وتبذل السلطات العراقية قصارى جهدها لتامين هذا الحدث الكبير الذي يبلغ ذروته مساء اليوم الاثنين، حيث يتوقع ان يصل عدد الزائرين الى خمسة عشر مليون زائر، فيما يستمر توافد الملايين من اكثر من ستين دولة برا وجوا ومن مختلف المحافظات العراقية حتى يوم الثلاثاء العشرين من شهر صفر.
ومع تجدد زيارة الاحزان والعبق الحسيني الممتد لأكثر من أربعة عشر قرنا، والتي تكرس رسالة تتضمن معاني وقيما سامية واهدافا خالدة ضحى من اجلها أبو الاحرار الحسين (ع) بأغلى ما يملك، وكذلك تحمل في طياتها مضامين وابعادا سياسية ودينية واجتماعية، ومن هذه الرسالة نتعلم أن الحسين (ع) اراد أن يجمعنا في مكان واحد وهو ارض كربلاء المقدسة بغض النظر عن ديانتهم وعرقهم وثقافتهم، واوصانا الامام الحسين (ع) بوحدة الكلمة الوطنية وقيم المواطنة التي لا تبنى إلا من خلال وضع خطة صحيحة لترسيخ هذه القيم والعمل على فئة الشباب لأنها الفئة الأهم في مجتمعاتنا، وتفسير رسالة الحسين بوسيلة بسيطة وسهلة في تعلم قيم المواطنة ليكون العراقيون مجتمعا اكثر تماسكا والابتعاد عن الامور التي تشوه وتسيء الدين الإسلامي.
ولأهمية رسالة الإمام الحسين (ع) في جميع مجالات الحياة، ولتعريف العالم أن القضية الحسينية هي للكل وليس لفئة معينه، ولتوضيح اكثر عن استنباط القيم والمبادئ من ثورة الإمام الحسين (ع) لتعلم وترسيخ الوحدة الوطنية.
وتبرز في زيارة ذكرى أربعينية الامام الحسين عليه السلام في كربلاء المقدسة كيفية تعزيز قيم المواطنة والوحدة الوطنية، فأجاب الدكتور (سامر مؤيد) من جامعة كربلاء، قائلا: "إن الذكرى العظيمة قد استحضرت في الروح كل المعاني السامية التي يضيق المجال لذكرها لكثرتها ورفعتها، بيد أن الساعي الى الشفاء من داء لا يمكنه الا استحضار الدواء الذي قدمه الحسين بتضحيته قبل الف واربعمائة عام، ومع اطلالة كل ذكرى اربعينية وفي اجوائها تشع من نور الرسالة والقها معاني التسامح والانفتاح على الاخر، وتقديم الغالي والنفيس لتمكين الموالين من اداء مراسم هذه الزيارة، فتكون كلها لبنات سليمة واساسية في ترسيخ اسس المواطنة"
وأضاف، "ومع اتساع مشاعر الحاجة لاقتسام عبق الذكرى ومشاركة الاخر بطقوسه واحاسيسه تنبني جسور الارتباط والتضامن بين الموالين وبين غيرهم من الطوائف والاديان الاخرى ضمن الوطن الواحد، فتتعالى شحنات الوطنية مع تعالي عبارات "واحسيناه" لان الحسين قيمة انسانية ووطنية عليا تتفاعل في كنفه كل اواصر المحبة والايثار بين الناس اجمعين، وليس فقط المواطنين وما مظاهر المواكب والزائرين والمساهمين في احياء مراسم الزيارة من باقي شركاء الوطن، الا دليل على ارتقاء مباني الهوية والشعور المشترك بين ابناء الوطن الواحد والسلام على مهد الحضارة وعنوان الشهادة".
اما الأستاذ (خليل الخفاجي)، فقال: "زيارة الاربعين تعد من اهم المناسبات الدينية لدى كافة المسلمين، وانها تؤم لزيارة الامام الحسين في هذا اليوم مسلمين من كل انحاء العالم لأنها زيارة خاصة او ما تسمى بزيارة الاربعين، او مرد الرأس باعتبار أن السبايا بعد عودتهم من الشام مروا بقبر الامام الحسين واحيوا هذه الزيارة واصبحت سنة من ذلك اليوم سنه 61 م الى يومنا هذا، ومما يميز هذه الزيارة أن قبر الامام الحسين واخيه العباس تؤمه الناس من كل ارجاء العالم وتختلط مشاعر المحبة والولاء والراحة والامان لكل زوار مدينة كربلاء، وتشترك في هذه الزيارة جموع غفيره بغض النظر عن جنسياتهم وقومياتهم واديانهم ومنها المسيح والازيدية وغيرها، وتتجه نحو كربلاء مجددة الولاء للإمام الحسين واخيه العباس".
وأضاف، "أن كربلاء تصبح قبلة لكل احرار العالم، فضلا عن أن مدينة كربلاء اوفر لما يقرب من 12الى 16 مليون زائر كافة الخدمات من ماء وكهرباء وطعام ببركات الامام الحسين واخيه العباس، وتاكل جميع الحشود سواء كانت عربيه ام اجنبية بطبق واحد وخيمة واحدة وشعارها ويوحدها "حب الحسين" ومردده شعار "يوحدنا ويجمعنا قبة الحسين وبركات الامام الحسين" ونتمنى أن هذه تكون الشعيرة درسا لجميع الساسة وقادة العراق، وأن يكون الحسين ومن ضحى معه امل لكل الفقراء والمحرومين والمستضعفين في الارض، ونبراسا يقتدي به كل من يحب الحسين ونبذ السارق والمارق ومن يريد تمزيق وحدة الصف الوطني، ومن الحسين نستلهم الدروس والعبر أن يوفق الله كل من خدم العراق بصدق واخلاص وعمل بمبادئ الحسين.
وقال الأستاذ (طالب الظاهر) حول زيارة الاربعين: "كان وما يزال هدف اشاعة روح المحبة والتآخي والتعاون بين الناس، بل كل قيم الخير والسلام بين أفراد المجتمع، هو الهدف الأسمى لزيارة الأربعين، وكذلك إفشاء رسالة التعايش السلمي بين الإنسان وأخيه أو نظيره الإنسان بغض النظر عن جنسيته ولونه وانتمائه، منهج أهل بيت العصمة عليهم السلام، ورسالتهم الخالدة التي ضحوا بما ضحوا به من تضحيات جسام في سبيلها، وفي سبيل ارسائها وتثبيتها على أرض الواقع".
وأضاف، "طبعاً قضية عاشوراء ومن ثم شعيرة زيارة الأربعين من خلال القدوم مشياً الى ضريح الإمام الحسين عليه السلام لأداء مراسيم الزيارة، تعد أولى رسائلها هي إفشاء السلام بين الناس، وخلق روح المحبة في المجتمع من خلال الخدمة الحسينية دون النظر الى شخص الزائر إلا كونه زائراً ومحباً للحسين عليه السلام، ولهذا تكون خدمته ذات ثواب جزيل، ولعل هذه الرسالة المباركة وأقصد بها رسالة زيارة الأربعين قد تجاوزت بمديات شاسعة في مغزاها وفي مبناها، مسألة حصر الأمر في اطار المواطنة، لأن في هذا تضييق لحلقتها بالانتماء الى وطن واحد والدعوة الى الوحدة الوطنية، أقول رسالة القضية الحسينية في هذه الزيارة المباركة لاريب أوسع مجالاً، وأرحب مغزى لتشمل الكون برمته، والناس بأجمعهم".
الى ذلك قال الاستاذ (خالد العرداوي): "إن دور زيارة الاربعين في تعزيز قيم المواطنة والتعايش الاجتماعي ينبع من أمرين: الاول، يرتبط بطبيعة المشاركين في هذا المحفل الاجتماعي، فهم لا يمثلون لون واحد ولا جنسية ولا قومية ولا دين ولا مذهب واحد، فضلا عن كونهم من فئات عمرية مختلفة".
وأضاف، "الامر الاخر، يرتبط بمضمون النهضة الحسينية، كونها نهضة ضد الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي بصرف النظر عن هوية القائمين به، أن هذين الامرين معا يفترض أن يمارسا دور الحافز لإيقاظ الضمير الانساني، وابعاد الانسان عن كل ما يخلق الكراهية مع اخيه الانسان، كذلك يرسمان الطريق الى التعايش والمحبة بين البشر، هذا المحفز المعنوي الهائل و ما يرتبط به من محفزات مادية قادرة فعلا لو استثمرت بطريقة فعالة وايجابية على جعل الحسين عليه السلام مفتاحا لا للوحدة الوطنية والتعايش المحلي، وانما مفتاحا ايضا للوحدة الانسانية والتعايش العالمي".
وجاء محبو وموالو اهل البيت (ع) وعشاق الامام الحسين من جميع أنحاء العالم، من ايران وبلدان عربية واوروبية ومن الولايات المتحدة واسيا الوسطى والقوقاز، ضمن مسيرة واحدة متوجهين نحو كربلاء، إذ يشكل حب الحسين محورا يجمع هؤلاء حوله ويوحدهم تحت راية واحدة وشعار واحد وهو "الحسين يجمعنا".