لا ملجأ من الله إلا إليه بعد أن ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا فنسأله سبحانه بحق محمد وآل محمد أن يكشف الغمة عن هذه الأمة.
مما يؤسف له أن إعلامنا المحسوب على محور المقاومة تهربا من إظهار أي ولاء لأهل بيت النبوة يشارك في مهرجان البلاهة العالمي من خلال طرح التساؤل عن بديل الخضوع والخنوع للدجال الأمريكي وكأن الخيارات مفتوحة بين أصنام الوهم الليبرالية أو الماركسية أيهما أهدى سبيلا وكأننا لا نعرفه!!.
هل علينا أن نخترع نظرية سياسية جديدة للإجابة على هذا السؤال أو الاختيار ضمن (مينو النظريات) الموجودة أم أنه من المتعين علينا العودة إلى ذاتنا الحضارية حيث لا بديل سوى التشبث ببقية الله وباب الله الذي منه يؤتى!!.
لا بديل عن دولة العدل الإلهي التي تأسست نظريا وعمليا منذ بعثة نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله و(لا ملجأ من الله إلا إليه) فهو صلى الله عليه وآله هو من دعانا لهذا الاختيار.
دولة العدل الإلهي الذي يبدأ من قمة الهرم وكما وصفها أمير المؤمنين علي عليه السلام (أَلَا وَفِي غَدٍ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وَتُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ).
العدالة والمحاسبة بحق الكبير قبل الصغير فالله سبحانه هو الذي لا يسئل عما يفعل وكل من عداه يسألون ويحاسبون.
دولة العدل الإلهي التي ترفض أن يكون هناك جياع محرومون وبجوارهم أثرياء متخمون.
دعك إذا من البحث عن مزيد من النظريات فالحل موجود ومتاح لأن (اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ واللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ).
أما على المستوى السياسي فالخضوع للإمبريالي الأوروبي ثم الأمريكي لم يكن خيارا بل حتما فرضه سقوط الإطار الإمبريالي العثماني الشكلي في أعقاب الحرب العالمية الأولى تاركا فراغا تولى الإنجليز والفرنسيون ملأه وإدارته عبر ما يعرف باتفاق سايكس بيكو.
منذ إسقاط الإمبراطورية الفاطمية والعالم الإسلامي يعاني من فراغ القوة والحضارة، حيث لم تتمكن أي من الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية من ملأه بصورة كاملة.
ما احتاجه ويحتاجه العالم الإسلامي ليس مجرد قوة حاكمة غاشمة بل بديل يجمع بين القوة والحضارة وهو ما فشل السلاجقة في تحقيقه ولذا وفي اللحظة التي قرر فيها الغرب اجتياح هذا العالم والهيمنة عليه لم يكن لهم دافع ولا مانع.
الآن ومع مأساة كورونا بدا واضحا أن الغرب يعاني من أزمة أخلاق وحضارة وإن بلغ ما بلغ من تقدم علمي لا تفي باحتياجات العالم في عصر العولمة والمساحات المفتوحة بين الدول وسرعة وسهولة تنقل البشر والأمراض!.
لسنا من الداعين على أحد بالهلاك شرقا أو غربا (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)، إلا أننا من دعاة التأمل والاعتبار.
القضية لا تتعلق بالطريقة التي تعيش بها أمريكا أو الغرب فهم أحرار في ذلك ولكن بالطريقة التي يدير بها هؤلاء علاقتهم مع العالم ونحن منه.
لا تتعامل الولايات المتحدة مع من يدور في فلكها من منطق الندية بل من منطق الغطرسة الاستكبارية وفرض السيطرة وإملاء الشروط فهذا يحق لك وهذا ليس من حقك وهذا النظام يجري غض الطرف عنه وعن جرائمه لأنه تابع يؤمر فيطيع وهذا ليس كذلك فتقوم الدنيا عليه وتفرض عليه العقوبات ويحرم حتى من حق شراء الدواء كما هو الحال مع إيران.
لطالما التزمت الحكومات العربية بمسايرة الأمريكي في إملاءاته ورضيت بفتاته وأسهمت بقسط وافر في حروبه إلا أنها في نهاية الأمر لم تحقق نهضة ولا تنمية مستدامة ولا لحقت بما يسمى ركب الحضارة .... فلا مصر استقرت على حال ولا السودان دام!!!.
الأزمة التي يعاني منها العالم الإسلامي الآن لا ترتبط بطبيعة خياراته السياسية والاقتصادية الداخلية بل بعدم امتلاكه من الأساس القدرة أو الرغبة في الذهاب نحو خيار مستقل بعيدا عن ارتباطه بالقوى الغربية الكبرى.
دولة العدل الإلهي وأزمة النظام العالمي
وكأننا كنا نحارب طواحين الهواء في سوريا لمدة عشرة أعوام!!.
لا يبدو الأمريكي الذي شن غارته على عالمنا منذ أكثر من عشرين عاما بدءا بغزو العراق ثم الحرب على لبنان وسوريا واليمن في أفضل أحواله ولا في أوج قوته!!.
صحيح أنه يرفض التسليم والاعتراف بالهزيمة إلا أنه لم يعد قادرا على أن يقول للشيء كن فيكون.
عندما نقول سقط الغرب فلا يعني هذا أنه تحول إلى خرائب وأطلال وقد حدث هذا من قبل بل تهاوت قدرته على فرض أنموذجه بالحديد والنار.
حتى النموذج الاشتراكي في ثوبه السوفييتي فقد انهار عام 1991 وما نراه الآن في الصين ليس اشتراكية بل خليط بين الأشياء.
التقلب بين الخيارات المتاحة في الساحة والمنبثقة من الفكر الغربي أصبح عبثا وتضييعا للوقت ولم يعد ثمة خيار سوى الخيار المهدوي كونه يجمع بين أطروحة الاستقلال السياسي والاعتماد على ثروة الأمة ومواردها الذاتية سواء تلك البشرية أو الطبيعية.
المهدي المنتظر هو الحل.
دكتور أحمد راسم النفيس