١- الامام الصادق عليه السلام.
٢- الامام الكاظم عليه السلام.
٣- الامام الجواد عليه السلام.
ولكن عندما كانت بغداد مساحة من الأرض قبيل ان تخطط مدينة في عهد ابي جعفر المنصور، فان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد مر في بعض مناطقها، وهو في طريقه الى (النهروان) لمقاتلة الخوارج المتمردين على حكمه عام ۳۷هـ، فنزل عليه السلام في موقعي (قطفتا) و(بادوريا) فيقول الامام الصادق عليه السلام: ان امير المومنين عليه السلام حين أتى أهل النهروان نزل قطفتا فاجتمع اليه اهل بادوريا فشكوا إليه ثقل خراجهم(1).
وقد حدد الجغرافي ياقوت الحموي موقع قطفتا في الجانب الغربي من بغداد، وهي تجاور لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخي، وبينها وبين نهر دجلة أقل من ميل، وهي مشرفة على نهر عيسى، الا أن العمارة بها متصلة الى نهر دجلة (2).
ويبدو أن بعض احياء المنطقة الغربية من بغداد كانت مأهولة بالسكان في عهد امير المؤمنين عليه السلام، وان المدينة المدورة التي بناها ابو جعفر المنصور تشكل جزءا منها، اما منطقة (بادوريا) الواردة في النص، فانها عبارة عن طسوج من كورة الاستان تقع في الجانب الغربي من بغداد، ويقول ياقوت الحموي: (كما كان من شرقي الصراة فهو بادوريا، وما كان في غربيها فهو قطربل)(3).
ولم يدخل بغداد بعد بنائها من الأئمة عليهم السلام عدا (الصادق والكاظم والجواد) وقد استدعي الامام الصادق عليه السلام الى بغداد، بعد اخفاق حركة محمد ذي النفس الزكية واخيه ابراهيم عام 145هـ، وقد التقى بابي جعفر المنصور في الوقت الذي لم يكن عليه السلام على صلة بثورة آل الحسن وانصارها، في موضع (شادروان) التقى الامام الصادق عليه السلام بابراهيم الكرخي، ودار بينه وبين الامام عليه السلام حديث عن الكرخ ومواضع خططه.
وكان الامامية من الشيعة قد اتخذوا من الكرخ مساكن لهم، وتقع في وسط بغداد، والمحال حوله (4).
ويعطي لقاء الامام الصادق عليه السلام بابراهيم الكرخي دلالة على وجود الشيعة في الكرخ منذ تأسيس بغداد الدورة، ونقل الخطيب البغدادي نصا عن الامام الصادق عليه السلام حول مدينة (المهدية) الواقعة في بغداد الشرقية بقوله: (لما بنى المهدي قصره بالرصافة دخل يطوف فيه ومعه ابو البختري وهب بن وهب قال: فقال له: هل ترون في هذا شيئا، قال نعم، حدثني جعفر بن محمد عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: خير صحونكم ما سافرت فيه ابصاركم)(5). ويقول ياقوت الحموي: إن محمد المهدي بن ابي جعفر المنصور قد عسكر بالجانب الشرقي من بغداد، فالتحق الناس به، وعمروا المنطقة وسميت باسمه(6).
وكان الامام موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام، استدعي الى مدينة بغداد في عهد المهدي والرشيد، وتعرض للسجن اكثر من مرة، فكان السجن الأول في عهد المهدي، ثم اطلق سراحه، وقد اشار الى ذلك الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، واشار الكليني في كتابه (الكافي) أن المهدي العباسي، استدعى الامام الكاظم عليه السلام الى بغداد، عدة مرات وبقى الامام الكاظم تحت الرقابة الحكومية في عهد المهدي والهادي ولكن المصادر قد اشارت الى ان عهد هارون الرشيد كان عهد تضييق على العلويين، وقد استدعى الامام الكاظم عدة مرات الى بغداد، فقد كان يضعه في السجن تارة، ويطلقه تارة أخرى (7).
وذكر المسعودي في (مروج الذهب ومعادن الجوهر) واليعقوبي في تاريخه، والشيخ المفيد في الإرشاد، وغيرهم من المحدثين والمورخين والرجاليين اخبارا عن الامام الكاظم عليه السلام في مدينة بغداد، وقد حفظ لنا المؤرخ اليعقوبي نماذج من مواعظه وأحاديثه، كان بعضها قد تحدث عنها في سجن الرشيد ولا بد انها نقلت عنه الى اوساط المجتمع البغدادي، وحفظها المؤرخون في كتبهم.
وقد روي الحسن بن سعد: سمعت موسي بن جعفر يقول: ما هان الدنيا قوم قط الا هنأهم الله اياها، وبارك لهم فيها وما اعزها قوم قط الا بغضهم الله اياها، وقد اعطى عليه السلام، وهو في ظلمات السجن درسا للناس عند تعاملهم مع السلطة الجائرة، يوم قيل له: لو كتبت الى فلان يكلم فيك الرشيد؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه: ان الله عز وجل اوحى الى داود: يا داود انه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقه دوني عرفت ذلك منه الا قطعت عنه اسباب السماء واسخت الارض من تحته(8).
ولا اريد هنا التحدث عن صلة الامام الكاظم عليه السلام، بحكام بني العباس في المدينة المنورة، او سيرته عليه السلام، وانما الوقوف على صلته بالعباسيين في بغداد، ويبدو ان الامام الكاظم عليه السلام قد طغت شهرته في الافاق والتف حوله رجال العلم والفكر، واعتقد الناس بامامته، وجباية الأموال اليه ادى الى قلق الرشيد، وخوفه من انتزاع السلطة من يده، ولعل محاورته مع الرشيد حول فدك قد اثارت اهتمام الرشيد وفزعه من خطورة الحديث، بعد ان قبل الامام عليه السلام فدكاً على ان تكون بحدودها وهي: الحد الأول: عدن، والحد الثاني : سمر قند، والحد الثالث: افريقيا، والحد الرابع: سيف البحر، فتغير وجه الرشيد واربد، وقال له: لم يبق لنا شيء، فأجابه الإمام عليه السلام بقوله: لقد اعلمتك أن حددتها لم تردها، وهذا مما ادى الى وضع الامام في سجن الدولة حتى استشهاده.
ويقول المؤرخ اليعقوبي: ان الامام الكاظم عليه السلام مكث في سجون الرشيد ببغداد، واقدم السندي بن شاهك على قتله(9). اما الامام محمد الجواد عليه السلام، فانه اشخص الى بغداد في محرم الحرام عام 225 هـ في عهد المعتصم العباسي(10). واشارت بعض المصادر ان المأمون استدعي الامام الجواد عليه السلام الى بغداد، وانزله بالقرب من داره، وتظاهر في بره وإكرامه (11).
ثم عاد إلى المدينة بعد وفاة المأمون، ثم استدعاه المعتصم الى بغداد، ودبر مقتله في بالسم عام 220 هـ، وفي رواية عام 225 هـ، وورد في (بحار الانوار) ان الامام الجواد عليه السلام في عهد المأمون، كان العلماء والمحدثون يتوافدون عليه(12).
ولعل هذا التوافد على الامام الجواد قد اقلق المعتصم مما اقدم على جريمته باغتيال الامام، ويقول الأستاذ الصغير: (ولقد مكث الامام محمد الجواد في بغداد استطاع أن يجمع حوله كوكبة من اصحابهم وامدهم بالاحاديث والروايات التي توضح لهم معالم الدين، وقد يكون اتصال بعضهم بالامام مباشرة، ويروي عنه مشافهة وقد يكون ذلك عن طريق المكاتبة وتسلم الجواد، على أن ذلك كان بحدود، الا ان مجالس المناظرة والمحاورة التي اعدت للامام الجواد عليه السلام اكسبته شهرة مدوية في الوسط العلمي، وقداسته وهديه جعلاه في مصف الاولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(13). وكانت مدرسة الامام الجواد عليه السلام في بغداد امتدادا لمدرسة جده الامام الكاظم عليه السلام، رغم الظروف القاسية التي خلقتها السلطة العباسية امام ائمة ال البيت عليهم السلام.
الدكتور حسن عيسى الحكيم
اقتباس من كتاب (مدرسة بغداد العلمية وأثرها في تطور الفكر الامامي)، ص 9-14.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) المجلسي : بحار الانوار 67/83.
(2) ياقوت الحموي : معجم البلدان 4/376.
(3) ياقوت الحموي : معجم البلدان 1/317.
(4) ياقوت : معجم البلدان 4/448.
(5) الخطيب : تاريخ بغداد 1/82، يعقوب ليسنر: خطط بغداد في العهود العباسية الاولى ص78.
(6) ياقوت : معجم البلدان 3/46.
(7) الحسني : سيرة الأئمة الاثني عشر2/327-328.
(8) اليعقوبي : التاريخ 3/107.
(9) الحسيني: سيرة الأئمة الاثني عشر 3/101.
(10) المفيد : الارشاد ص329.
(11) الحسني : سيرة الأئمة الاثني عشر ص436.
(12) المجلسي : بحار الانوار 12/110.
(13) الصغير : الامام محمد الجواد ص97-98.