ج: نعم جاء في الدّين أنّ الإنسان زوّد بالهَدْي الذي ينبغي أن يسير عليه لإدراك مصلحته في هذه الحياة؛ من خلال تجهيزه بإمكانات وطاقات عديدة، وهي كما يأتي..
أوّلاً: "العقل" الذي يدرك به الأشياء، وهو بمثابة الأمّ لجميع قوى الإنسان، قال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾.
ثانياً: "الضمير" الذي يدرك به ما ينبغي أن يفعله وما لا ينبغي فعله، وهو الذي يمثّل روح الفضيلة في الإنسان، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾.
ثالثاً: "روح الحكمة" الذي يقيس به الإنسان الضرر والنفع بملاحظة العاجل والآجل؛ لاختيار الأنفع له، وقد يشير إليه مثل قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَـهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾، والمراد أنّ السير في الأرض يحفز روح الحكمة والاعتبار في الإنسان.
رابعاً: "رغبات اعتياديّة" وهي تمثل ضمانات لبقاء الفرد والنوع، كالرغبة في الجاه والمال والطعام والأمومة والزواج.
وهذه الرغبات غير محدودة ـ في حد نفسها ـ بحدّ الحكمة والفضيلة، بل هي نزعات نفسيّة تسوق الإنسانَ إلى إرضائها، ووظيفة الإنسان ألاَّ يستجيب لها فيما هو خارج عن حدودهما.. وإلا لكانت أشبه بالمرض الذي يُبتلى به الإنسان.
خامساً: "حرية الاختيار" وهي مِقوَد الإنسان في هذه الحياة الذي يستطيع أن يوجهه إلى منحى التعقل والحكمة والضمير، أو إلى الاسترسال في تصرفاته بحثاً عن الاستزادة فيما يشبع الرغبات، كما ذكر في الآية الكريمة: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾.
ويترتب على هذه الصفة تحميل الإنسان مسؤوليّة أعماله، فإن أحسن استوجبَ المدحَ والثناء والتقدير، وإن أساء استوجبَ العتابَ والذم والعقاب.
ويستطيع الإنسان من خلال هذه الصفة المهمة أن يتحكم في خصاله، فينمي في نفسه الخصال الحسنة كالقيم الفاضلة والاستعدادات النافعة، ويبتعد عن الخصال السيّئة والضارة مثل الخطايا والممارسات الضارة.
والهَدي الذي ينبغي أن يسير عليه الإنسان في الحياة ـ ليدرك مصالحه و يدرأ مفاسده ـ هو إدراك الأشياء بالعقل، ثم الانبعاث الحرّ من روحَي الحكمة والفضيلة، كما قال تعالى: [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْـهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا].
هذا هو تحليل الدّين لحقيقة الإنسان وقواه النفسية، وهو مطابق لما يجده الإنسان بوجدانه العامّ.
بقلم السيد محمد باقر السيستاني