ترامب الذي لم يستطع تكبره وجبروته اخفاء سعادته من اعلان اتفاق الخيانة الاماراتي للقضية الفلسطينية بالدرجة الاولى، وللاسلام والعرب بالدرجة الثانية؛ اعلان وضع حدا واعطى جوابا واضحا لكل التكهنات التي استمرت اعوام عن وجود علاقة شبه طبيعية بين الامارات والكيان الصهيوني؛ ترامب أطلق صفات كبيرة على اتفاق الخيانة الاماراتي مثل، "انفراجة كبيرة، واتفاق سلام تاريخي"، وضفٌ شاركه فيه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو،لاعطاء هذا الاتفاق بعدا من شأنه ان يخدم مصلحتهما المشتركة في المستقبل القريب جدا.
بين سطور بيان الرئيس ترامب تختبئ الكثير من الأكاذيب، فقد اعتبر ترامب ان الاتفاق بين أبوظبي وتل أبيب سيسمح لوصول المسلمين لزيارة المعالم التاريخية في فلسطين المحتلة، كلام ترامب قد يعني الكثير، وخصوصا بالنسبة لعشيقته "اسرائيل"، ففي ظل امتناع سلطات الاحتلال عن اعطاء تراخيص لزيارة المسلمين الفلسطينيين للاماكن المقدسة في القدس وغيرها، قد تقدم هذه السلطات تأشيرات وتسهيلات غير مسبوقة لأي مسلم قد يأتي من خارج فلسطين المحتلة، وذلك بغية استثمار الزيارات سياسيا، واظهار الكيان الصهيوني ككيان متسامح مع الاديان الاخرى، وكذلك فرضه كأمر واقع، لا يمكن تجاهله في المنطقة.
أما الكذبة الأكبر التي تخرص بها ترامب فهي اعتباره أن بموجب الاتفاق سوف يعلّق الكيان الصهيوني خططه لفرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية، وضم المناطق التي حددتها ما باتت تعرف بخطة ترامب للسلام بالشرق الأوسط، الامر الذي قدّمه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كمبرر لهذه الخطوة الاماراتية الخيانية، مضيفا أن الإمارات والكيان الصهيوني اتفقتا على وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولا إلى علاقات ثنائية.
التوهمات الاماراتية والاميركية سواء كانت عن قصد او دون قصد، فهي تبقى توهمات مع اعلان نتنياهو نيته الاستمرار في خطة الضم التوسعية، وتأكيده على تنفيذ تعهداته بهذا الخصوص، وأن قضية الضم ستبقى على الطاولة وأنها لا تزال على جدول الأعمال، كاشفا وبكل وقاحة عن طلب واشنطن الانتظار بشكل مؤقت بقضية الضم، بهدف استجلاب ما اعتبره السلام مع الدول العربية، ممنيا النفس بخطوات مشابهة من دول عربية اخرى.
اختيار التوقيت لاعلان اتفاق العار المشؤوم، لابد أنه كان اميركيا بامتياز، بالنظر إلى الاهداف التي يمكن ان يحققها الاميركي من توقيع مثل هذا الاتفاق، فمع تراجع حظوظ ترامب الانتخابية بفوزه بولاية ثانية في رئاسة البيت الأبيض، واحساسه بشيء من الخطر في منافسه الديمقراطي جو بايدن، يسعى ترامب اليوم عبر ابرام اتفاق من هذا النوع إلى استرضاء اللوبي الصهيوني والجماعات واللوبيات اليهودية النافذة في الولايات المتحدة إلى جانبه، وضمان تأييد اليمنين المتطرف له في الانتخابات الاميركية المقرر اجراءها بعد أقل من ثلاثة أشهر.
اتفاق الخيانة الاماراتي الذي جاء بتوقيت ترامب يخدم لدرجة كبيرة الصديق المقرب لترامب في الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، ويمنحه بصيص نور في نهاية نفق الظلمة التي بات يعيش فيه، في ظل تصاعد الحركة الاحتجاجية ضد سياساته الفاشلة في داخل الكيان الصهيوني، والوضع الاقتصادي المتردي، وتورطه بملفات فساد تلاحقه منذ فترة، حتى وصل به الحال لتهديده علنا بالقتل خلال التظاهرات، مع تفشي حالة التطرف السياسي وذلك مع ارتفاع القلق والكراهية والتحريض بين المستوطنين الصهاينة، وهذا ما لم يعد خافيا لا في الداخل الصهيوني ولا خارجه، لتأتي الامارات كالمخلص لنتنياهو امام مجتمعه المتشنج، أملا في التغطية على ملفاته التي باتت تؤرق عيشه.
المصلحة الاماراتية، والنابعة بالدرجة الاولى من المصلحة الذاتية لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، تتمحور حول هدف قديم متجدد لابن زايد، وهو تقديم الامارات كلاعب اساس في المنطقة وعلى الصعيد العربي بشكل خاص، عبر تحييد الدول العربية الاكبر وذات النفوذ مثل مصر والسعودية، الأمر الذي سعى له منذ وصوله إلى ولاية العهد، واقحام السعودية بالحرب على اليمن لاضعافها، والتدخل في تعيينات داخلية وخارجية، وفرض بعض السياسات على الامير المراهق في الرياض محمد بن سلمان، لاسقاط السعودية كدولة محورية في العالم العربي، وكذلك التدخلات الاماراتية في مصر، ومحاولات اقحامها في أزمة ليبيا، والضغوط التي لعبتها الامارات في قضية سد النهضة، اضافة إلى تمويل مشروع السد، ما يحد من نفوذ مصر واسقاط هيبتها عربيا.
مساعي ابن زايد في تحييد دور السعودية بالأخص عن الساحة العربية، أكده ترامب في اعتباره أن الامارات والكيان الصهيوني اكبر حليفان لواشنطن في المنطقة، مستبعدا السعودية التي لطالما قدمت نفسها على أنها الحليف الاول لاميركا في المنطقة، واقامت عدد كبير من الاستثمارات في الولايات المتحدة، كعربون صداقة مع بلاد العم سام، إلا أنه ليس على الرياض ان تقلق على علاقاتها مع واشنطن، فسوف تبقى "البقرة الحلوب" بالنسبة لراعي الأبقار ترامب، فيما قام ترامب بترقية ابن زايد من بقرة في قطيعه حول العالم إلى "كلب القطيع" في المنطقة المطيع والأمين (على المصالح والامن الاسرائيلي).