ولهذا فإن مجمل التفسيرات القائلة بإمكانية تقديم تنازلات إيرانية هي تفسيرات واهية ومبالغ فيها لأنّ الجمهورية الاسلامية خبرت طوال العقدين الماضيين عدم رزانة المواقف الغربية وهي تعي أيضاً ان الطرف الاميركي الذي ترفض طهران الجلوس معه في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة هو طرف مخادع وسخيف ولا يوثق به بأي شكل من الاشكال.
ومع ذلك فإن اجتماع فيينا اليوم الذي يأتي استكمالاً لما تم التباحث فيه في المفاوضات التلفزيونية (الفيديو كونفرانس) الاسبوع الماضي، اذا لم يكن مفيداً فإنه بنظر ايران لن يضر لأنها ستغتنم فرصة هذا اللقاء للتأكيد على ثوابتها المشروعة بحذافيرها دون السماح للأطراف الغربية باستدراجها مجدداً الى فخ الوعود المعسولة والكاذبة وسياسات المراوغة والتسويف التي اعتادت عليها دول الترويكا الاوروبية (فرنسا وبريطانيا والمانيا) وسيدتها اميركا المارقة على جميع القوانين والمواثيق الدولية.
الجمهورية الاسلامية أعلنت مقدماً مطالبها المحقة الثلاث وهي رفع العقوبات الاقتصادية المعمول بها في إطار الضغوط الاميركية القصوى، وكذلك التثبّت من الاجراءات العملية لإلغاء العقوبات وأيضاً تعويض ايران عن الخسائر المالية والمعنوية التي تكبدتها جراء الضغوط وتقدر بأكثر من 70 مليار دولار.
وسواء حصلت ايران أو لم تحصل على النتائج المرجوة من اجتماع فيينا عاصمة الاتفاق النووي فإنها ماضية قدماً في تطوير قدراتها وإمكاناتها التقنية والصناعية والعلمية ومن ذلك تطوير وإنتاج أنواع جديدة من أجهزة الطرد المركزي والذي سيتم عرضها في اليوم الوطني للصناعات النووية قريباً برعاية رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين.
لقد اعترف الاميركان ومعهم الاوروبيون بالاضافة الى روسيا والصين بأن الضغوط القصوى باءت بالفشل الذريع لأنها زادت من صلابة الموقف الايراني الحازم الذي استثمر هذه الضغوط في تحقيق الاكتفاء الذاتي وبقفزات جبارة لم يظن الغربيون ان يكون لها مثل هذه التاثير في تقوية التماسك الوطن الاسلامي الايراني أكثر فأكثر. هذا في حين ان هؤلاء لا يتوقفون عن حياكة المؤامرات والفتن وإثارة المزاعم الزائفة ضد ايران.
من المؤكد ان الجمهورية الاسلامية تمتلك حاليا بُنىً تحتية صلدة، وقد وقعت اتفاقية شراكة استراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية ينتظر منها ان تبرز تحولا مصيريا على المستويين الاقليمي والدولي وذلك اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار انها (الاتفاقية) ذات بنود من المعيار الثقيل والتي تؤسس لتوجه عالمي متعدد الاقطاب لن يعبأ من الآن فصاعداً بالسلوكيات الاستكبارية الاميركية الخرقاء والمتعجرفة التي تخطط لابتلاع العالم وتكريس الهيمنة الامبريالية.
ولا شك في ان الترويكا الاوروبية ستبدي مخاوفها نيابة عن اميركا من هذه الاتفاقية العملاقة ومن المؤكد ان وفد الجمهورية الاسلامية في فيينا سليجم أفواه الغربيين اذا ما أبدوا مثل هذا التدخل باعتبار ان إثارة ذلك لا يرتبط بالاتفاق النووي لا من قريب ولا من بعيد.
بقلم الكاتب والاعلامي
حميد حلمي البغدادي