أشارت بعض وسائل الإعلام والسياسيين في إيران لهزيمة ترامب ووصفوها بأنها "تغيير مهم" في استراتيجية حكومة الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية الايرانية. فيما ينظر الحزب الديمقراطي إلي المواجهة مع ايران من منظور آخر، كما ورد في مسودة سياسة الحزب لعام 2021.

يعتقد بعض الخبراء الآخرون أن التباين بين إدارة بايدن ونهج ترامب، يجب أن يُنظر إليه من منظور التحول في منهچ الضغوط الأحادية إلى الضغوط المتعددة الأطراف.

وبالتالي، سيذهب بايدن الي محاولة بناء تحالف ضد ايران وهذا الموضوع يمكن أن يصعب الأمر لإيران، لذلك، لا ينبغي لإيران أن تبدي رغبتها في التفاوض بشأن الملف النووي، ويجب أن تمنع من تحول المحادثات النووية إلي ورقة لتقديم التنازلات في البرنامج الصاروخي او القضايا الإقليمية.

* تباين بين بايدن واوباما

بحسب بعض وسائل الإعلام الغربية ، فعلى الرغم من أن إيران لا تزال عضوًا في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها (حسب البعض من الاعلام الغربي) "انتهكت" هذا القانون خلال العام والنصف الماضيين، حيث إنه نتيجة لسياسة الضغط المباشر خفضت "  الطفرة النووية " من عام إلى ثلاثة أشهر، نتيجة مباشرة لسياسة "الضغط الأقصى".

لم تفشل هذه الاستراتيجية فقط في تلبية أي من شروط  الـ12 الوهمية لبومبيو، لإجبار إيران على إختيار"أداء العمل الطبيعي"، فحسب ولكنها قوضت أيضًا نفس متطلبات الغرب السابقة في أعمال القيود الصارمة على الملف النووي، بهدف عرقلة تطوير البرنامج النووي.

كما أدت هذه السياسات إلى عزل الولايات المتحدة عن حلفائها، كما يتضح من عدم استعداد أوروبا للتعاون مع تفعيل آلية الزناد ضد إيران. لكن وبالنظر إلى شعار ترامب "أمريكا أولاً"، ربما لم تكن مثل هذه القضايا من  أولويات إدارة ترامب.ولكن بايدن مع اتباع نهج متعدد الأطراف، يعتزم:

 أولا: خفض تكاليف السياسة الخارجية الأمريكية وتفعيل عمل حلفائه ضد منافسيه مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. 

وثانياً: اتباع المنهج الأقل توترا بدلا من اتباع المناهج الأمنية العسكرية، وبحسب خبير المجلس الأطلسي، تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة لإحياء تحالف مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا لإقناع إيران بالعودة إلى التزاماتها، علي رغم من ظهور المعارضة الإقليمية من قبل السعودية والإمارات والكيان الصهيوني.

بالتالي يمكن القول أن منهج بايدن في مواجهة ايران مقارنة بترامب سيكون اقل اعتماداً علي الإجراءات التنفذية، لكن حسب رأي الخبراء إن هذا الأمر يعني بالضرورة العودة إلى عهد أوباما، "وبالطبع سيكون هناك قضايا جديدة على طاولة المفاوضات".

شارك سابقاً عضوان رئيسيان في فريق السياسة الخارجية لبايدن ، وزير الخارجية أنتوني "بلينكين" ومستشار الأمن القومي "جيك سوليفان"، في ملف المفاوضات في إدارة أوباما.

كان بلينكين بصفته نائب وزير الخارجية جان كري، عضوًا رئيسيًا في عملية توقيع الإتفاق النووي كما وانتقد بشدة انسحاب إدارة ترامب من الإتفاق النووي وكان من أشد المنتقدين لسياسة ترامب الخارجية في هذا المجال.

وكان سوليفان، مستشار الأمن القومي لإدارة بايدن والذي اشتغل كمساعد هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية الأسبق، مسؤولًا أميركيًا كبيرًا حيث لعب دورًا  مهماً في بدء المحادثات السرية في عمان حيث أدت في النهاية إلى توقيع الإتفاق النووي، لكن لا ينبغي الإعتبار بأن مسئووليات بايدن والوفد المرافق له في إدارة أوباما سابقاً، ستتبع نفس الاستراتيجية تجاه إيران.

كانت إستراتيجية أوباما تتمثل في الفصل بين القضايا النووية والإقليمية والقضايا الصاروخية وحلها واحدة تلو الأخر ؛ وبالنظر إلي الأبعاد الدولية للملف النووي، أعطيت الأولوية لهذا الملف بعد إرساله من قبل مجلس الحكام إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن إيران عارضت بشدة المفاوضات في المجالات الإقليمية والصواريخ مع أميركا وبالتالي باءت هذه الاستراتيجية بالفشل.

* تباين بين بايدن وترامب

قال بايدن في تصريح له قبل فوزه بالانتخابات، بأن منهجيته مقابل إيران لاتشبه منهجية ترامب في ربط القضايا ببعضها البعض، ولا منهجية أوباما في الفصل بين القضايا، لكن سيكون حلاً في آناً واحداً ولكن في الإتجاهات المتوازية.

ويرى بايدن في الملف النووي "نقطة الإنطلاق للحوار" حول النقاط المثيرة في الملف النووي، وعلاقات إيران الإقليمية، وكذلك الصواريخ الباليستية. وبالتالي، فإن عودة الولايات المتحدة إلى ملف إيران النووي لم يعتبر نهاية النزاعات فحسب، بل هي أيضًا بداية لمرحلة جديدة من المفاوضات والمجادلات.

  لذلك هذا الظن بإن مع عودة الإدارة الأمريكية المقبلة رسميًا إلى الإتفاق النووي، سترفع العقوبات التي فرضت علي إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق، سيكون غير واقعي لأنه أولاً ، يتطلب رفع العقوبات التي وضعت تحت عنوان الإرهاب وحقوق الإنسان وعلي اساس بعض قررات الكونعرس الأميركي، يتطلب دعم مجلس الشيوخ الأمريكي، وثانيًا ، من غير المرجح أن يتخلي صانعوا سياسات حكومة بايدن، بسهولة  عن أدوات الضغط التي سوف يرثوها من إدارة ترامب.

لا شك أنهم سيكونوا على استعداد تام لاستخدام كل من العقوبات النووية وحتى الالتزامات النووية الأمريكية ، فضلاً عن العقوبات التي قررت تحت عنوان "مكافحة الإرهاب" و"عدم الانتشار" و"انتهاكات حقوق الإنسان" ، كوسيلة لإجبار إيران على التفاوض مع الغرب.

سيما إن هذا الأمر، يمكن أن يجلب رضي الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة اكثر، وخاصة المملكة العربية السعودية. علي الرغم من إن بعض أعضاء اللوبي المقربين من الحزب الديمقراطي حذروا من رد الفعل السلبي الإيراني من مقايضة رفع العقوبات، مقابل بدء مفاوضات في مجالات أخرى.

الملاحظة الأخرى التي تجعل إدارة بايدن تختلف مع أوباما تجاه أيران هي سياسات الحكومة الأميركية تجاه روسيا والصين.

إن اضعاف موقف ايران الإقليمي ضروري، بالنظر إلي تحالف روسيا مع سوريه، ولإحتواء موسكو في منطقه غرب آسيا. كذلك من المهم أيضًا منع زيادة مبيعات النفط الإيراني للصين من أجل تعطيل،  توفير احتياجات الطاقة لبكين. بالتالي لا يمكن للمرء أن يامل كثيراً في الرفع الكامل للحظر النفطي وبيعها وكذلك الحظر علي البنك المركزي الإيراني.

* الفرص والتهديدات

رحيل السلطة او انتقالها في الولايات المتحدة، سيكون الفرصة الأولى لإيران في هذا المجال مما يتيح الفرصة لها لتحديد مسار مواجهتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة قبل تثبيتها ، ويجب في هذه المرحلة رصد التيارات الداخلية الأميركية المختلفة، ولاسيما مراكز الدراسات التي تهم" الدفاع عن الديمقراطيين " واللوبيات مثل" الاتحاد ضد ايران النووي".

ستحاول هذه التيارات بالتأكيد، زيادة التكلفة السياسية وتشويه سمعة التعامل مع إيران وعودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي بالنسبة للحكومة الأميركية.

عودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي ورفع بعض العقوبات يمكن أن يقلل من بعض الضغوط الاقتصادية علي ايران. في الوقت نفسه، يجب على صانعي القرار في مجال الدبلوماسية مراقبة التطورات بذكاء واتخاذ الإجراءات المناسبة مع تغير التطورات.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي للمرء أن يأمل في حدوث تغيير جدي في السياسات الأمريكية الرئيسية تجاه إيران. إنشاء إدارة بايدن في الولايات المتحدة يمكن أن يشكل تهديدات الأكثر خطورة من إدارة ترامب. أن أهم تهديد هو بناء إجماع ضد سياسات إيران الإقليمية في منطقه غرب آسيا. ولكن التهديد الاكثر خطورة هو تكثيف الحرب النفسية والعمليات الإعلامية ضد الرأي العام الإيراني.

على سبيل المثال ، يمكن للولايات المتحدة أن تعلق بعض العقوبات النفطية والمصرفية مقابل التزامات إيران النووية ، لكنها تربط استخدامها بالتصديق "اف اي تي اف" على العقوبات. وهذا تكتيك يضع إيران في تحدي ذو وجهين حيث، تستسلم لمتطلبات الغربية، لتحسين وضعها الاقتصادي.

الإستنتاج

مع وصول الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة إلى السلطة، كيف يمكن لإيران الاستفادة من تحسين الفرص أو تقليل التهديدات:

أولا: في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021 من الضروري لجميع الفصائل والأحزاب اجتناب المواقف الجماعية غير المنسجمة مع المصالح الوطنية في مجال السياسة الخارجية للفوز بالمنافسات المستقبلية. لا ينبغي أن تكون السياسة الخارجية رهينة المنافسات الداخلية.

ثانيا: يجب على إيران أن تحدد مطالبها بجدية مقابل التزاماتها تجاه الإتفاق النووي والامتناع عن أخذ هذا الاتفاق رهينة مقابل الإتفاقيات الأخرى. وفي هذا السياق، وضع الحد الأدنى لمبيعات النفط اليومية أو الإفراج عن العملة الإيرانية المحجوبة في الخارج مقابل بدء المفاوضات الآيلة إلي إحياء الإتفاق النووي، ينبغي ألا نتجاهل تعزيز رافعة الضغظ الإيراني في مجال برنامج الصواريخ والأنشطة الإقليمية.  لذلك رصد تغيير حسابات الإدارة الأمريكية يجب أن تكون الإستراتيجية الأهم لإيران بالنسبة لإدارة بايدن، التي تعتقد أن الضغوط الاقتصادية قد تجبر إيران على الانسحاب من مكونات أمنها القومي. لا يمكن تحقيق هذا التغيير في الحسابات الأميركية إلا من خلال زيادة الردع، وكذلك من خلال اتباع النهج العدواني والإستباقي وغير السلبي لتعزيز برنامج الصواريخ الباليستية وكذلك أنشطة جبهة المقاومة.