وقالت الصحيفة في تقرير لها، اﻷحد 26 أبريل/نيسان، إن بومبيو وضع هذه الخطة، التي وصفتها بالمعقدة، كي تستطيع الولايات المتحدة، بوصفها عضوا أساسيا موقعا على الاتفاق النووي، تمديد حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي والذي ينتهي في الخريف القادم، أو تفعيل ما يسمى "آلية الزناد" (العقوبات التلقائية) لعودة عقوبات الأمم المتحدة.
وأفادت الصحيفة في تقريرها، بأن بومبيو يجهز مشروع قانون لهذا الغرض يسمح للولايات المتحدة بالبقاء عضوا في الاتفاق النووي مع إيران الذي كان ترامب قد انسحب منه سابقا. وأكدت أنه تم إدراج هذا المشروع على جدول أعمال الولايات المتحدة، لأن التقديرات تشير إلى أن أي محاولة لتمديد حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على إيران، في حال اقتراحه داخل المجلس، من المحتمل أن تواجهه روسيا صراحة وتستخدم حق النقض (الفيتو) ضده، كما يحتمل أن تعارضه الصين بشكل علني أو ضمني، خاصة وأن الروس أخبروا المسؤولين الأميركيين والأوروبيين بأنهم يريدون استئناف مبيعات الأسلحة لإيران، على حد قول الصحيفة.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قد دعا الى تمديد حظر تصدير الأسلحة التقليدية على ايران ردا على إطلاقها قبل أيام، القمر الصناعي نور 1 للاغراض العسكرية بزعم انتهاكها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، في حين اعلنت روسيا أن إيران لم تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231 بإطلاقها القمر الصناعي نور 1 وان مزاعم الجانب الاميركي لا أساس لها.
الغموض والتناقضات يلف ما أسمته "نيويورك تايمز" بالخطة الجهنمية لبومبيو، فما دامت بلاده قد انسحبت من الاتفاق النووي بشكل احادي فليس من حقها الاعتراض على أحد بنوده، فكيف سيعترض بومبيو على بند السماح لايران بشراء الأسلحة بعد 5 سنوات من ابرام الاتفاق؟ وكيف ستعود بلاده للاتفاق النووي من دون تطبيق أهم وأبرز بنوده وهو إلغاء جميع أنواع الحظر ضد ايران؟.
ولكن يمكن فهم هذا التخبط والتناقض، اذا عدنا بالذاكرة للوراء والى أحد المآخذ الرئيسية التي أخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والفريق الحاكم في البيت الأبيض على الاتفاق النووي وهو تغيير البند المتعلق بتمديد فترة منع شراء ايران للأسلحة، ودعا ولا يزال الى ضرورة التفاوض مع ايران بشأن الاتفاق وخاصة هذا البند منه، الأمر الذي رفضته طهران وطالبت بعودة واشنطن الى الاتفاق النووي والغاء كافة اجراءات الحظر كشرط أساسي للتفاوض حول الاتفاق.
الاتفاق النووي ينص على امكانية تفعيل ما يسمى آلية الزناد وعودة الحظر على ايران بشكل آلي وتلقائي عندما تقرر ايران الانسحاب من الاتفاق النووي، بينما تلتزم طهران بكافة بنود الاتفاق النووي واعلنت وتمسكها بالاتفاق، وبالتالي ليس من حق سائر الدول الموقعة عليه والتي تعلن تمسكها به، المطالبة باستخدام الآلية فما بالك بالولايات المتحدة التي انسحبت منه بشكل علني في الثامن من مايو/ أيار 2018؟
ولو غضينا الطرف عن انسحاب اميركا من الاتفاق النووي، فان الحظر الذي فرضته واشنطن على ايران وهددت جميع الدول بفرض العقوبات اذا تجاهلت وتجاوزت هذا الحظر؛ فهذا التهديد بحد ذاته ينتهك اتفاقيات ومعاهدات التجارة الدولية بل وينتهك بالذات قرار مجلس الأمن الدولي الذي دعا الى الغاء كافة أنواع الحظر ضد ايران بعد توقيعها على الاتفاق النووي، ولكن القرارات الدولية شيء وما يجري على الواقع شيء آخر، فمعظم الدول تخشى العقوبات الاميركية ولا تطبق قرار مجلس الأمن الدولي.
السؤال المطروح هو، ما دامت معظم الدول لا تتعامل مع ايران خشية العقوبات الأميركية التي تتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي، فلماذا يطالب بومبيو بتمديد منع ايران من شراء الأسلحة؟
لا شك أن هناك دولا لا تلتزم بالحظر الذي تفرضه واشنطن ضد ايران وفي مقدمة هذه الدول هي روسيا والصين، ومع انتهاء الفترة المحددة لمنع ايران من شراء الأسلحة في أكتوبر 2020، فلن يبقى هناك مبرر لامتناعها عن بيع أسلحة ومعدات وتقنيات عسكرية ودفاعية الى ايران.
غير أن الذي يثير السخرية هو التبرير والذريعة التي تسوقها واشنطن لمنع ايران من شراء الأسلحة في إطار نجاحها في إطلاق أول قمر صناعي الى الفضاء للاغراض العسكرية، وهي التهمة التي طالما روجتها ضد طهران بزعزعة أمن واستقرار المنطقة، ولكن يا ترى هل ايران هي التي تزعزع امن واستقرار المنطقة ام اميركا وحلفاؤها يقومون بذلك؟
يا ترى من الذي احتل العراق وأسقط نظامه (بغض النظر عن طبيعة ذلك النظام) وجعله مضطربا وغير مستقر منذ ذلك الوقت والى هذا اليوم، هل ايران ام الولايات المتحدة وحلفائها، ويا ترى من الذي احتل أفغانستان وأسقط حكم طالبان (بغض النظر عن ممارسات طالبان) ولم تذق أفغانستان الاستقرار والسلام منذ ذلك الوقت والى هذا اليوم، هل ايران أم الولايات المتحدة وحلفاؤها، يا ترى من الذي شن الحرب على ليبيا وأسقط نظامها (بغض النظر عن حكم القذافي) ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تعاني ليبيا من عدم الاستقرار، هل الولايات المتحدة وحلفاؤها أم ايران، يا ترى من الذي أوجد الجماعات الارهابية في سوريا وقدم لها أنواع الدعم لتدمر هذا البلد وتعيث الفساد فيه، هل الولايات وحلفاؤها أم ايران، يا ترى من الذي يدمر اليمن ويقتل ويشرد أبناءه، أليست السعودية الحليف الأبرز للولايات المتحدة وبأشراف مباشر منها؟
الى جانب كل ذلك فان تحركات وزير الخارجية الاميركي لن تكون مجدية، فلو افترضنا أن مجلس الأمن الدولي وافق على طلب بومبيو فيتعين عليه اصدار قرار ضد نفسه، فاذا كان المجلس هو الذي صادق على الاتفاق النووي، أي أنه هو الذي سيلغي حظر بيع الاسلحة لايران فكيف سيصدر قرارا ضد نفسه ويمنع بيع الأسلحة لها؟
غير ان المساعي التي يبذلها بومبيو في هذا الاطار وكذلك تحرش السفن الاميركية في الخليج الفارسي بالزوارق الايرانية يشم منها رائحة اثارة الملف الايراني من جديد من أجل توظيفه للانتخابات الرئاسية الاميركية خاصة اذا عرفنا ان الحظر والقيود المفروضة على بيع الأسلحة لايران ينتهي في الشهر الذي تجرى فيه الانتخابات الاميركية، وليس من المستبعد أن يكون ترامب قد قرر بالفعل العودة للاتفاق النووي ولكن لكي يحفظ ماء وجهه، يقول إن لديه خطة "جهنمية" ضد ايران.
*صالح القزويني