لا نَعرِف ما هو شُعور الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وهو يُتابع وصول أوّل ناقلة نفط إيرانيّة إلى أحد الموانِئ الفنزويليّة في تحدٍّ قويٍّ لتهديداته، وكسرٍ للحِصار الظّالم التّجويعي الذي يَفرِضه على فنزويلا، ولكنّنا نعرف جيّدًا أنّه شُعورُ المهزوم الذّليل الذي فَشِلَت تهديداته باحتِجاز هذه السّفينة، وأربع أُخرى في الطّريق، وإرهاب إيران، ومنعها من التّضامن مع الشّعب الفنزويلي الصّديق، والوقوف إلى جانبه ورئيسه الشّجاع المُنتَخب، وكسر الحِصار الأمريكيّ، وتوفير احتِياجاته من البنزين والديزل.
الفارق الجوهريّ بين إيران والولايات المتحدة، أنّ الأولى تُرسِل المشتقّات النفطيّة لشعبٍ مُحاصرٍ قالت قيادته “لا” كبيرة لمُحاولات التّركيع الأمريكيّة، أمّا الثّانية، أيّ أمريكا، فتُرسِل قوّات مُرتزقة في مُحاولةٍ يائسةٍ لإسقاط الرئيس نيكولاس مادورو، وتنصيب أحد عُملائها مكانه في قمّة السّلطة.
الرئيس المُتغطرِس دونالد ترامب أدرك جيّدًا أنّ الرئيس الإيراني حسن روحاني يعني كُل كلمة يقولها عندما حذّر الإدارة الأمريكيّة من اعتراض سُفن بلاده، أو إلحاق أيّ أذىً بها، لأنّ الرّد سيكون مُزلزِلًا، ليس في فنزويلا والبحر الكاريبي، وإنّما في الخليج (الفارسي) حيث تتواجد مِئات السّفن الأمريكيّة.
عندما تجرّأت البحريّة البريطانيّة على احتِجاز ناقلة نفط إيرانيّة في مضيق جبل طارق كانت في طريقها إلى سورية لكسر الحِصار الأمريكيّ قبل عام، أقدمت الزّوارق الإيرانيّة، وبعد أقل من أسبوعٍ على احتجاز ناقلةٍ بريطانيّة في مِياه الخليج (الفارسي)، وفتّشت أُخرى، تحت سمع وبصَر السّفن الحربيّة الأمريكيّة التي لم تجرؤ على التدخّل لمنع هذا الاحتِجاز، وخرج الرئيس ترامب ليَرُش المِلح على الجُرح البريطانيّ عندما قال إنّ أساطيل بلاده لا تَحمِي إلا السّفن الأمريكيّة فقط، مُوجِّهًا صفعةً قويّةً لحُلفائه البريطانيين الذين خطَفوا النّاقلة الإيرانيّة بتوجيهاتٍ من حُكومته.
سِياسة فرض العُقوبات الأمريكيّة تُواجِه الفشل والهزائم في فنزويلا وإيران وسوريا، وقريبًا جدًّا في الصين وروسيا، لأنّها سياسة تَعكِس غطرسة القوّة والاستِكبار، ولكنّها بدأت تفقد مفعولها وتُوحِّد العالم كلّه ضدّها، وبِما يوجّه ضربات قويّة ومُؤلمة للهيبة الأمريكيّة، ويُعَمِّق الكراهيّة لها في أوساط مُعظم شُعوب العالم لأنّها عُقوبات غير شرعيّة وتُشَكِّل انتِهاكًا للقانون الدوليّ.
هذه الوقفة التضامنيّة الإيرانيّة الشّجاعة مع الصّديق، والحليف الفنزويلي تؤكّد أنّ هُناك دولًا لا تُرهِبها التّهديدات الأمريكيّة، ومُستعدّةٌ للمُواجهة العسكريّة دفاعًا عن الأصدقاء والحُلفاء وكرامتهم التي هي جُزءٌ أصيلٌ من كرامتها، وحقّهم وحقّها في الحَد الأدنى مِن العيش الكريم.
إنّ وصول هذه القافلة من النّاقلات الإيرانيّة الى الموانئ الفنزويليّة، هو أكبر هزيمة للاستِكبار الأمريكيّ، ومِن المُؤكّد أنّها مُقدّمةٌ لهزائمٍ أُخرى مُماثلة، خاصّةً في مياه الخليج (الفارسي) وبحر عُمان إذا تجرّأت أمريكا وحاولت استِفزاز الوجود الإيراني مِثلَما يُهدِّد الرئيس ترامب، وربّما يُفيد التّذكير كيف هوَت الطّائرة المُسيّرة الأمريكيّة العِملاقة “غلوبال هوك” من عليائها على ارتفاعِ 20 كيلومترًا بصاروخٍ إيرانيٍّ عندما تجرّأت واختَرقت الأجواء الإيرانيّة فوق مضيق هرمز، ولعلّنا سنرى هذا المشهد يتكرّر مرّةً أُخرى في المُستقبل المنظور في ظِل التّصعيد الأمريكيّ الحاليّ.
إنّها لحظة تضامنيّة تاريخيّة تُمرغ أنف ترامب وإداراته في التّراب، وتُؤكِّد للشّعوب المُحاصَرة أمريكيًّا بأنّ هُناك من يقول “لا” للعُقوبات ويتصدّى لها بشجاعةٍ ورجولةٍ.
لقد تشابه البقر على أمريكا ورئيسها عندما اعتقدت أنّ فنزويلا ستركع عند أقدامها، وتقبل بعميلٍ رئيسًا لها، ففنزويلا ودول محور المُقاومة تختلف عن الآخَرين الذين يرضَخون للإملاءات المُهينة والمُذلّة للرئيس ترامب، ويدفعون له مِئات المِليارات صاغِرين... ألم نَقُل لَكُم صَبرًا آل ياسر.
رأي اليوم