمنة ليسكنها البشر قبل 20,000 عام على الأقل، وبالأخص، المنطقة المحيطة بالمحطة السابقة.
المنابع: مواقع وصحف