نعتقد ان الذين بالغوا في سخريتهم من القيادة الإيرانية، واتهموها بالجبن، وعدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت اغتيال علمائهم، ومنشآتهم النووية، وآخرها منشآة نطنز لتخصيب اليورانيوم يشعرون بالندم وهم يتابعون الأنباء التي تتحدث عن قصف سفينة إسرائيلية قبالة الشارقة في دولة الامارات العربية المتحدة، ولم تتردد القيادة الإيرانية في الاعتراف بوقوفها خلفه عبر وكالة تنسيم الرسمية.
هذا الرد لم يفاجئنا نحن الذين كتبنا في هذا الحيز عن حرب الناقلات المشتعلة بين ايران و”إسرائيل” في البحر الأحمر والمحيط الهندي، فقبل بضعة أيام فقط جرى استهداف سفينة إسرائيلية قرب ساحل جيبوتي في مدخل باب المندب الاستراتيجي، كانت في طريقها من تنزانيا الى الهند، مثلما جرى استهداف سفن إسرائيلية أخرى قبالة السواحل اليمنية والسعودية جرى التكتم عليها.
فرحة الإسرائيليين، واحتفالهم بالوصول الى المنشأة الإيرانية، وتدميرها، لم تدم طويلا، ولا نبالغ اذا قلنا، ان هذه الفرحة انقلبت الى “مأتم”، وضاعفت من حالة القلق التي تسود اوساطهم حاليا، فمن يقصف السفن في البحر ربما يقصف، بشكل مباشر، او عبر حلفائه، العمق الفلسطيني المحتل بالصواريخ الدقيقة.
اختيار ساحل الشارقة الإماراتية لقصف السفينة الإسرائيلية ربما كان مقصودا بعناية فائقة، لان دولة الامارات كانت من الدول التي اقدمت على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في أيلول (سبتمبر) الماضي (سلام ابراهام)، وتحدثت تقارير استخبارية عن توصل الجانبين، أي الاماراتي والإسرائيلي، الى اتفاقات امنية وعسكرية مشتركة لمواجهة اإيران.
نحن امام انقلاب خطير في قواعد الاشتباك في المنطقة، عنوانه الأبرز انتقال الإيرانيين من ضبط النفس الى الرد الفوري على الاعتداءات الإسرائيلية و”اول الغيث حنجلة” مثلما يقول المثل، سفينة مقابل سفينة، وربما مفاعل مقابل مفاعل لاحقا.
ليس السفن الإسرائيلية التي لم تعد آمنة فقط، وانما الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء في العمق الإسرائيلي أيضا في المرحلة المقبلة، ويتحمل بنيامين نتنياهو المسؤولية الأكبر عن حالة التصعيد هذه لأسباب شخصية انتخابية محضة، وسيدفع الإسرائيليون جميعا ثمن هذا الاستفزاز من امنهم واستقرارهم.
أمريكا التي تنصلت من الهجوم الإسرائيلي على مفاعل نطنز، وقالت انها لم تشارك فيه، تتحمل المسؤولية أيضا لأنها اعطت الضوء الأخضر لهذا العدوان على المنشأة اثناء وجود وزير دفاعها في تل ابيب، وصمتها وعدم لجمها لحليفها الإسرائيلي، وقد تدفع وحلفاؤها في أوروبا ثمنا باهظا في محادثات العودة للاتفاق النووي الإيراني خاصة بعد فرض الأوروبيين عقوبات اقتصادية وسياسية على مسؤولين إيرانيين كبارا.
قلناها الف مرة، ان إسرائيل لن تستطيع حماية نفسها، وسفنها، ومستوطناتها وموانئها اذا اشعلت فتيل الحرب، وواصلت عدوانها على دول محور المقاومة، ناهيك عن حماية حلفائها العرب الجدد، والقادم ربما يكون اعظم.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان