فمن المعلوم لدى الجميع المضاد للوحدة هو التفرقة والتي وجدت في تاريخ الأمة الاسلامية منذ الساعات الاولى لوفاة الرسول محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حيث تصدَّعت وحدة المسلمين من خلال بروز خلافات سياسية بين بعض الشخصيات التي كانت تعيش مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشهدت نزول الوحي وساهمت في بناء الدولة الأسلامية وشاركت في الدفاع عنها.
وللأسف الشديد أمتد ذلك الخلاف لسنوات حتى تجذرت الأنقسامات وأدت تداعياتها الوخيمة لإيصال الأمة الى الحالة التي تعاني منها الى يومنا هذا.
وبحمد الله فإن الأمة الأسلامية ليست أمة عقيمة فهي قادرة على انجاب المصلحين وقد ظهر على طول التاريخ دعاة بارزين للوحدة اللإسلامية وعملوا جاهدين على لم شمل الأمة وأثمرت جهودهم في نشر الوعي الوحدوي بين طبقات المجتمع الإسلامي.
ومن هؤلاء جمال الدين أسد آبادي والسيد عبد الحسين شرف الدين والشهيد محمد باقر الصدر والأمام الخميني - رحمة الله عليهم جميعا - وغيرهم فهؤلاء الأعلام كانوا يتبنون مشاريع الوحدة الإسلامية، وكانت لها نتائج بناءه يتناسب حجمها مع الظروف السياسية والتحديات الواقعية التي كانت تعاني منها الأمة في عصر كل مصلح منهم.
وكانت اهم التحديات التي واجهت مشروع الوحدة الاسلامية هو عدم وجود نظام سياسي يدعم هكذا مشاريع بل على العكس كانت جميع النظم السياسية في البلدان الاسلامية تتبنى افكار وعقائد مخالفة للإسلام وتعمل على ترسيخ الفرقة بين المسلمين ضمن برنامج مركزي، وماتزال هذه القضية مستمرة في أغلب البلدان الإسلامية.
ولكن بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني - رحمة الله عليه -أصبحت لدى المسلمين قوة سياسية قادرة على رعاية مشروع الوحدة الإسلامية فحقق هذا المشروع نجاحا باهرا لاسيما في ظل ما تعانيه الأمة من تهديدات جدية وشرسة من قبل أعدائها الذين استطاعوا الوصول الى اعلى مراكز القرار في أغلب البلدان الإسلامية.
فقد استطاع الأمام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ برعايته لمشروع الوحدة الإسلامية أن يقرب بين الطوائف الإسلامية ويضع الآليات المناسبة لتطوير هذا المشروع ومنها عقد مؤتمر سنوي يتزامن مع الذكرى السنوية لولادة الرسول الأعظم محمد ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ والذي يكون خاتمة لأسبوع الوحدة الإسلامية حيث بدأ من 12الى 17 ربيع الأول.
حيث يحمل هذا التاريخ رمزية خاصة وله دلالات مهمة؛ فالمسلمون أختلفوا في تاريخ ولادة الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من هنا فإن تاريخ المؤتمر يعني اننا نعالج المشكلة من نقطة الخلاف في رمز مقدس لدى الجميع والذي لا خلاف عليه.
فإختيار الامام الخميني - رحمة الله عليه - لهذا التاريخ ممكن تفسيره بأن وحدة المسلمين يجب ان تنطلق من هنا اي من شخصية النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي يجتمع عليها جميع المسلمون ومن هذه الشخصية الكريمة نستطيع حل جميع خلافاتنا إذا تبنينا الحيادية في تشخيص الأمور.
كما ان ليس من الضروري أن يكون الخلاف له تداعيات سلبية بل العكس فخلاف المسلمين في تاريخ مولد النبي الأكرم ـ صلى الله واله وسلم ـ لم يعد سلبيا فالقيادة الحكيمة والمخلصة تستطيع ان توظف الخلاف وتحوله الى مشروع تقارب واتحاد، وهكذا فعل الامام الخميني - رحمة الله عليه - وعليه فليس كل خلاف يكون مدعاة للفرقة بين المسلمين.
اما مستقبل هذا المشروع الذي وضع أساسه الامام الراحل - رحمة الله عليه - فانه يبشر بخير لأنه يحظى برعاية قيادة حريصة على نجاحه وتحقيق اهدافه المرسومة.
وهذا واضح من خلال الاهمية التي يوليها قائد الثورة الاسلامية سماحة السيد علي الخامنئي لهذا المشروع الوحدوي بعيداً عن التوظيف السياسي.
وتتلخص آلية تحقيق الوحدة الاسلامية ومستقبلها في كلام السيد القائد الخامنئي عندما قال هذه العبارة التي يفهمها الجميع : "اذا كانت قلوب الشعوب الاسلامية نقية بعضها تجاه بعض لرأيتم أي حدث سيقع في العالم وأية عزة ستحصل للإسلام".
فالوحدة تتحقق بتبني المسلمين المفهوم الاسلامي الاصيل الذي يكفل لنا فهم بعضنا البعض وبالتالي يحقق المستقبل الذي نطمح له.
ومن هنا فإن مسؤولية نجاح مشروع الوحدة الإسلامية تبقى تضامنية وتقع على عاتق جميع المسلمين.
جابر كرعاوي / موقع اذاعة طهران العربية