إذا كانت الانتخابات مثل الحرب بين الجيوش المتصارعة، فإن خطاب التنازل الرئاسي قد يكون بمثابة معاهدة السلام.
حتى الوقت الحالي، لم يظهر الرئيس دونالد ترامب أي علامة على الرضا بمغادرة ساحة المعركة في حال خسارته، خاصة في ظل تقدم منافسه الديموقراطي جو بايدن، الذي بدا يوم الخميس على وشك حصد 270 صوتاً من أصوات الهيئة الانتخابية اللازمة لذلك.
من المعروف أن ترامب لا يعترف بالخطأ أو الفشل. وهو أكثر عرضة لتأجيج الانقسامات من معالجتها، كما أظهرت تغريدة على "تويتر" يوم أمس يقول فيها: "أوقفوا العد!"، حين اقترب بايدن من 270 صوتاً انتخابياً مطلوباً للفوز بالبيت الأبيض.
ومع اقتراب بايدن من الفوز، اعتلى ترامب المنصة لتقديم سلسلة من الادعاءات التي لا أساس لها حول تزوير الانتخابات واتهام الديموقراطيين بمحاولة "سرقة" الانتخابات، مع عدم تقديم أي دليل على وجود نشاط غير قانوني.
ويعتقد البعض أن ترامب سيأتي ويلقي خطاب تنازل فقط للحفاظ على مكانته السياسية.
وقال سكوت فاريس، مؤلف كتاب "على وشك أن يكون رئيساً: الرجال الذين خسروا السباق لكنهم غيروا الأمة"، إن "ترامب لن يكون أول مرشح خاسر يشكك في نتائج الانتخابات".
وأضاف فاريس أن "ريتشارد نيكسون، على سبيل المثال، كان متأكداً من أنه تعرض للغش في عام 1968 ضد جون كينيدي خاصة في ولايتي تكساس وإلينوي، لكنه أدرك أنه إذا لم يظهر كخاسر جيد، فمن المحتمل أن يكون مستقبله في السياسة قد انتهى".
وهذا ما مهّدت له حملة الرئيس الأميركي، إذ بدأت الحديث عن احتمالية خسارته لانتخابات 2020، ومناقشة إمكانية ترشحه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
كما اعتبر فاريس أن"ترامب سيتوصل إلى نتيجة مماثلة كنيكسون، وأنه قد يدرك أيضاً أنه إذا كان خاسراً، فسوف ينعكس ذلك بشكل سيء على أولاده الذين يبدو أن لديهم طموحاتهم السياسية الخاصة".
وإذا رفض ترامب إلقاء خطاب تنازل علني أو إجراء مكالمة تهنئة لبايدن، فسوف يحطم 124 عاماً من التاريخ الأميركي. ويقول الخبراء إن ذلك سيقوض نتائج الانتخابات، ويؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية في البلاد، والتي ظهرت بالفعل من خلال حملة مريرة وفرز الأصوات المطعون فيها.
ويليام هويل، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة "شيكاغو"، قال في السياق إن ذلك "سيكون ضاراً حقاً"، مشيراً إلى أن "خطابات التنازل هي نوع من التأكيد على شرعية الانتخابات".
وكما جرت العادة منذ عام 1896، يرسل كل مرشح رئاسي خاسر في التاريخ الأميركي رسالة تنازل، سواء عن طريق البرقية إلى المنتصر أو عبر خطاب متلفز على المستوى الوطني.
الرئيس ترامب ألمح إلى أنه قد لا يقبل بنتائج انتخابات 2020 مرات عديدة تكفي لدق ناقوس الخطر من أنه ربما كان يعني ذلك حقاً، كما رفض خلال الستة أشهر الماضية مراراً الالتزام بعملية انتقال سلمي للسلطة، عندما سئل عن ذلك، وزعم أنه لن يخسر الانتخابات إلا إذا تم تزويرها.
في عام 2016، أظهر ترامب أيضاً عدم التزامه في نتائج الانتخابات، لكن التوقع بتأخير النتائج هذا العام منح الرئيس الأميركي مجالاً أوسع للزعم بأنه لا يمكن الثقة بنتائج الانتخابات، وفق صحيفة الغارديان.
وبدا ترامب وكأنه مهّد الطريق لرفضه الاعتراف بنتيجة الانتخابات في مقابلة أجراها معه كريس والاس من فوكس نيوز في تموز/يوليو الماضي، وذلك عندما سأله والاس إذا ما كان سيقبل بنتائج الانتخابات، كان رد ترامب في حينها: "علي أن أرى. لا، أنا لن أكتفي بالقول نعم. ولن أقول لا".
وفي تجمع انتخابي في أوشكوش بولاية ويسكونسين في آب/أغسطس الماضي، قال ترامب إن "الطريقة الوحيدة التي سنخسر فيها الانتخابات هي إذا تم تزويرها".
كما أعرب الرئيس الأميركي خلال مهرجان انتخابي في ولاية ميشيغن، عن رغبته بألا "يحصل التزوير والغش في الانتخابات عن طريق التصويت بالبريد حيث لا نعلم من صوت عن طريق البريد، وليس هناك أي إمضاءات"، وفق تعبيره، واصفاً ذلك بـ"الأمر الفظيع".
ووفق صحيفة "الغارديان" فإن "ظروف إجراء انتخابات في خضم جائحة كورونا تجعل تهديد ترامب ممكناً أكثر مما لو كانت الانتخابات في ظروف عادية، كما أن تغيير وسائل التصويت سهّل على ترامب التقدم باتهامات لا أساس لها من الصحة تتعلق بتزوير الانتخابات، وسهّل عليه حتى عملية اختلاق سيناريو يمكنه من الإعلان المبكر عن فوزه في الانتخابات".
وصوّتت أعداداً قياسية من الأميركيين في التصويت المبكر، ونسبة كبيرة منهم فعلت ذلك من خلال البريد، وهذا يعني أن العاملين في مراكز الاقتراع سيحتاجون وقتاً أطول لفرز تلك الأصوات وإعلان النتائج.
وقال الإعلام الأميركي مسبقاً إن الولايات المتحدة قد تجد نفسها أمام أسبوع من الانتخابات وليس مجرد ليلة، وإن ترامب قد يعلن نفسه فائزاً في الانتخابات في وقت مبكر إذا وجد أنه متصدر في بعض الولايات وقبل أن يعرف من هو الفائز حقاً.