فقد كان نظام البعث يمارس التصفيات الجسدية مع معارضيه دون مراعاة لأبسط القوانين والأعراف الدولية، حيث كان يلاحقهم حتى خارج الحدود منتهكاً كل الاعراف الدبلوماسية، وكان الغالبية العظمى من دبلوماسيي هذا النظام المنتشرين في العالم هم من رجال الامن والمخابرات الموالين للنظام بل لرأس السلطة المتمثلة بصدام.
ومطلع أكتوبر/ تشرين أول الجاري أستيقضنا لنسمع في وسائل الاعلام خبر أختطاف الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، والحادث بحد ذاته ليس مفاجئة، لأن حوادث الاختطاف في البلدان التي تفتقر الى الامن والاستقرار كثيرة ومتكررة، ولكن الأمر المثير للتعجب ويستحق الاهتمام أن جريمة الاختطاف مارستها دولة تدعي إلتزامها بالقيم والمبادئ الاسلامية وتطمح لقيادة العالم الاسلامي.
كما أن ما يثير الغرابة ان النظام جند سلكه الدبلوماسي لتنفيذ هذه الجريمة وضح النهار في بلد يتمتع بدرجة عالية من الامن والاستقرار.
ولنخرج من لغة الألغاز الى الصراحة وتسمية الاشياء بمسمياتها فإن الجريمة التي نفذت في ۲ أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري كان أبطالها حسب التسلسل على مقياس درجة المسؤولية في الحكم تبدء بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ثم القنصل العام السعودي في أسطنبول محمد العتيبي، ثم فريق يـتألف من ۱٥ مسؤول في المخابرات السعودية.
وكل هذه الطاقات كانت مجندة لإختطاف الضحية التي لا تملك أي سلاح سوى القلم ألا وهو الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي.
وبالمناسبة نحن لا ندافع عن خاشقجي على أساس أنه المناضل في طريق الحرية فالرجل بالأمس القريب وهو يعمل في خدمة البلاط السعودي، كما أن من الجدير بالذكر أنه لم يكن على درجة كبيرة من الخلاف مع السلطة الحاكمة في السعودية بل مجرد خلاف في بعض المواقف التي أتخذها النظام السعودي على مستوى السياسة الخارجية أو على مستوى الممارسات الداخلية ضدَّ أبناء الشعب في نجد والحجاز.
ولكن موقفنا من هذه القضية تحتمه علينا المبادئ والقيم الإسلامية التي نؤمن بها فليس من الشيم الاسلامية أن تشمت حتى بعدوك أو تظلم حتى من ظلمك، فالجريمة التي مارسها النظام السعودي خالفت جميع الاعراف والمبادئ الإسلامية أولاً وخالفت القوانين الدولية ثانيا، ومثلت تحدي سافر لكرامة الانسان ثالثا.
كما أن النظام الحاكم في السعودية نظام يمارس الارهاب في العلن وأمام الكاميرات، وبالمقابل هناك مواقف دولية متخاذلة ومؤسفة جداً تجاه انتهاكات حقوق الانسان التي تمارسها المملكة العربية السعودية في جميع بقاع العالم من خلال ممارسة الارهاب بصورة مباشرة من خلال أدواتها المعروفة أو تجنيدها الارهابيين لذلك.
هذا السكوت والتغطية الدولية على الإرهاب السعودي جعل من هذا النظام يتمادى في الجريمة حتى وصلت الى داخل الولايات المتحدة، وحادث ۱۱ سبتمبر/ ايلول الذي استهدف برجي التجارة في نيويورك مازال في الذاكرة.
والسبب وراء هذا السكوت معروف ألا وهي البترودولار الذي يضخه البلاط الملكي في السعودية الى جيوب المسؤولين الدوليين وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب الذي يتباهى بهذا الامر في أغلب مؤتمراته الصحفية.
ومن هنا وطبقا لهذه الرؤية يأتي دفاعنا في قضية أختطاف الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، ونرى ان الموقف الصائب منها هو الوقوف الى جانب مظلومية إنسان أنتهكت حقوقه بأبشع صورة.
فالقضية بحد ذاتها سابقة خطيرة في مجال مخالفة المبادئ الاسلامية التي يزعم النظام السعودي تبنيها وإنتهاك لحقوق الانسان ولوائح الامم المتحدة وجميع الاعراف الدبلوماسية، والتي تستحق من الجميع الوقوف بوجهها لاسيما زملائنا من الإعلاميين الأحرار.
جابر كرعاوي