البعض يعتقد ان انتظار الشعوب من الرئيس الامريكي الجديد، في كل ادارة امريكية جديدة، هو انتظار منطقي، لان رؤساء امريكا ليسوا استنساخ من نسخة من أصل واحد، فكل رئيس يأتي يعتمد سياسة تميزه عن الرئيس الذي سبقه، لذلك من غير المنطقي ان نعتبر سياسة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، هي نفس سياسة سلفه باراك اوباما، ولا هي نفس سياسة خلفه جو بايدن، وهذا الاختلاف يمكن تلمسه بكل سهولة.
يعتمد اصحاب هذه الرؤية على تعامل الرئيس ترامب مع الاتفاق النووي الايراني والقضية الفلسطينية، حيث يعتبر تعاملا متناقضا بالكامل مع تعامل الرئيس اوباما، الذي كان مهندس الاتفاق النووي، كما اتخذ موقفا اكثر صرامة مع رئيس الوزراء الاسراائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ساءت العلاقات الامريكية الاسرائيلية في عهده، عندما حاول ان يفسد على اوباما الاتفاق النووي بشتى الوسائل، وان يضغط على الادارة الامريكية لتجاهل الفلسطينيين، كما تجاهلهم فيما بعد ترامب.
في المقابل هناك راي آخر، وهو الرأي الغالب، ان السياسة الامريكية لم تتغير مع تغير الرئيس، فالدول الامريكية العميقة، واصحاب مصانع الاسلحة، والشركات الامريكية العابرة للحدود واصحاب المصالح والنفوذ، هم من يحدد السياسة الامريكية، التي لا يملك الرئيس من خيار سوى تنفيذها، مع وجود مساحة ضيقة من الحرية تمنح للرئيس للتحرك في مجالات ثانوية لا تمس اساس وطبيعة السياسة الامريكية.
يستشهد اصحاب هذا الراي بموقف امريكا الثابت ازاء اهم القضايا العالمية ومنذ اكثر من سبعين عاما دون تغيير، ومن هذه المواقف مواقفها من القضية الفلسطينية، وعلاقة امريكا مع الدول العربية الغنية بالنفط، ومن دعمها اللامحدود لاسرائيل (الاحتلال الصهيوني) في كل الظروف، ومن عدائها الصارخ للجمهورية الاسلامية في ايران، ومن عدائها لحزب الله، وحماس والجهاد، ومن دعمها لكل الانظمة المستبدة والمعادية للديمقراطية في العالم، وخاصة في امريكا اللاتينية واسيا وافريقيا.
اما ما استشهد به اصحاب الرأي الاول بشان موقف اوباما وترامب من الاتفاق النووي، فهو استشهاد في غير محله، فليس هناك اي اختلاف في وجهات نظر اوباما وترامب من ايران، وكل ما هناك هو ان الطريقة التي تعامل بها اوباما مع البرنامج النووي الايراني السلمي تختلف عن الطريقة التي تعامل بها ترامب، بينما الهدف هو واحد، وهو تدمير هذا البرنامج ان امكن لصالح اسرائيل(الكيان الصهيوني).
اما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فموقف الادارات الامريكية دون استثناء، هو موقف واحد لا يتغير، الحفاظ على تفوق اسرائيل (الكيان الصهيوني) العسكري على العرب والمسلمين، ومحاولة الهاء الفلسطينيين بالمفاوضات العقيمة، من اجل اقناعهم بالاخير، بما ستقدمه لهم امريكا من امتياز، وهو امتياز سوف لن يتجاوز بضع كيلومترات متناثرة لاقامة دولة فلسطينية، ولكن كل رئيس له سياسته الخاصة للوصول الى هذا الهدف.
المعروف ان اوباما اكثر رئيس امريكي قدم المساعدات المالية لاسرائيل (الكيان الصهيوني)، على مدى تاريخ اسرائيل (الكيان الصهيوني) كلها، على رغم العداء الظاهر الذي كان بين اوباما ونتنياهو، فالاول لم يكن يملك من خيار سوى مساعدة اسرائيل (الكيان الصهيوني) ، رغم الاهانة الكبرى التي وجهها اليه نتنياهو ، عندما زار واشنطن عام 2015 والقى كلمته المشهورة امام الكونغرس، وانتقد بشكل لاذع اوباما وهو في عقر داره، بسبب الاتفاق النووي مع ايران.
لذلك فإن الرئيس الجديد بايدن، لم ولن يتمكن من تغيير السياسة الامريكية، وان الانتظار منه ان يغير شيئا من هذه السياسة هو انتظار في غير محله، لذلك ستبقى امريكا الى جانب اسرائيل (الكيان الصهيوني) ضد العرب والمسلمين، وسيبقى العداء الامريكي للجمهورية الاسلامية في ايران، وستبقى علاقات امريكا مع السعودية والامارات وكل الانظمة الخليجية، كما في السابق، الا انه سيُسمح لبايدن ان يتحرك في ذات المجال الضيق الذي كان يتحرك فيه اوباما من قبل.
المصدر : موقع شفقنا العربي