بشكل عام كلام بيلار هو تكرار لما قاله ويقوله العديد من المسؤولين الامريكيين السابقين، ولكن الجديد في كلامه هو تأكيده اللافت على ان العامل الابرز والاكبر والاهم الذي ساهم بشكل واضح في عزلة أمريكا عالميا، هو ايران، الامر الذي يعتبر إعترافا صريحا وفي غاية الاهمية، بدور ايران المؤثر على الساحة الدولية.
كان بامكان بيلار ان يبرّز تردي العلاقة بين ضفتي الاطلسي بسبب تهجم ترامب المستمر على حلف الناتو، أو حروب ترامب التجارية مع الصين والاتحاد الاوروبي، او خروجه من اتفاقية باريس للمناخ وباقي الاتفاقيات الدولية الاخرى، او شعار ترامب "أمريكا اولا"، كعامل رئيس وراء عزلة امريكا الدولية وخاصة عن حلفائها التقليديين في اوروبا، الا انه اختار إيران بالذات كعامل رئيس ساهم في هذه العزلة، لانها الوحيدة من بين جميع تلك العوامل، أذاقت امريكا طعم العزلة المذلة وعلى رؤوس الاشهاد.
في سابقة هي الاولى منذ الحرب العالمية الثانية، ذاقت امريكا ذل العزلة في مجلس الامن الدولي مرتين وفي فترة قياسية ، عندما رفض جميع اعضاء المجلس، وبينهم المانيا وفرنسا وبريطانيا، مشاريع قرارات امريكا الداعية لإعادة فرض العقوبات الاممية على ايران، وكذلك تمديد الحظر التسليحي عليها، دون ان تكون هناك حاجة لتستخدم روسيا او الصين حقّ النقض (الفيتو)، ولم تقف الى جانب امريكا في مسعاها الخائب الا دولة واحدة وهي الدومنيكان!.
العزلة التي عاشتها امريكا في مجلس الامن بسبب ايران، كانت جانبا من عزلة اكبر فُرضت على امريكا بسبب سياسة ترامب الفاشلة ازاء ايران، فقبل صفعة مجلس الامن، صُفعت امريكا مرتين، الاولى، بعد ان رفضت جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي الذي انسحب ترامب منه عام 2018 ، وهي بريطانيا والمانيا وفرنسا وروسيا والصين، محاولات ترامب المستميتة بإعادة فرض العقوبات على طهران، في محاولة لارغامها على التفاوض من جديد وفقا لشروطه، وهو ما جعل امريكا ليس معزولة فحسب بل منبوذة على الساحة الدولية، بعد ان اعلن الحرب الاقتصادية على جميع الدول والشركات العالمية التي تنوي الاستثمار في ايران.
بعد فشل ترامب في تركيع ايران من خلال الارهاب الاقتصادي، فكر في الضغط عليها من خلال الدعوة الى انشاء تحالف عسكري دولي لمحاصرتها ، تحت ذريعة توفير امن الملاحة في الخليج الفارسي، فكانت خيبة ترامب اكبر من خيباته السابقة، حيث لم يجد من ينضم الى تحالفه هذا الا بريطانيا التي ارسلت بعض القطع البحرية الى الخليج الفارسي، الا انها سرعان ما تخلت عن امريكا، بعد ان لطمتها ايران على وجهها، إثر قيام سلطات جبل طارق التابعة لبريطانيا باحتجاز ناقلة نفط ايرانية في المياه الدولية، بأوامر امريكية، فقامت ايران بسحب ناقلة نفط بريطانية من وسط البوارج الحربية البريطانية في الخليج الفارسي، لخرقها قوانين الملاحة الدولية، ولم تفرج عنها الا بعد ان افرجت بريطانيا عن ناقلة النفط الايرانية.
جميع دول العالم ومن بينها دول الاتحاد الاوروبي رفضت دعوة امريكا للانضمام اليها من اجل تشكيل تحالف عسكري بذريعة تأمين خطوط الملاحة الدولية في الخليج الفارسي . وقد اعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي حينها إن "باريس تملك قاعدة بحرية في دولة الإمارات، ولا تعتزم مرافقة السفن، وتعتقد أن الخطة الأمريكية ستؤثر سلباً على تخفيف التوترات، لأن طهران ستراها معادية لها، ونحن نعمل على تنظيم أنفسنا كأوروبيين، ولكن هناك شيء واحد مؤكد؛ سيكون لتحركنا هدف واحد فقط، هو تخفيف حدة التوتر والدفاع عن مصالحنا". ونفس الموقف اتخذته المانيا واستراليا وباقي الدول الاخرى التي تعتبر تقليديا حلفاء لامريكا.
اليوم يواجه الرئيس الامريكي جو بايدن تركة ثقيلة خلفتتها سياسة ترامب الرعناء، على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالقسم الاكبر من تركة ترامب الخارجية، مرتبطة بشكل او بآخر بإيران، التي استخدم ترامب اساليب في غاية القذارة والنذالة والخسة ضدها من اجل عزلها ومحاصرتها وتجويعها، ولكن بصمود الشعب الايراني وحكمة قيادته وشجاعة قواته المسلحة، قلبت ايران المعادلة وفرضت العزلة على أمريكا، لذلك لا يملك بايدن من خيار لفك العزلة عن بلاده ، الا خيار العودة دون قيد او شرط الى الاتفاق النووي، بعد رفع جميع العقوبات الظالمة المفروضة على الشعب الايراني.
سعيد محمد - العالم