وفي حوارات أجرتها قنوات "الاشراق" و"فلسطين اليوم" و "الاتجاه" معي امس عبرت عن اعتقادي بأن كل الخيارات متاحة للرد الايراني والقصاص من مخطّطي و منفّذي اغتيال رئيس مؤسسة التحقيقات والابحاث الدفاعية في وزارة الدفاع الايرانية د. محسن حسن فخري زادة؛ براً وبحراً وجواً، و يمكن ان يكون الرد الايراني سيبرانياً او نارياً، سواء داخل امريكا والكيان الصهيوني وخارجهما، بَيد أن طهران ليست في عجلة من أمرها، وتحسب لكل شيء حسابه.
فالرد يمكن ان يستتبع رداً مقابلاً أيضاً، ولا تنوي طهران (هذه المرة) أن تعلن --لو ردت على الاغتيال-- بأنها انتقمت من القتلة، مثلما حصل في قصفها الصاروخي المدمر في قاعدة عين الاسد الأمريكية، لأن الفاعل هذه المرة آثر الصمت خوفاً من غضب حرس الثورة الاسلامية، بينما في المرة السابقة (اغتيال شهيدَي مطار بغداد في ٣ كانون الثاني الماضي) تبنّى الجريمة المتهور الطائش ترامب، وتباهى بجريمته، فنال جزاءه ولقى عقابه.
وقطعاً فإن طهران توصلت لخيوط مهمة من عملية الاغتيال الأخيرة، بينما آثر ترامب الخاسر ذو الحظ العاثر أن يلوذ بالصمت، وتطوعت صحيفة النيويورك تايمز وغيرها بالاعتراف أن القاتل هو الموساد، وفي هذه الحالة فإن الكيان الصهيوني تنتظره أيام سوداء، وسيكون الانتقام الايراني على طريقة كيل الصاع صاعين، وستمتد يد الانتقام نحو أي منشأة نووية أو مؤسسة حيوية أو مطار وقاعدة عسكرية، أو شخصية رسمية او عسكرية،سواء داخل الكيان او خارجه.
صحيح ان المغدور لم يكن حين اغتياله يعمل في إطار منظمة الطاقة النووية الايرانية لكنه كان استاذاً للفيزياء النووية في جامعة الامام الحسين عليه السلام المخصصة لإعداد وتخريج كوادر حرس الثورة الاسلامية، و هو في منصب نائب وزير الدفاع للشؤون البحثية.
وبرأيي فان "تل ابيب" تحاول استدراج ايران الى رد فعل انفعالي ومستعجل وغير مدروس، في هذه الأيام الاخيرة من عمر ترامب السياسي، وهو شخص طائش وحاقد على الجمهورية الإسلامية، وحينذاك فلو كان الانتقام الإيراني انفعالياً وغير مدروس بعناية فسيتحول الى شرارة لاندلاع حرب مدمرة للمنطقة، لكي يتسلم بايدن وطاقمه أرضاً محروقة ويكون مجبوراً على استبعاد خيار استئناف المحادثات والتخلي عن قرار العودة الى الاتفاق النووي مع ايران.
ولايخفى فإن في طهران مسؤولين غير متهورين ولا متسرعين، وبرنامجها الصاروخي الدفاعي والنووي السلمي غير معتمد على شخص معين، حيث سبق وأن اغتيل د. مسعود علي محمدي و د.مصطفى احمدي روشن ود.مجيد شهرياري ود.داريوش رضائي نجاد وهم علماء مشاركون في البرنامج النووي السلمي، فيما فشلت محاولة اغتيال خامسة كان مخططاً أن يذهب ضحيتها "د. عباسي دَواني" الذي يترأس حاليا لجنة الطاقة في البرلمان الايراني، ولم تتسبب كل تلك الاغتيالات في توقفٍ او خلل في برامج ايران النووية السلمية والصاروخية الدفاعية.
ولا يغيب عن ذهننا اختطاف عالم الذرة المصري نبيل القليني من قبل الموساد عام 1975 في تشيكوسلوفاكيا، واغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى في امريكا عام 1952، واغتيال المخترع اللبناني حسن كامل الصباح العالم الذي كان يوصف بـ"اديسون العرب" عام 1935 في امريكا، و كان له 173 اختراعاً في الهندسة الكهربائية، وكذلك العالم اللبناني حسن رمال وهو من أبرز علماء الفيزياء وله 119 اختراعاً في فرنسا عام 1991، واستعمال السم في اغتيال عالم الفيزياء المصري مصطفى مشرفة والذي كان يوصف بأنه "أنشتاين العرب" فقتل عام 1950 على يد الموساد، واغتيال عالم الصواريخ المصري سعيد بدير الذي يعرف بالعديد من الابحاث في هندسة الصواريخ، وعمل في ألمانيا الى ان اغتالته المخابرات عام 1989.
وأخيراً وليس آخراً وصل الدور الى سفك دم العالم الفاضل العابد محسن فخري زادة وهو يعمل أساساً في برنامج الدفاع الجوي والدفاع الميكروبي والدفاع الكيمياوي عن المستضعفين ضمن وزارة الدفاع الايرانية، وليس له صفة عسكرية ولم يعتد على أي انسان، بل صنعت المجموعة التي يترأسها أول كيت للكشف عن الكورونا وكانت تجري اختبارات لصنع لقاح يقي البشرية من الاصابة بهذا الوباء الفتاك ،إلا أن رصاص الموساد والسي آي أيه حرم الانسانية من عطاء هذا الرجل العالم المتواضع النافع للمجتمع، وصدق الله عز وجل إذ قال: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}.
بقلم: د. رعد هادي جبارة
باحث إسلامي ودبلوماسي سابق.