فالنقد لغةً: هو تمييز الدراهم وغيرها والكشف عن صحيحها وزائفها.
والنقد اصطلاحاً: دراسة الأشخاص والأعمال والأشياء والكشف عما فيها من جوانب [القوة أو الضعف] وتشخيص [الجمال أو القبح] ثم إصدار الأحكام النقدية عليها.
ولنأخذ مثلاً في حياتنا المعاصرة: "شرب الخمر" وهو من أقبح الأفعال وأشدها حرمةً وهو حرام بإجماع المسلمين ولا نقاش في ذلك.
لكن لفت نظري في الآية الكريمة التي تحرّم شرب الخمر أن الله عز وجل حتى و هو يريد تحريم الخمر والميسر يتطرق إلى "نفع" فيهما ويستدرك قائلا:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ"مَنَافِعُ" لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}
[البقرة/الآية 219]
وهذا يجسد لنا طريقة النقد البناء والمنصف.
فربنا ورغم أنه ينهانا عن شرب الخمر النجس وينبهنا الى حرمته، لكنه في مورد النقد والتقييم المنصف يقول (قل فيهما إثم كبير و"منافع").
ولم يقل (ليس في الخمر إلا الإثم الكبير والضرر البالغ والنجاسة والمعصية والانحراف).
ولو عكسنا ذلك على واقعنا المعاش، فعندما نريد أن ننقد شخصا ما أو ظاهرة ما ( كالتنظيم الإسلامي أو أحد رموزه وشخوصه) فعلينا أن نكون منصفين ولا نسوّد الصورة ونمارس التسقيط والإنكار لأي جوانب إيجابية أو فوائد عملية، حالية ومستقبلية، في التنظيم الإسلامي [أوصيكما بتقوى الله ونظم أمركم] كما يقول الإمام علي عليه السلام الذي يقول كذلك [عَجَباً ـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتَماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ!!].
عندما يكون العقلاء والواعون بصدد تقييم قضية معينة او زعيم ما فإنهم يطرحون الإيجابيات والسلبيات.
قال تعالى في ثلاث سور:
{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}
[الاعراف/85]
[والشعراء/183]
[و هود/85]
ثم ينهى الله أن يكون للحب والبغض مدخلية في النقد والتقييم والعدل:
{وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلىٰ أَلّا تَعدِلُوا ۚ اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوىٰ}
[سورة المائدة/الآية 8]
درس عملي آخر في النقد والتقييم المنصف:
(رسول الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحواريين، وكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ سَائِرًا مَعَهم فَأَتَوْا عَلَى جِيفَةِ كَلْبٍ أَنْتَنَتْ فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ مَعَهُ أَخَذُوا بِآنَافِهِمْ حَتَّى اجْتَازُوا الْكَلْبَ، أَمَّا سَيِّدُنَا عِيسَى فلَمْ يَفْعَلْ.
فَقَالُوا بَعْدَ أَنْ تَجَاوَزُوا هَذِهِ الْجِيفَةَ: مَا أَشَدَّ نُتْنَ هَذَا الْكَلْبِ.
فَقَالَ عِيسَى ع: ومَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ.
فَقَالُوا لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ هَذَا؟!!
فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ لا أُعَوِّدَ لِسَانِي الذَّمَّ!)
فلنكن إيجابيين في تقييمنا، ولنعطي طاقة إيجابية في أقوالنا وكتاباتنا.
بقلم: د.رعدهادي جبارة
الأمين العام للمجمع الدولي للقرآن