فمن الذي يفضل أبناء شعب آخر على أبناء شعبه، خاصة وأن أمريكا هي أكثر المتضررين من الفيروس المستجد الذي بدأ ينهش جسم الولايات واحدة تلو الأخرة ليقترب عدد المصابين من نصف مليون أمريكي، ويرافق ذلك نقص حاد بالمعدات الأساسية للوقاية من الفيروس مثل "الكمامات، وباقي المعدات الطبية"، ورغم ذلك انطلقت واشنطن بكل ثقلها لتأمين مليون كمامة للجنود الاسرائيليين من الصين وتمكنت من ايصال الحمولة للصهاينة يوم امس عبر مطار "بن غوريون".
في التفاصيل؛ وصلت إلى تل أبيب شحنة طبية من الصين كانت الحكومة الإسرائيلية قد اشترتها الأسبوع الماضي. وأفاد الموقع الإلكتروني العبري "مفزاك لايف"، مساء يوم الثلاثاء الماضي، بأن وزارة الدفاع الأمريكية اشترت شحنة طبية لمصلحة نظيرتها الإسرائيلية من الصين، وبأن مطار بن غوريون قد وصلته تلك الشحنة في نفس اليوم.
وذكر الموقع أن الشحنة الطبية تضم نحو مليون "كمامة طبية" ستخصص لمصلحة الجنود والضباط في الجيش الإسرائيلي، وبأن من توسط في شراء هذه الشحنة هي أمريكا.
ونقل الموقع الإلكتروني العبري على لسان ليمور كولينشفسكي، رئيس قسم المشتريات في بعثة نيويورك الأمريكية، أنه يعمل على كثير من موردي المعدات والأجهزة والمواد الطبية والصحية حول العالم، وبأنه نجح في إرسال كمامات طبية وأقنعة ومواد طبية مختلفة إلى إسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن هذه الأقنعة والمواد الطبية مخصصة فحسب لمصلحة الجنود والضباط في الجيش الإسرائيلي.
أمريكا والقرصنة
المفارقة الغريبة تكمن في أن أمريكا قرصنت عدة شحنات محملة بالمعدات الطبية كانت تتجه نحو المانيا وفرنسا، وذلك في ظل تفشي وباء كورونا على اراضيها، لكنها لم تفعل الامر ذاته عندما كانت الشحنة تتجه نحو الاراضي المحتلة بل على العكس هي من عمل ليل نهار لتأمين هذه الشحنة من "الصين" كرمة لعيني الصهاينة.
أمريكا كعادتها حتى في الازمات تبرز انانيتها ونرجسيتها تجاه العالم حتى لو كان المستهدفين حلفاءها في الاتحاد الاوروبي، والبداية كانت باشعال حرب للمعدات الطبية مع فرنسا، في خطوة قد يتم وصفها بأنها تندرج ضمن "حرب الكمامات"، حيث كشف مسؤول فرنسي أن مسؤولين أمريكيين توجهوا إلى الصين في طائرة خاصة وأقنعوا الصين بتحويل وجهة كمامات كانت قد اشترتها فرنسا ودفعت ثمنها مسبقاً، لينتهي بها المطاف على الأراضي الأمريكية بدل نظيرتها الفرنسية.
وأكد رينو ميزيلي، الرئيس الجهوي لمنطقة "آلب كوت دا زور" الفرنسية، أن منطقته كانت فعلا قد تقدمت بطلبية الى الصين لشراء 60 مليون كمامة طبية، وقامت بدفع ثمنها مسبقا، غير أنه وبينما كان يتم شحن الكمامات من مطار صيني، حطت طائرة خاصة على متنها مسؤولون أمريكيون في المطار، وقدموا للصينيين عرضاً لشراء هذه الكمامات، المتجهة إلى فرنسا، بثمن يساوي ثلاثة أضعاف الثمن الذي دفعه الفرنسيون ويتم دفعه نقداً (كاش) في المطار. فوافق الصينيون، ليحمل الأمريكيون الشحنة الفرنسية ويتجهوا بها الى بلدهم الذي بات البؤرة الأولى لفيروس كورونا المستجد من حيث عدد الإصابات به.
وتابع المسؤول الفرنسي: "لدينا مشكلة… الصينيون في أزمة ونحن ندفع بالتقسيط… والأمريكيون يدفعون المبلغ كاملاً ونقداً".
وكان وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران، قد أعلن نهاية الأسبوع الماضي أن فرنسا قد طلبت من الصين "أكثر من مليار" كمامة لشرائها من أجل مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد. وأوضح أنه ستتم إقامة جسر جوي وثيق ومكثف بين البلدين بشكل يسهل دخول الكمامات إلى الأراضي الفرنسية، مشيراً إلى بلاده بحاجة إلى 40 مليون كمامة أسبوعيا.
قرصنة شحنة كانت تتجه نحو ألمانيا
اتهمت أمريكا باعتراض مسار شحنة تحمل 200 ألف كمامة، كانت متجهة إلى ألمانيا، وتحويلها لاستخدامها الخاص، في خطوة أدينت بوصفها "قرصنة حديثة".
وقالت حكومة محليّة لولاية ألمانية إنّ شحنة كمامات مصنّعة في أمريكا، صُودرت في بانكوك. وأضافت إنّ شحنة كمامات الوقاية من طراز FFP2، كانت بالأساس لمصلحة شرطة برلين، لكنّها لم تصل إلى وجهتها المرجوّة.
ورجّح وزير داخلية ولاية برلين، أندرياس جيزل، أن تكون الكمامات قد تحوّلت إلى أمريكا.
وكانت الشركة المصنّعة للكمامات وأقنعة الوقاية "3 أم"، وهي شركة أمريكية، قد مُنعت من تصدير منتجاتها الطبية إلى دول أخرى بموجب قانون يعود إلى حقبة الحرب الكورية، استحضره الرئيس دونالد ترامب.
وقال ترامب الجمعة إنّه سيلجأ إلى تفعيل "قانون الإنتاج الدفاعي" لعام 1950، ليحثّ الشركات الأمريكية على إنتاج المزيد من اللوازم الطبيّة لتلبية الطلب المحلّي.
وقال إن السلطات الأمريكية احتجزت ما يقارب 200 ألف قناع تنفس من طراز N95، و130 ألف كمامة جراحية و600 ألف قفاز، من دون أن يحدّد مكان مصادرتها.
وقال جيزل إن تحويل مسار شحنة الكمامات بعيداً عن مسارها إلى برلين يرقى إلى "فعل قرصنة حديثة"، وحثّ إدارة ترامب على الالتزام بقواعد التجارة الدولية.
وقال الوزير مخاطباً الرئيس الأمريكي "هذه ليست طريقة للتعامل مع شركائك عبر الأطلسي. حتى في أوقات الأزمات العالمية، لا يجب أن تلجأ إلى أساليب الغرب الأمريكي المتوحّش".
وتتوافق تصاريح جيزل مع ما عبّر عنه مسؤولون أوروبيون آخرون، اشتكوا من ممارسات أمريكا في شراء اللوازم واعتراض مسارها.
في الختام.. يبدو أن أزمة وباء كورونا لن تحدث فقط تغييراً جذرياً في الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية للعالم، بل إنها تفسد ود العلاقات بين القوى العالمية الكبرى، ولا نستبعد اشتعال حرب عالمية بعد انتهاء "ازمة كورونا" غايتها تحديد من سيحكم العالم بعد هذا التحول الخطير في مسار الاقتصاد العالمي.
المصدر: الوقت