وحول هذا السياق، ذكرت وكالة أنباء الأناضول، أن "عشرات الجنود السعوديين إلى جانب 30 مقطورة تحمل معدات حفر، أُرسلوا إلى حقل عمر النفطي الذي يسيطر عليه الأكراد شرقي سوريا".
ووفقاً لبعض المصادر المحلية في سوريا، فإن مهمة القوات السعودية تتمثل في حماية مهندسي وفنيي شركة أرامكو السعودية الذين يتواجدون في تلك المناطق منذ الأسبوع الماضي.
وعلى صعيد متصل، ذكرت العديد من المصادر الخبرية أن السعوديين الذين دخلوا منطقة الحسكة لا يُعتقد انهم جنود لأن المنطق يقول ان هذا العدد 20–40 لن يكون لهم اي تأثير على الارض. وأغلب الظن انهم من قسم المخابرات السعودية التي لها الباع الطويل في التعامل مع العشائر والقبائل العربية التي تقطن الحدود المشتركة بين السعودية والدول المجاورة.
ولفتت تلك المصادر إلى أن الكثير من رؤساء هذه العشائر والقبائل تتسلم رواتب ومعونات شهرية من قبل السعودية لضمان ولائها الى جانب حماية الحدود السعودية من عمليات تهريب وتخطي الحدود هذا الى إمكانية استخدامها لاغراض سياسية لزعزعة استقرار أمن الدول المجاورة إذا ما إحتاج الامر كذلك.
ولقد سبق وأن استخدم المال السياسي في محاولة شراء رؤساء العشائر والقبائل العربية في سوريا. والسعودية كانت ومنذ عقود وما زالت تدفع عشرات الملايين من الدولارات لبعض القبائل والعشائر اليمنية لضمان ولائها واستخدامه لحماية حدودها ولقد زاد نشاطها وإرتباطاتها بهذه القبائل والعشائر مع بدء عدوانها الوحشي على اليمن في عام 2015.
وتشير الدلائل إلى أن القوات السعودية تنتشر في منطقة "القرية الخضراء" السكنية داخل حقل "عمر" النفطي. ومع ذلك، وفي الوضع الحالي، يمكن التساؤل عن الغرض من هذا التحرك السعودي وقيامه بإرسال قوات تابعة له إلى شمال شرق سوريا، وهل يمكن قراءة هذه الخطة بما يتماشى مع طلب ترامب بإرسال قوات تابعة للتحالف العربي إلى شمال سوريا أم لا؟
وللإجابة على جميع هذه التساؤلات، يمكن النظر في عدة محاور أساسية والتي هي كالتالي:
هل هي قضية مرتبطة بتحالف "ترامب" العربي؟
يمكن إرجاع خطة وصول قوات تابعة للتحالف العربي إلى شمال سوريا إلى الطلب والعرض الذي قدمه الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في 2017 للدول العربية لإرسال قوات إلى شمال سوريا. وفي ذلك الوقت، جادل "ترامب" حول ضرورة عودة القوات الأميركية إلى البلاد في أسرع وقت ممكن، وأكد في ذلك الوقت أن تكلفة الدفاع وحماية شمال سوريا يجب أن تتحملها الدول العربية التي تريد أساسًا بقاء الولايات المتحدة في سوريا. لذلك، كان أساس هذا المخطط هو أن تتوجه القوات العربية المتحالفة، بقيادة الولايات المتحدة، إلى شمال سوريا لحماية المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، لكن هذا المخطط آل الى الفشل منذ البداية ولم ير النور أبداً.
ومن جهة اخرى رحبت السعودية والإمارات بهذا المخطط، لرغبتهما ببقاء القوات الأميركية في سوريا بسبب مخاوفهما من زيادة النفوذ الإيراني، ولكن من الناحية العملية لم يكن لدى هاتين الدولتين إمكانية العمل المستقل بسبب الضعف الموجود في هيكل قواتهما العسكرية.
وفي ذات السياق، أبدت مصر، باعتبار أن جيشها الأقوى في العالم العربي، معارضتها الكاملة للمخطط بسبب مواقفها المناهضة للإخوان المسلمين والمناهضة لتركيا، فضلاً عن الخلفية التاريخية لعلاقاتها مع دمشق. ونتيجة لذلك، فشل هذه المخطط منذ البداية.
ومع ذلك، في الوقت الحاضر، لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر في نشر عشرات من الجنود والفنيين السعوديين في شمال سوريا في سياق المخطط السابق وذلك لأن الأمر كان يتعلق بإرسال ما لا يقل عن 10 آلاف جندي عربي إلى مناطق شمال سوريا، لكن ما نشهده الآن هو أنه من حيث الكمية والنوعية، لا توجد خطة لتنفيذ دخول القوات التابعة للتحالف العربي إلى شمال وشرق سوريا.
السعودية وقصة جيشها المهزوم
وعلى صعيد آخر، تجدر الإشارة إلى أن السعودية لا تملك القدرة العسكرية والجاهزية لإرسال قوات إلى الخارج. ويأتي تدخل السعودية في سوريا في وقت عانى جيشها من هزائم كبيرة في الحرب اليمنية، حيث لم تنجح الرياض في الحرب اليمنية التي بدأت منذ أكثر من ست سنوات من تحقيق أي انتصارات على أرض المعركة وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن معظم قوات تحالف العدوان الذي تقوده السعودية في اليمن منذ آذار 2015 هم مرتزقة أجانب مجندون من دول أفريقية. كما أن سلاح الجو السعودي يستعين بطيارين أجانب، يتقاضون رواتب كبيرة عن كل طلعة جوية، لتنفيذ قصف وغارات جوية على مواقع أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" والمواقع المدنية في شمال اليمن. ومع ذلك، يمكن اعتبار وجود الجيش السعودي في شمال سوريا كوميديا سياسية جديدة في منطقة غرب آسيا.
رسالة "محمد بن سلمان" الرمزية لـ"أردوغان"
هناك قضية أخرى مهمة في دخول المملكة العربية السعودية إلى قواعد النفط السورية التي يسيطر عليها الأكراد ونشرها العشرات من قواتها العسكرية، تتمثل في أن تكون هذه الخطوة مرتبطة بشكل مباشر بتنافسها الجيوسياسي مع تركيا في سوريا.
في الواقع، في أعقاب التطورات التي نجمت عن الصحوة الإسلامية في بعض الدول العربية في عام 2011، تبنى حزب العدالة والتنمية على الفور استراتيجية الترويج لجماعة الإخوان المسلمين ودعم الجماعات السياسية المقربة منها ولم يغب هذا الإجراء التركي، الذي تفشى في العديد من البلدان العربية وخاصة في مصر وليبيا وتونس، عن عيون الإمارات والسعودية، وسرعان ما اتخذت هذه الدول إجراءات مضادة. وشهدنا، في الاعوام الاخيرة، هزيمة حكومة الإخوان المسلمين بقيادة "محمد مرسي" في مصر ووصول "عبد الفتاح السيسي" إلى السلطة.
ولكن الوجه الجديد في النزاع جاء بعد تولي إدارة "ترامب" السلطة في الولايات المتحدة. ففي عام 2017، شكل "محمد بن زايد" و"محمد بن سلمان" و"عبد الفتاح السيسي" تحالفًا عربيًا مدعومًا من الولايات المتحدة، كان من ركائزه وأهدافه مواجهة السياسات التركية على المستوى الإقليمي. ويمكن اعتبار هذا التحالف العدو الأول للإخوان المسلمين في المنطقة. ويبدو الآن أن "محمد بن سلمان" قد وجّه رسالة إلى تركيا مفادها أنه سيدعم الأكراد السوريين، الذين تعتبرهم أنقرة تهديدًا لها على نطاق واسع وتأتي هذه القضية في الوقت الذي انتقدت فيه وزارة الخارجية التركية مؤخرًا الإمارات بشدة لدعمها القوات الكردية السورية.
ويمكن فهم حساسية تركيا من هذه القضية بشكل أفضل عندما اتخذت أبو ظبي والرياض المزيد من الخطوات في العام الماضي للتعامل وتقديم الدعم للقوات الكردية، وحتى أنه وفقًا لبعض التقارير الواردة فإن الإمارات التي تعتبرها تركيا أحد العناصر الخارجية وراء الانقلاب الفاشل الذي وقع في يوليو 2016 في تركيا، قامت في عام 2019، بدعوة "مظلوم كوباني" للتوقيع على بعض الاتفاقيات، وحتى قبل هذه الدعوة، زار الرياض وفد من حزب العمال الكردستاني برئاسة "حسن يوسف"، زعيم المجلس الوطني في مدينة "دير الزور" السورية المحسوب على حزب العمال الكردستاني.
المصدر: الوقت