ما حدث للمواطن السعودي عبد الرحيم الحويطي جرى أمام مرأى ومسمع العالم برمته، وشاهد الملايين تسجيلاته، التي أعلن فيها أن السلطات السعودية تريد اخراجه من منزله بالقوة وترحيله من منطقته بشكل قسري، ليقوم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتشييد المراقص والمسابح وصالات القمار وفنادق العهر والمجون محلها.
لقد كان الحويطي واضحا وشفافا في مطالبه، وقد اعلن رفضه التام للتنازل عنها مهما كلف الأمر، ولو كانت لدى السلطات الحاكمة ذرة من الحكمة في التعامل مع مثل هكذا حالات لما كانت قد حدثت ولما انتهت بشكل مأساوي، فقد كان بالامكان التفاوض مع الحويطي وتحقيق مطالبه بدلا من معالجة القضية بالخيار العسكري والأمني، خاصة وأنه لم يطلب شيئا يستحيل تحقيقه، بل كان يمكن تأجيل الموضوع حتى تهدأ الأمور ثم ينظر في موضوعه.
ولكن عندما يكون الحل الوحيد هو السيف والقوة، ويخلو البلد من الرقيب والحسيب الداخلي والخارجي، فان وقوع مثل هذه الكوارث والمآسي الانسانية سيكون أمرا طبيعيا، وينتهي بالدراما التي اعتادت على انهائها السلطات الحاكمة في عشرات القضايا المشابهة وفي مقدمتها قضيتا الشيخ الشهيد آية الله نمر باقر النمر والصحفي المغدور جمال خاشقجي.
الشهيد المجاهد آية الله نمر باقر النمر لم يحمل السلاح ولم يؤسس حزبا ولم يطالب بإسقاط نظام الحكم، ولم يسيّر التظاهرات، وما ينظم الاعتصامات، ولم يدعو الى الاضراب، وغاية ما فعله انه انتقد في خطبه الظلم الذي تمارسه السلطات الحاكمة في السعودية ضد أبناء شعبه، ولو كان العالم قد اهتز لقتله وتصفيته وحاسب وعاقب السلطات الحاكمة على هذه الجريمة البشعة، لما كان النظام الحاكم قد تجرأ وارتكب جريمتي قتل الصحافي جمال خاشقجي وعبد الرحيم الحويطي، ولما تجرأ وارتكب الجرائم تلو الجرائم ضد الشعب اليمني، يا ترى ما هي الجريمة التي اقترفها اليمنيون ضد السعودية لتقتل منهم عشرات الآلاف وتدمر مئات المنازل والمنشآت المدنية ومشاريع البنى التحتية وتشرد وتجوع الملايين، ورغم كل ذلك لا يرف لها جفن؟
ما تفعله السلطات السعودية الحاكمة في منطقة تبوك وتخيير الاهالي فيها بين مغادرة منازلهم ومناطقهم وبين الاعتقال والتعذيب والقتل، هو غيض من فيض مما فعلته وتفعله في أهالي المنطقة الشرقية الذين لا يطالبون بشيء سوى الحرية في ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم، وان تتساوى معاملتهم مع معاملة سائر المواطنين السعوديين دون تمييز، ولكن اذا كانت أعلى سلطة في البلاد تستخف بمعتقداتهم فما بالك بالصغار؟
ابن سلمان استهزأ واستخف في أول مقابلة له مع قناة ام بي سي بعد توليه منصب ولاية العهد بقضية الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، رغم علمه بأن المسلمين جميعا ومنهم مئات الملايين من من اتباع اهل بيت النبي عليهم السلام في العالم وان ما لا يقل عن 3 ملايين من أبناء شعبه في المنطقة الشرقية يؤمنون بهذه القضية، فاذا كان الرجل الثاني في البلاد يسخر علنا بعقائد نحو 20 بالمئة من أبناء شعبه فما بالك بالذي يفعله في الخفاء ضدهم؟
العالم كله يعلم بتفاصيل الجرائم التي تقدم عليها السلطات السعودية ضد الشعب وضد المنطقة وضد العالم ومع ذلك يلتزم الصمت تجاه هذه الجرائم، يكفي أن نراجع الحورات التي جرت بين البرلمان الأوروبي وبين وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير والتي بثتها وسائل الاعلام بشكل مباشر، لنرى أن الأوروبيين يعرفون بكل الجرائم التي تقترفها السلطات الحاكمة في الرياض ليس ضد الشعب السعودي والمنطقة وحسب، بل ضدهم أيضا ومع ذلك لا يحركون ساكنا.
في هذه الاجتماعات والحوارات التي جرت في العامين الماضيين يستنكر أعضاء البرلمان الأوروبي الدعم الذي تقدمه السعودية للجماعات الارهابية في العالم، وينددون بالدعم المعنوي والمالي الذي تقدمه السلطات السعودية للمتطرفين والتكفيريين الذين ينتشرون في كافة البلدان الأوروبية وينشطون فيها، ويحرضون على العنف وسفك الدماء واثارة الفوضى، ومع ذلك فلا نرى أي اجراءات عملية تجاه ما تقوم به السعودية.
ولماذا نذهب بعيدا والى أوروبا، أليس الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن بكل صراحة ووقاحة بأنه محتاج للأموال التي يغدقها ابن سلمان عليه ويلجمه بها ويكمم فاهه بها، ألم يعترض أعضاء في الكونغرس الأميركي على العلاقة الوطيدة بينه وبين ابن سلمان واحتجاجهم على رفضه توجيه الانتقادات للسلطات السعودية لاقترافها جريمة خاشقجي؟ ومع كل ذلك فان ترامب أعلن بكل صلافة بأنه لا يريد التضحية بالمكاسب التي يحصل عليها من السعودية من أجل قضية خاشقجي.
هذا هو العالم الذي نعيش فيه، لا قيمة فيه للانسان ولا حقوقه، القيمة الوحيدة هي للمال وللمصالح، واذا سمعتم أن الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية تدافع عن حقوق الانسان في دولة ما فانها تريد تحقيق أهداف سياسية ليس الا.
بقلم... صالح القزويني