قلنا سابقاً ان كل الذين حكموا الولايات المتحدة بالاضافة الى جيوشهم، لا يكنون اي احترام للقيم الاخلاقية بدءاً من ابادة الهنود الحمر الذين هم السكان الاصليون وليس انتهاءاً باحتلالهم لافغانستان والعراق والجرائم الغير اخلاقية التي قاموا ولازالوا يقومون بها ضد المدنيين واخرها التقارير الصادرة عن المنظمات المعنية بحقوق الانسان حول ما امرت به القيادة الامريكية ونفذه الجنود الامريكان بحق المدنيين في العراق وسوريا والرقة على وجه التحديد.
لكن الفرق مابين ترامب ومن سبقوه، هو ان هذا الرجل رفع اللثام عن الوجه الحقيقي لما يفكر فيه اولئك الحكام حيال الاخرين واخرجه الى العلن، وهذا ما سحب البساط من تحت كل من خدع شعبه بان الامريكيين اصدقاء لهم ولم يتبق لهم الان سوى الكذب المفضوح اوتحمل الذلة المهينه او العار المستدام وهذا هو حال النظام السعودي اليوم بالضبط.
وحين وصف ترامب السعودية بالبقرة الحلوب ليس لانه وقح على خلاف اقرانه من الرؤساء السابقين، بل لانه يعرف بالضبط القيمة التي يكنه هؤلاء السادة في الرياض وانهم وصلوا في تآمرهم على الحكومات والشعوب العربية والاسلامية الى الحضيض وليس هنالك من طريق للعودة وهم هدموا كل الجسور حتى مع البعض من اقرانهم (العرب، السنة، الخليجيين) مثل قطر.
اذاً ليس هنالك من خط للعودة الى الوراء ولم يتبق امام النظام السعودي سوى الهرولة خلف الاملاءات الامريكية، عسى ان يحكموا اسبوعين اخرين تحت المظلة الامريكية كما قال ترامب. وهذا بنفسه دليل على ان النظام بات فاقداً لعمقه الشعبي بين القبائل التي تقطن ارض الحجاز واصبحت حتى هذه القبائل تشكل خطراً عليه.
لكن الى متى يمكن لهذه البقرة ان تكون مفيدة لامريكا؟ ومتى تصدر الاوامر بذبح ثور البقرة وتبديله باخر؟ لان هذا بدى مطروحاً بعد قتل وتقطيع اوصال الاعلامي جمال قاشقجي لمجرد انتقاده للنظام في السعودية، لان ترامب قالها في العلن انه لاينوي معاقبة الشعب الامريكي بمنع مئة وعشرة مليارات من المال السعودي عنه، لكن هنالك طرق اخرى لمعاقبتها.
لاننسى هنا ان بن سلمان لم يقدم لامريكا واسرائيل اكثر مما قدمه شاه ايران وحين عجز عن التقديم بفعل الثورة، لم تعطه امريكا حتى تأشيرة دخول الولايات المتحدة للعلاج الصحي ولماذا؟ لان زعماء الولايات المتحدة لايؤمنون بالقيم الاخلاقية ابداً، ناهيك على انهم يعتبروننا متخلفين وانهم يمثلون العالم المتحضر، فما بالنا اذا علمنا ان ترامب من اصول المانية تجذرت فيه العقيدة النازية اكثر من هتلر، الى درجة لم يرحم حتى المكسيكيين الذين هم اصحاب الارض الاصليين في امريكا.
ربما لانبالغ لو قلنا ان امريكا راضية جداً من اتهام تركيا لمحمد بن سلمان مباشرة ( وهو واقع) باصداره امر قتل وتقطيع جثة جمال قاشقجي داخل القنصلية، خاصة بعد اطلاق الاتراك سراح القس الامريكي اندرو برونسون. فهذا سيخدم الاتراك والامريكيين على حد سواء.
اطلاق سراح القس خطوة تركية لتحسين الاجواء مع ترامب ودعمه امام مؤيديه في الداخل مقابل ما يعانيه من مشاكل امام القضاء الامريكي، على امل تخفيف الضغوط الامريكية على الاقتصاد التركي وهذا يخدم اردوغان امام مؤيدي حزبه في الداخل التركي واما اسقاط محمد سلمان فسيشفي غليل اردوغان من النظام السعودي الذي كان خلف ما حصل لمرسي في مصر وكذلك دعم النظام السعودي للانقلاب الذي حصل ضد اردوغان ويقوي موقعه بشكل جيد في زعامة العالم السني في المنطقة فمهما كان الاتراك، فان افكارهم الاخوانية معتدلة اكثر من الوهابية السعودية.
اما الجانب الاساسي في هذا الامر هو ان محمد بن سلمان قد فقد صلاحيته التاريخية بالنسبة للادارة الامريكية فهو قدم المليارات التي عليه وقام بما يظنه هو انها اصلاحات ( قيادة المرأة للسيارة وغيرها من الامور السطحية) وافرغ مخازن السلاح السعودية في اعلان حربه الاجرامية والخاسرة على الشعب اليمني، وضمن بذلك استمرار تدفق المال السعودي لشراء الاسلحة من امريكا وانعاش اقتصادها على حساب تدمير المنطقة.
لكن الاهم من كل هذا هو التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني، فمحمد بن سلمان هو اشبه بترامب من هذه الناحية، ذلك لان كل من سبقوه في حكم السعودية كانوا على علاقة وطيدة باسرائيل، لكن خلف الكواليس، اما هذا فقد اعلن على الملأ ما هم عليه آل سعود حيال هذا الكيان.
امريكا تدرك جيداً ان هنالك في الداخل السعودي على المستوى الشعبي استياء من هذا الامر، ليس هذا وحسب بل ان الامراء الذين احتجزهم بن سلمان ليبتزهم، هم ايضا يظنون ان الامريكيين خذلوهم بعدم التدخل ومنع ذلك.
على هذا الاساس يمكن القول ان الادارة الامريكية كان تتحين الفرصة لتدارك هذه الامور قبل ان تنفلت الامور من ايديها، وان خير حجة لامريكا هو تورط محمد بن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي، ليس لان جمال مهم بالنسبة لترامب فهو لم يعلم حتى ان كان جمال مقيماً في امريكا ام متجنساً، ولا لان الادارة الامريكية هي ملاك طاهر تدافع عن الانسانية، فلو كانت امريكا ضد القتل لما سكتت عن المذابح التي يقوم بها ابن سلمان ضد المدنيين العزل في اليمن ولما اكد ترامب على انه لايوافق على حظر الاسلحة للسعودية في حال اثبات تورطها.
شواهد كثيرة تؤكد ان محمد بن سلمان هو اشبه بالسادات حين وقع على اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، لكنه لايجب ان يقتل على يد وطني سعودي، بل يجب تبديله بأمير اخر من العائلة المالكة ايضاً والسؤال المتبقي هو من ذلك الامير الذي يتمتع بالمقبولية لدى الامراء الاخرين، وكم هو مستعد ليقدم لامريكا لتدعمه في هذا الامر.؟
رائد دباب//الباحث في الشؤون السياسية//اذاعة طهران العربية