بدا حينها أن الدولة السورية قاب قوسين من السقوط بعد أن فقدت سيطرتها على نحو 80 في المئة من مساحة البلاد مع تدحرج نار الحرب إلى حمص ومن ثم حلب ثاني أكبر المدن السورية في عام 2012.
عقد كارثي من الزمان مر بالبلاد، شهد محاولة تدمير العاصمة الأقدم في التاريخ بفعل تحالف مشيخات البترول الأكثر رجعية في العالم مع قوى الاستكبار الأطلسية، التي تدعي أنها الأنظمة الأكثر ديموقراطية في العالم.. فسلحوا ودربوا ومولوا الفصائل الإرهابية، قبل أن تصدح هذه الدول ببيانات مطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد.
دخلت الحرب على سوريا منحناها الخطر فابتسم إبليس.. تحركت الأذرع الأمريكية في المعركة.. تركيا في الشمال وإسرائيل في الجنوب بالتنسيق مع الأردن.. بدأت أنقرة بجلب الإرهابيين من كل دول العالم.. وفد إلى سوريا المتطرفون فجابوا أزقتها بعد أن عبروا حدودها بلا جوازات سفر.. عبر لبنان والأردن وتركيا.. كان الجحيم خال من شياطينه فكلهم مجتمعون هنا في سوريا يقتلون شعبها بحجة تحريره.
استهدف هؤلاء في حربهم تفكيك جيش سوريا وضرب أمنها من خلال سرقة الرادارات واستهداف قواعد الدفاع الجوي وتدمير منظوماته في كل البلاد ما سهل على طائرات العدو الصهيوني ومن بعده الأمريكي ضرب مواقع للجيش السوري.
وسط الفوضى التي خلفتها الحرب، ولدت داعش.. استولى التنظيم الإرهابي الأكثر تطرفا ووحشية على مدينة الرقة، شمال سوريا واتخذها معقلا له قبل أن يعلن زعيمه السابق أبو بكر البغدادي في حزيران من العام 2014، قيام دولة الخلافة في سوريا والعراق.. عام بعد ذلك سيطرت جبهة النصرة الإرهابية فرع تنظيم القاعدة في سوريا على كامل محافظة إدلب.
شمر الكيان الصهيوني عن ساقيه القبيحتين.. لم تكف الطائرات الحربية الإسرائيلية طيلة سنوات الحرب على سورية عن اختراق الأجواء واستهداف مواقع للجيش السوري دعما للإرهابيين.. كانت المعركة هنا إما سقوط الجيش العربي السوري وغياب محور المقاومة والدخول في العصر الإسرائيلي أو أن تخرج سورية منتصرة والدخول في العصر المقاوم في الشرق الأوسط.
أدركت موسكو وطهران مبكرا أنهما مستهدفتان بهذه الحرب الكونية التي خاضتها أكثر من 83 دورة على الجمهورية السورية، وأن دمشق تخوض الحرب ليس دفاعا عن نفسها فقط، بل ونيابة عن كل قوى الخير في العالم.. وهذا ما دفع الجمهورية الإسلامية في ايران والاتحاد الروسي لأن يتبنيا مسألة الدفاع عن أمنها القومي في سوريا.
مع اشتداد المؤامرة عليها، تلقت دمشق دعما حاسما من طهران أسقط الأهداف الأميركية بتغيير الموقع الجيوسياسي لسوريا.. كذلك فعلت روسيا التي دافعت عن دمشق في مجلس الأمن ودعمتها اقتصاديا، قبل أن تبدأ في نهاية أيلول 2015 أكبر عمل عسكري خارج حدودها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
غير دعم إيران الحاسم المبكر ومن ثم الدعم الروسي، المعادلات في الميدان وشكل هذا التدخل منعطفا في الحرب، سمح بتعديل موازين القوى لصالح دمشق.. ومني الإرهاب العابر للحدود بعد ذلك بهزيمة تلو الأخرى.. وشهدت السنوات العشر التي تشكل عمر الحرب محطات ومفاصل إستراتيجية في حرب الجيش السوري ضد الإرهاب.
خاضت القوات المسلحة السورية حربا تعجز عنها أقوى الجيوش.. فحررت الأحياء الشرقية لمدينة حلب في العام 2016 بدعم مباشر من الأصدقاء والحلفاء حيث كان للشهيد القائد الجنرال قاسم سليماني دوراً كبيراً في التخطيط لهذه المعركة الكبرى وقيادة العمليات مع الضباط السوريين، والتي أثمرت انتصاراً غير كل معادلات الحرب الإرهابية على سوريا.
وتكرر السيناريو ذاته لاحقا في الغوطة الشرقية قرب دمشق في نيسان 2018 وحدث ذلك في تدمر ودرعا ودير الزور هذه الأخيرة كانت شاهدها على العمل الجبار الذي قام به الشهيد سليماني من عمل ميداني جبار توج بفك الحصار عن المدينة المحاصرة منذ سنوات ووصول قوات الجيش السوري والحلفاء إلى الحدود مع العراق لأول مرة منذ سيطرة داعش الإرهابي على المنطقة، لينهي خمس سنوات من إعلان داعش قيامه خلافته المزعومة وإلى الأبد كان ذلك عام 2019..
سيطر الجيش السوري على نحو ثلثي مساحة سوريا، مثبتا أنه جيش عقائدي ونظامي لم ينقلب وهذا ما جعل سوريا نموذجا استثنائيا في ثورات ربيع الدم.. حيث تمكنت القوات المسلحة السورية أن تكتب بدمائها الاستمرار لسوريا في أسوأ الأوضاع وفي ظروف أقل ما يقال عنها أنها معقدة و صعبة للغاية كون الساحة تكتظ بعشرات التنظيمات الإرهابية من داعش وجبهة النصرة وغيرهما من تنظيمات إرهابية تأتمر بأوامر تركية و أخرى بأوامر أمريكية و أخريات بتوجيهات من السعودية.
عشر سنوات من الحرب لم تنل من صمود سورية بشعبها و رئيسها وجيشها برغم كل المآسي الدموية التي شهدتها البلاد.. فانهارت عند أقدامهم غرف العمليات.. الموك الأردنية الإسرائيلية والموم التركية و انهار أزلام آمريكا واحدا تلو الأخر على عتبات دمشق التي أثبتت أنها عصية على الركوع.. بعد أن أفشلت انتصارات جيشها الذي استعاد معظم أراضي الجمهورية حصار الغرب وحرب ممالك النفط عليها.
لا تتوفر بيانات دقيقة عن عدد ضحايا الحرب على سوريا حتى الآن، لكن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن عشر سنوات من الحرب الأميركية الإسرائيلية التكفيرية الإرهابية على البلاد حصدت أرواح أكثر من 400 ألف سوري وتسببت بإصابات وإعاقات لمئات الآلاف.. وفضلا عن الخسائر البشرية، أحدثت الحرب منذ اندلاعها دمارا هائلاً في البنى التحتية، قدرت الأمم المتحدة تكلفته بنحو 400 مليار دولار لإعادة إعمار سوريا. وتحت وضح الضمير العالمي، طال النهب والتدمير آلاف من قطع آثار ونفائس تاريخية، لا يوجد مثيل لها في أي مكان في العالم.. أدت الحرب على سوريا إلى تدمير 290 موقعا أثريا، وحدوث تصدعات في أكثر من 100 موقع آخر، ومحو 24 موقعا بالكامل.
بعد 10 سنوات من اندلاعها، تلاشت الحرب المروعة في سوريا من عناوين الأخبار.. ورغم هدوء ضجيج السلاح على جبهات القتال، إلا أن السوريين يواجهون اليوم عدوا أكثر شراسة وفظاعة هو الفقر وانعدام مقومات الحياة اليومية.. حيث بات 12 عشر مليون شخص منهم يواجهون شبح الجوع بعد أن أثقلت عقوبات قيصر الأميركية، التي دخلت حيز التنفيذ في تموز من العام 2020، كاهل الاقتصاد السوري.
عشر سنوات من الموت والخراب والدمار وهدم البيوت وتهجير المواطنين.. لم تمنع فيها كل الفجائع السوريين عن مواصلة الحياة.. منذ 10 سنوات وحتى الآن يواجه السوريون الجوع والحصار وقوافل الإرهاب بعناد وبأس, دماءهم تعلو وهاماتهم تعلو وكأن الموت اهون عليهم من التخلي عن سين سوريا وذرة واحدة من واوها وحبة من راء رجولتها.
ما سيحفظه التاريخ في ختام العشرية السورية السوداء أن راكبي الجمال ومشيخات النفط في الخليج، باعوا سوريا للشيطان الأكبر بثمن بخس متعرين من كل إحساس بالشرف، وأن مدعي الديمقراطية من دول الاستكبار العالمي تحالفت معهم في سبيل قتل قلب المقاومة النابض ولكن سوريا وحلفائها الأوفياء دافعوا عنها بدمائهم الطاهرة التي أثمرت انتصاراً لن يسناه التاريخ أبداً.
المصدر : تسنيم