إنّ دعوانا هي تحرير فلسطين وليس تحرير جزء من فلسطين. أيّ مشروعٍ يريد تقسيم فلسطين مرفوض بالمرّة. مشروع الدولتين الذي خلعوا عليه لبوس الشرعية «الاعتراف بحكومة فلسطين كعضو في منظمة الأمم المتحدة» ليس سوي الاستسلام لإرادة الصهاينة، أي «الاعتراف للدولة الصهيونية بالأرض الفلسطينية».
وهذا معناه سحق حقوق الشعب الفلسطيني وتجاهل الحق التاريخي للمهجّرين الفلسطينين، بل وتهديد حقوق الفلسطينيين الساكنين علي أراضي 1948.
وهو يعني بقاء الغدة السرطانية والتهديد الدائم لجسد الأمة الإسلامية وخصوصاً شعوب المنطقة. وهو بمعني تكرار آلام ومحن عشرات الأعوام وسحق دماء الشهداء.
أي مشروع عملي يجب أن يكون علي أساس مبدأ: «كل فلسطين لكل الشعب الفلسطيني». فلسطين هي فلسطين «من النّهر إلي البحر»، وليس أقل من ذلك حتي بمقدار شبر واحد.
طبعاً يجب عدم نسيان أن الشعب الفلسطيني كما فعل في غزة، سوف يتولي إدارة شؤونه بنفسه عن طريق حكومته المنتخبة في أيّ جزء من تراب فلسطين يتمكّن من تحريره، لكنه لن ينسي الهدف النهائي علي الإطلاق.
النقطة الثانية هي أنه من أجل الوصول إلي هذا الهدف السامي لا بد من العمل وعدم الاكتفاء بمجرّد إطلاق التصريحات، ولا بد من الجدّ وليس الممارسات الاستعراضية، ولا بد من الصبر والتدبير لا السلوكيات المتلونة غير الصبورة.
ينبغي التطلّع للآفاق البعيدة والتقدم للأمام خطوة خطوة بعزم وتوكل وأمل.
يمكن لكل واحدة من الحكومات والشعوب المسلمة والجماعات المقاومة في فلسطين ولبنان وسائر البلدان أن تعرف نصيبها ودورها من هذا الجهاد العام، وأن تملأ بإذن الله جدول المقاومة.
مشروع الجمهورية الإسلامية لحل قضية فلسطين ولمداواة هذا الجرح القديم مشروع واضح ومنطقي ومطابق للعرف السياسي المقبول لدي الرأي العام العالمي، و قد سبق أن عرض بالتفصيل.
إننا لا نقترح الحرب الكلاسيكية لجيوش البلدان الإسلامية، ولا رمي اليهود المهاجرين في البحر، ولا طبعاً تحكيم منظمة الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية.
إننا نقترح إجراء استفتاء للشعب الفلسطيني. من حق الشعب الفلسطيني كأيّ شعب آخر أن يقرر مصيره ويختار النظام الذي يحكم بلاده، وأن يشارك كل الفلسطينيين الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود - و ليس المهاجرون الأجانب - أين ما كانوا، في داخل فلسطين أو في المخيمات أو في أي مكان آخر، في استفتاء عام ومنضبط ويحددوا النظام المستقبلي لفلسطين.
وبعد أن يستقر ذلك النظام والحكومة المنبثقة عنه سوف يقرر أمر المهاجرين غير الفلسطينيين الذين انتقلوا إلي هذا البلد خلال الأعوام الماضية.
هذا مشروع عادل ومنطقي يستوعبه الرأي العام العالمي بصورة صحيحة، ويمكن أن يتمتع بدعم الشعوب والحكومات المستقلة.
بالطبع، لا نتوقع أن يرضخ الصهاينة الغاصبون له بسهولة، وهنا يتكون دور الحكومات والشعوب ومنظمات المقاومة ويكتسب معناه.
الركن الأهم لدعم الشعب الفلسطيني هو قطع الدعم للعدو الغاصب، وهذا هو الواجب الكبير الذي يقع علي عاتق الحكومات الإسلامية.
الآن وبعد نزول الشعوب إلي الميدان وشعاراتهم المقتدرة ضد الكيان الصهيوني بأي منطق تواصل الحكومات المسلمة علاقاتها مع الكيان الغاصب؟
وثيقة صدق الحكومات المسلمة في مناصرتها للشعب الفلسطيني هي قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية الجلية والخفيّة مع ذلك الكيان.
الحكومات التي تستضيف سفارات الصهاينة أو مكاتبهم الاقتصادية لا تستطيع أن تدّعي الدفاع عن فلسطين، وأيّ شعار معاد للصهيونية لن يُؤخذ منهم علي مأخذ الجد والحقيقة.
منظمات المقاومة الإسلامية التي تحملت خلال الأعوام الماضية أعباء الجهاد الثقيلة لا تزال اليوم أيضاً أمام هذا الواجب الكبير.
مقاومتهم المنظمة هي الذراع الفاعل الذي بمقدوره أخذ الشعب الفلسطيني نحو هذا الهدف النهائي.
المقاومة الشجاعة للجماهير التي احتلت ديارهم وبلادهم معترف بها رسمياً وممدوحة ومشاد بها في كل المواثيق الدولية.
تهمة الإرهاب التي تطلقها الشبكات السياسية والإعلامية التابعة للصهيونية كلام أجوف لا قيمة له.
الإرهابي العلني هو الكيان الصهيوني وحماته الغربيون، والمقاومة الفلسطينية حركة إنسانية مقدّسة مناهضة للإرهابيين.
وفي هذا الخضمّ، من الجدير بالبلدان الغربية أيضاً أن تكون لها نظرتها الواقعية.
الغرب اليوم علي مفترق طرق. إما أن يتخلي عن منطق القوة الذي استخدمه زمناً طويلاً ويعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يواصل أكثر من هذا اتباع المخططات الصهيونية التعسفية اللاإنسانية، وإما أن ينتظر ضربات أقسي في المستقبل غير البعيد.
وهذه الضربات المدمّرة لن تقتصر على السقوط المتتابع للحكومات المطيعة لهم في المنطقة الإسلامية، إنما يوم تدرك الشعوب في أوروبا وأمريكا أن أغلب مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية نابعة من الهيمنة الأخطبوطية للصهيونية الدولية علي حكوماتهم، وأن ساستهم يطيعون ويسلمون لتعسف أصحاب الشركات الصهيونية المصاصة للدماء في أمريكا وأوروبا من أجل الحفاظ علي مصالحهم الشخصية والحزبية، فسوف يخلقون لهم جحيماً لا يمكن تصور أيّ سبيل للخلاص منه.
الإمام الخامنئي