وبالجمع بين هذه الايات يتضح أن القرآن الكريم قد نزل بالتأكيد في شهر رمضان وفي ليلة القدر، فليلة القدر هي ليلة نزول القرآن وهي في شهر رمضان، لكن أية ليلة من ليالي شهر رمضان هي ليلة القدر تحديداً؟
رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ وزُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ... ﴾ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ؟
قَالَ: "نَعَمْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وهِيَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَلَمْ يُنْزَلِ الْقُرْآنُ إِلَّا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ قَالَ يُقَدَّرُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ خَيْرٍ وشَرٍّ".
وعَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَسَّانَ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ- قَالَ اطْلُبْهَا فِي تِسْعَ عَشْرَةَ- وإِحْدَى وعِشْرِينَ وثَلَاثٍ وعِشْرِينَ .
وعن حَسَّانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟
فَقَالَ: "الْتَمِسْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وعِشْرِينَ أَولَيْلَةِ ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ".
ما هي الحكمة من عدم التحديد الدقيق لليلة القدر؟
قد تحصل قناعة لدى المتتبع للاحاديث التي تتحدث عن ليلة القدر بأن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام امتنعوا عن التحديد الدقيق لليلة القدر لأسباب، منها ما هومذكور في أحاديثهم ومنها ما لم تذكر لأسباب خافية علينا، ولعل من أهم تلك الاسباب هوإرادة حث الناس على اغتنام الفرصة الذهبية المتوفرة في شهر الرحمة والغفران واحياء ليالي هذا الشهر بالعبادة والذكر والصلاة والدعاء والتوجه الى الله الغفور الرحيم، فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَبُوبَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُرْجَى فِيهَا مَا يُرْجَى؟
فَقَالَ: "فِي إِحْدَى وعِشْرِينَ أَوثَلَاثٍ وعِشْرِينَ".
قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَقْوعَلَى كِلْتَيْهِمَا؟
فَقَالَ: "مَا أَيْسَرَ لَيْلَتَيْنِ فِيمَا تَطْلُبُ؟"
قُلْتُ: فَرُبَّمَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ عِنْدَنَا وجَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى؟
فَقَالَ: "مَا أَيْسَرَ أَرْبَعَ لَيَالٍ تَطْلُبُهَا فِيهَا؟"
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ- لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِ؟
فَقَالَ: "إِنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ".
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَالِدٍ رَوَى فِي تِسْعَ عَشْرَةَ يُكْتَبُ وَفْدُ الْحَاجِ؟
فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَفْدُ الْحَاجِّ يُكْتَبُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ والْمَنَايَا والْبَلَايَا والْأَرْزَاقُ ومَا يَكُونُ إِلَى مِثْلِهَا فِي قَابِلٍ، فَاطْلُبْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وعِشْرِينَ وثَلَاثٍ وعِشْرِينَ، وصَلِّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةَ رَكْعَةٍ وأَحْيِهِمَا إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَى النُّورِ واغْتَسِلْ فِيهِمَا".
قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وأَنَا قَائِمٌ؟
قَالَ: "فَصَلِّ وأَنْتَ جَالِسٌ".
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ؟
قَالَ: "فَعَلَى فِرَاشِكَ، لَا عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَحِلَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِشَيْءٍ مِنَ النَّوْمِ، إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ، وتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ، وتُقْبَلُ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِينَ، نِعْمَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ، كَانَ يُسَمَّى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص الْمَرْزُوقَ".
خلاصة القول:
غير أنه بعد التتبع يقوى في النفس أن ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين وأن الليالي السابقة هي بمثابة المقدمة ولها دور تحضيري للنفوس لتتهيأ وتستعد للرقي في سلَّم الكمال الروحي مرحلة تلوأخرى فتصل الى ذروة كمالها في ليلة القدر، فقد رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال: "التَّقْدِيرُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، والْإِبْرَامُ فِي لَيْلَةِ إِحْدى وعِشْرِينَ، والْإمْضَاءُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وعِشْرِينَ".