في الواقع، إن حجم الاعتماد السعودي على حكومة "ترامب" في المنطقة في تزايد مستمر ولهذا فلقد قامت حكومة الرياض بالعديد من الخطوات للتقرب من الحكومة الإسرائيلية وقامت بإرسال إشارات لـ"تل أبيب" للدخول في مفاوضات مفتوحة بين البلدين.
الجدير بالذكر هنا أنه على مدى العقود الماضية، كان السعوديون يتلقون الكثير من الدعم الأمريكي ولكنهم لم يتعاملوا مع القضية الفلسطينية كما يتعاملون معها اليوم، فلقد كانوا في الماضي يتخذون بعض المواقف التي تدعو إلى عدم القبول بدولة "إسرائيل" ولكن نهجهم هذا تغير قبل نحو عامين، أي عقب تولي "ابن سلمان" منصب ولاية العهد في السعودية ولهذا فإننا نرى الحكومة السعودية هذه الأيام تحاول إقامة علاقات طيبة وسرية مع دولة الكيان الصهيوني والأخطر من ذلك كله، أنها تسعى إلى إجبار العديد من الدول العربية على إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع "تل أبيب".
إن مستوى وعمق العلاقات السرية السعودية بإدارة "محمد بن سلمان" مع المسؤولين السياسيين الصهيونيين في تنامٍ مستمر، وهذا ما يؤكده استمرار دعم الرئيس "دونالد ترامب" لهذا الأمير المتهور عقب قيامه بإصدار الأوامر لقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية داخل تركيا، حيث قال الرئيس "ترامب" في 23 نوفمبر 2018: "إن إسرائيل كانت ستواجه العديد من المشكلات لولا الحماية التي قدمتها لها السعودية والاستقرار الذي تنعم به الرياض ينعكس بشكل إيجابي ويضمن بقاء دولة إسرائيل"، وأضاف الرئيس "ترامب" معلقاً على تقرير وكالة المخابرات الأمنية الأمريكية عن دور ولي العهد السعودي في قتل الصحفي "جمال خاشقجي"، قائلاً: "إن إضعاف السعودية يعني زوال إسرائيل، هل تريدون تدمير إسرائيل؟، لكن طالما كان لدينا حليف قوي مثل السعودية في المنطقة، فإن هذا الأمر لن يتحقق أبداً".
للوهلة الأولى، يمكن اعتبار تصريحات "ترامب" هذه نوعاً من المواقف السياسية، ولكن نظراً لعمق هذه التصريحات، فإن السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من الناس، ما الذي جعل "دونالد ترامب" يصرّح بأن الحكومة السعودية تعتبر الضامن الأساسي لبقاء الكيان الصهيوني؟
وبعبارة أخرى، يمكن طرح السؤال بطريقة أخرى، ما هو الدور الذي يلعبه السعوديون بقيادة "محمد بن سلمان" لحماية وتأمين مصالح الكيان الصهيوني في منطقة غرب آسيا؟
ورداً على هذا السؤال المهم، يمكننا ذكر أربع نقاط رئيسية يلعب فيها السعوديون دوراً رئيسياً لحماية ذلك الكيان الغاصب:
1- الضغط على قوات المقاومة وتقديم الدعم للجماعات الانتهازية الفلسطينية: لقد قامت الحكومة السعودية، على مدى السنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد تعيين "ابن سلمان" ولياً للعهد، بممارسة الكثير من الضغوطات على قوات جبهة المقاومة مثل حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وفي المقابل قامت حكومة الرياض بتقديم الكثير من الدعم المالي والاقتصادي والسياسي للجماعات والحركات الانتهازية الفلسطينية وعلى رأسها حركة "فتح" التي يتزعمها "محمود عباس"، في الحقيقة، يعتزم "ابن سلمان" تقوية القوى الانتهازية الفلسطينية لإحلال السلام لمصلحة الكيان الصهيوني، وإنهاء القضية الفلسطينية بما يتماشى مع مصالح الصهاينة.
2- تهيئة العالم العربي لقبول تطبيع العلاقات مع "تل أبيب": عقب تولي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" زمام الأمور في البيت الأبيض في 20 يناير 2017 وحتى هذه اللحظة، بذلت السعودية جهوداً مكثفة لإقامة وحدة عربية في المنطقة وتقديم نفسها كقائدة للعالم العربي وذلك من أجل تحقيق أحد أهدافها الرئيسية المتمثلة في تطبيع العلاقات بين العالم العربي والكيان الصهيوني وعلى نفس المنوال، كان يشجع "محمد بن سلمان" الدول العربية على تطبيع العلاقات مع "تل أبيب" وحتى الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة مستقلة عاصمتها القدس.
3- تحويل قضية مواجهة المسلمين للكيان الصهيوني إلى قضية خلافات إسلامية داخلية: الاستراتيجية الأخرى لـ"محمد بن سلمان"، تتمثل في تشويه صورة المعارضة الإسلامية للمسلمين للكيان الصهيوني وتحويلها إلى صراعات داخلية في شكل تناقض وعداوة بين السنة والشيعة وفي هذا الصدد، يعتزم المسؤولون السعوديون تغيير معارضة الدول الإسلامية للكيان الصهيوني إلى معاداة لجمهورية إيران الإسلامية.
4- حماية خطة "ترامب" لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية: إن التحرك الآخر الذي يقوم به الجانب السعودي لحماية الكيان الصهيوني، يتمحور حول دعم الرياض لخطة "ترامب" لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية والموسومة بـ"صفقة القرن" المشؤومة وفي هذا السياق، بذل "محمد بن سلمان" جهداً كبيراً لإرضاء الفلسطينيين والدول العربية الأخرى من أجل قبول خارطة الطريق التي اقترحتها الحكومة الأمريكية خلال العامين الماضيين وذلك كله من أجل إرضاء الرئيس "ترامب" والفوز بدعمه السياسي.
المصدر: الوقت