المفترض بنا -- كدبلوماسيين و باحثين سياسيين وصحفيين-- ان لا نتناقل هذه المقولة كالببغاء وأن لا نعتبرها صحيحة البتة.فالفرق بل الفوارق بينهما كثيرة.
فدونالد شخص طارئ على السياسة و"غشيم" في شؤون الرئاسة وحتى بروتوكولاتها، قضى عمره يرتاد صالات القمار ويتاجر بالويسكي والخمر ويعاقرهما، ويشتري كازينوهات الرقص والدعارة ويزيد أرصدته من عائداتها في البنوك، ويتهرب من دفع الضرائب، حتى غدا مليارديراً، لكن لا حظ لديه من ثقافة، او فكر، وليس له مراس سياسي ولا حنكة قيمة.
و"دونالد" هذا كاثوليكي المذهب، ومتزوج من عارضة ازياء، متهور ومزاجي، ومبغض للصحافة وشريحة الصحفيين.
وهذه الصفات كلها تختلف عن صفات بايدن البروتستانتي المذهب، والذي شغل منصباً عالياً في الطبقة السياسية وهو في الثلاثينات من عمره، ليكون رئيساً للجنة السياسة الخارجية بمجلس الشيوخ، ويعاد انتخابه لأربع دورات متتالية عن بنسلفانيا.
و"جو" كانت له لقاءات كثيرة ومئات الاجتماعات مع مئات الوزراء والزعماء والنواب والسفراء، ثم ما لبث ان اختاره الرئيس الاسبق باراك اوباما ليكون نائبه لثماني سنوات.
وبايدن منفتح على ذوي الاصول اللاتينية والمسلمين وعقد كثيرا من الاجتماعات الخفية الرسمية والمشاورات العديدة مع سفراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الامم المتحدة، منذ كان في نيويورك السيد نجاد حسينيان، وبعده كمال خرازي حتى محمد جواد ظريف، وهو السفير الذي اختاره الرئيس حسن روحاني كوزير للخارجية، وامتدحه القائد الخامنئي وشهد له باخلاصه ونزاهته.
لقاءات جو بايدن واجتماعاته مع السفراء الايرانيين جعلته يحمل فهما دقيقا للساحة الإيرانية، ومجرياتها وشخوصها، لاسيما وان الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 عندما وقّع عام 2015 كان بايدن وكيري الساعدَين الايمن والايسر للرئيس اوباما.
فرقٌ آخر بين دونالد و"جو"، وهو أن الاول وعد بمغادرة الاتفاق النووي مع ايران، ونفذ وعده، ثم قرر أن يفرض عقوبات خانقة ومشددة وقصوى على طهران، والثاني (اي :جو) الذي وعد بالتفاهم مع طهران والعودة الى المسار الدبلوماسي معها، والى الاتفاق الذي اعتمده سلفه ورئيسه اوباما.
ولنتساءل عن فوارق أخرى بين المذكورَين.
ألا يختلف من أيّد وساند خنق المظلوم جورج فلويد الاسود، وقاتليه وقمع المحتجين، عمّن اختار كاميلا هاريس ذات البشرة السمراء والاصول اللاتينية نائبة للرئيس؟!
وهل يستوي من أيّد وساند الرياض في حربها الطاحنة على اليمن ومن لم يفعل ذلك بل رفض وأدان حرب اليمن ووعد بالضغط لوقفها وحقن دماء اليمنيين؟
وهل يمكن ان يكون لا فرق بين دونالد المؤيد لإبن سلمان في تقطيعه لأعضاء عدنان خاشقجي بالمنشار، وبين "جو" الذي أدان جريمة قنصلية اسطنبول وطالب بمعاقبة قتلة عدنان ومقطّعيه بالمناشير؟!
واخيراً؛ هل يستوي من قتل الفريق قاسم سليماني وتفاخر بجريمته، و"جو" الذي كان نائباً لاوباما عندما قتل الإرهابي بن لادن؟
ذكرنا الفوارق بينهما ولم نقل إن فلاناً خير من الاخر... وبعيداً عن الحب والبغض، فإن الانصاف يقتضي ان ننتظر السبعين يوماً المتبقية من حكم الارعن طرمبه وانقضاء عام أو أكثر على بدء رئاسة بايدن لنحكم عليه من خلال سلوكه ومواقفه وقراراته واستبداده وعنجهيته من عدمه، وحينذاك فلكل حادث حديث.
د. رعد هادي جبارة
باحث اسلامي ودبلوماسي سابق