عملية التصويت الحاسمة تمت بعد يوم طويل من احداث الشغب والفوضى ، قامت بها ميليشيات غوغائية تابعة لترامب في مبنى الكونغرس الامريكي ، ما أعاد الى الاذهان إحراق الكونغرس عام 1814 من قبل القوات البريطانية.
وسبق ان كتبتُ ونشرتُ العديد من المقالات حول دونالد هذا، إذ وصفتُهُ مرةً ب [رئيس أخرق مبغوض محليا وممقوت دوليا] و في مقال اخر [سقطات لسان ترامب تفضح بشاعته ودمويته] اضافة الى عدة مقالات اخرى لم أندم على كتابتها بل زادت قناعتي بأن هذا الشخص لم يكن سوى مقامر ومغامر وخمّار فج.
وطالما وصفتُهُ بكلمة [طرمبة] وهي تعني في لهجتنا [مضخة] وهو بالفعل كان يمثّل دور مضخّة للكراهية والبغضاء والاحقاد والتحريض على العنف والغوغائية والاذى والضرر والضرار والغرور والاهانات والابتزاز ومضخة للكذب حتى تعدت أكاذيبه العد والحصر.
وباعتقادي (كباحث سياسي ودبلوماسي) فإن ترامب الاخرق أحرق مستقبله السياسي وارتكب حماقة كبرى وخسر كل اوراقه ، وفقد حتى أقرب مساعديه (بنس) لانه لم يكن بمستوى المسؤولية ، وخلال 4 سنوات من رئاسته افتعل العشرات من الازمات الداخلية والخارجية ، وعفا عن قتلة النساء والأطفال العراقيين من عصابات "بلاك ووتر" في ساحة النسور ببغداد ، وأقال الكثير من الوزراء دون أسباب مقنعة ، وشحن القلوب غيضاً عليه بحيث كثر الشامتون به والحاقدون عليه ، وكان سقوطه مدوياً بمعنى الكلمة فأعماله وقراراته شوهت سمعة بلاده بشكل غير مسبوق ، وهو نفسه الذي وهب القدس والجولان للكيان المحتل ولم يراعِ مشاعر العرب والمسلمين وانتهك قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة.
فلأول مرة نجد رئيساً امريكياً - مازال في الحكم - يتشبث بالسلطة ويحرض ضد الدولة عبر تشجيع الاوباش والمخربين على التخريب ، في خطاب عام ورسمي ويحثهم على الاعتداء الصارخ على مجلسي النواب والشيوخ وإهانة اعضائهما ، وفي ضوء ذلك يتحمل دونالد شخصيا مسؤولية العواقب الوخيمة لهذا العمل التحريضي والتخريبي الذي ادى الى اقتحام الكونغرس ومقتل 4 اشخاص واصابة عشرات المدنيين والشرطة بجروح وإلحاق أضرار عديدة ومتعمدة بأعلى مؤسسة تشريعية رسمية في العاصمة الامريكية ، بحيث اعتبر بعض الساسة الامريكان عمل ترامب محاولة انقلابية بكل المقاييس ، وأثار ترامب اشمئزاز كبار المسؤولين الاوروبيين ناهيك عن الرؤساء الامريكيين السابقين ، واعتبروه تحريضاً على الفتنة والتمرد ، وكان يمكن ان يؤدي الى مجزرة دموية وحرب أهلية ، وكان لخطواته هذه تداعيات كبرى قانونية وسياسية واجتماعية.
المراقبون توقفوا عند قضية مهمة وهي أن ترامب أول رئيس امريكي مازال حاكماً يقوم بتحريض الاوباش والمخربين في خطاب رسمي على عدوان صارخ على مؤسسات رسمية وحكومية امريكية مما قد يرقى الى استدعائه الى القضاء أو عزله وفق المادة الدستورية 25.
وكما هو متوقع ، فبعد ظهر العشرين من كانون الثاني يناير اي بعد 13 يوماً سيصبح دونالد مواطناً عادياً لاحصانة له تنتظره 39 شكوى قضائية في امريكا ، فضلاً عن طلبَي إلقاء القبض صادرَين عن القضاء العراقي والايراني ، قُدّما الى الشرطة الدولية (الانتربول) هذا الاسبوع ، لجلب دونالد مكبلا وتقديمه للعدالة [ويومئذ يفرح المؤمنون] بوضعه في قفص الاتهام ذاته الذي حوكمَ به فرعون العراق الظالم المعدوم صدام وكلاهما قاتل غادر ، حيث اعترف دونالد [بوقاحة] بأنه هو الذي أمر بقتل المواطن العراقي القائد جمال جعفر ال ابراهيم (ابو مهدي المهندس) والمواطن الايراني الفريق قاسم سليماني و 6 من مرافقيهما بهجوم جوي على مطار بغداد الدولي ، ورغم يقيننا بان اعدام دونالد ترامب لا يعدل جريمته باستهداف القائدين الشهيدين ، مطلقاً ، لكن هذا هو الحكم الشرعي المذكور في القرآن {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:179] وبعد ذلك ينتظره العقاب الإلهي:
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [93/النساء]
بقلم: د.رعدهادي جبارة / باحث ودبلوماسي سابق