الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدأ عهده بابتزاز السعودية مقابل "الحماية". وهو يستمرّ في التصريح عن طموحه بهذا الصدد. لكن إعلان الإدارة الأميركية عن حاجة نشر صواريخ "باتريوت" في أماكن أخرى، وتفسير الخطوة بما سمته "تراجع التهديد الإيراني"، مؤشر على تراجع أميركي عن "الحماية". وقد يكون تأكيد بومبيو على عدم التراجع هو بمثابة تأكيد العكس.
لعل ترامب يستخلص دروس نجاح الابتزاز مع السعودية والإمارات، لتعميمها بفزّاعة "الحماية" على الدول الأوروبية التي هدّدها سابقاً بالدفع وعلى الدول الأخرى الحليفة في آسيا ككوريا الجنوبية واليابان. فبينما يتوقّع مضاعفة "الخوّة" من كوريا الجنوبية، يأمل استنزاف ألمانيا بذريعة تكاليف القواعد العسكرية ولا سيما قاعدة فرانكفورت حيث المقرّ الرئيسي للجيش الأميركي في أوروبا الذي يشرف على 50 قاعدة أوروبية.
ترامب الذي يتوقّع الفوز في الانتخابات، استناداً إلى توزيع شيكات رشوة ممهورة بصورته وتوقيعه، يستند إلى ضمان تأييد شركات الأسهم والبنوك والشركات الكبرى التي تزداد أرباحها أثناء الجائحة نتيجة رسملتها بضخّ ألفي مليار دولار حتى الآن. وهو يرصد لها نحو ألفي مليار متوقعاً لها العودة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة. وفي هذا السبيل يحتاج إلى تغطية هذه الديون الفدرالية والعجز التجاري والتضخّم، من الدول الحليفة الغنيّة ومن السعودية التي يراها "دولة فاحشة الثراء".
مراهنة ترامب مبنيّة على أساس استعادة النشاط الاقتصادي بعد بضعة أشهر، من دون أي احتمال آخر. لكن في حال استعادة النشاط في المدى المتوقّع خلال سنتين، ليس من المتوقّع العودة إلى الاقتصاد المحموم قبل الجائحة في أميركا وأوروبا والعالم. وفي هذه الحالة من غير المتوقّع إنقاذ الاقتصاد الحقيقي والشركات الصغيرة والمتوسطة، ولا إنقاذ مئات الملايين العاطلين من العمل الذين ترشيهم أميركا ودول الاتحاد الأوروبي بالقروض لمدة زمنية محدودة.
هذا الاحتمال يحفّز الصراع الجيوسياسي والاقتصادي ضد الصين القادرة على إغراق أميركا وأوروبا بالسلع والمنافسة، وضد روسيا التي تحقق مع حليفها الصيني خرقاً استراتيجياً في أوروبا الغربية وتسحب البساط أمام الحلف الأطلسي الأميركي ــ الأوروبي. وهو الأمر الذي يدفع الإدارة الأميركية إلى "إعادة التموضع" في السعودية والخليج (الفارسي) والاستدارة شرقاً على طريقة ترامب بشكل متقلّب وغير محسوم.
لكن تعزيز الوجود الأميركي في بحر الصين الجنوبي يؤدي تدريجياً إلى تغيير استراتيجية "التنين الهادئ" من الصراع الاقتصادي البحت إلى صراع جيوسياسي لا يخلو من استخدام القوة المسلّحة. وفي المقابل يبدو أن بومبيو وصقور ترامب يتجهون إلى تصعيد التوتر العسكري حول روسيا في بحر البلطيق واسكندينافيا وليتوانيا وبولندا وأوكرانيا... استناداً إلى صعود التيارات الشعبوية التي تتوخّى استمرار الحرب العالمية الثانية ضد الإرث السوفييتي والشيوعي.
الرئيس الروسي يهدّد بالقوّة النووية، رداً على نشر الصواريخ الأميركية المتوسطة في هذه البلدان. فمنذ خروج ترامب من معاهدة نشر الصواريخ الموقّعة عام 1987، يرى بوتين أن روسيا "لديها الأفضلية بضربة نووية". ومنذ عام 2018 حتى الأسبوع الماضي، يكرّر بوتين أن روسيا سترد بصواريخ تنشرها بالقرب من الولايات المتحدة (في الإشارة إلى فنزويلا) أو بصواريخ نووية سريعة جديدة، أو بالخيارين معاً.
أمام هذه المتغيرات الأميركية والدولية، تفقد السعودية أهميتها في "الشراكة الاستراتيجية" مع أميركا حيث بات النفط السعودي عبئاً على النفط الصخري الأميركي ويثير قلق الشركات النفطية والكونغرس والولايات النفطية. (تكساس، كاليفورنيا،....) لكن السعودية التي تعتمد على النفط في وجودها وأهميتها الداخلية والإقليمية، تعاني من أزمة اقتصادية متنامية منذ عام 2018 حيث هبط سعر برميل النفط من 75 دولارا إلى 55 دولارا.
وزير الاقتصاد والمالية المكلّف محمد الجدعان، يكشف عن منحى القروض السعودية بما يتجاوز 220 مليار دولار، بينما تنخفض الصادرات النفطية إلى 66,7 مليارا والحبل على الجرّار كما يقال. وفي خلال سنتين تتعرّض الشركات السعودية المهمة مثل آرامكو وسابك واتصالات والبتروكيماويات والإنشاءات.... إلى خسائر متنامية. فمجلس الشورى السعودي يدق ناقوس الخطر الذي يضرب إفلاس الشركات وتضخّم قضايا الإفلاس أمام المحاكم. والأهم فوضى تسريح الموظفين والعمالة الوافدة وشدّ أحزمة التقشّف والنفقات وخفض الرواتب.
أحلام ابن سلمان في مشروع "نيوم" بكلفة 500 مليار دولار، قد تتبخّر في المدى المنظور. أما تمويل الحرب على اليمن وتمويل الولاء السياسي لابن سلمان في السعودية والمنطقة، فهما في سباق مع مساعي ترامب الذي يستعجل وضع اليد على آرامكو وعلى الاحتياط السعودي في نيويورك. ومن غير المتوقع أن يلجأ ابن سلمان قبل تبديد ما بقي حتى الآن وقبل الغرق بالديون، إلى التراجع عن الخيارات القاتلة. فملوك البداوة يقتلون أو يُقتلون.
المصدر: الميادين نت