بذل بن سلمان مساعي حثيثة لمغادرة زعماء الدول التسعة عشرة بلدانهم والانتقال للسعودية، ليحقق بذلك أكبر مكسب سياسي في الظروف التي تشهدها المملكة في الوقت الراهن، ومما لا شك فيه فان بعض الزعماء كانت تحدوهم الرغبة لذلك، ولكن بما أن العالم يشهد وضعا عصيبا للغاية لذلك كانوا محرجين من مغادرة بلدانهم الى السعودية، ولكن وبما أن عقد القمة كانت حاجة بن سلمان الماسة، لذلك عقدها عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
الهدف الرئيسي من اصرار بن سلمان على عقد القمة أن يقول لخصومه المحليين وخصومه في المنطقة انه هو الأقوى، فعلى الرغم من قراراته الطائشة فان قادة العشرين وافقوا على المشاركة في القمة، وليوحي لخصومه أيضا بأنه وعلى الرغم من ادانة دول العالم ومن بينها الدول التسعة عشر في مجموعة العشرين للجريمة البشعة التي ارتكبها ضد الصحافي جمال خاشقجي، فزعماء هذه الدول جاؤوا صاغرين وشاركوا في القمة.
وهنا نتساءل، كيف سمحت هذه الدول لنفسها بتلبية رغبة بن سلمان، في الوقت الذي نددت فيه العشرات من المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان بالمشاركة في قمة العشرين لانتهاك بن سلمان لحقوق الانسان وقتله للصحافي جمال خاشقجي، فكيف يا ترى سمحت هذه الدول لنفسها بالمشاركة، أليست المشاركة تشكل دعما قويا له في المضي قدما في انتهاكاته.
والغريب في كل ذلك هو مشاركة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في القمة، فأنقرة التي كشفت جريمة خاشقجي وظلت على مدى اسابيع تطالب بمعاقبة القتلة وفي مقدمتهم بن سلمان، وكانت تقول دائما، أن الفريق الذي جاء للسفارة السعودية وقام بتقطيع خاشقجي ما كان يمكنه القيام بذلك من دون أوامر عليا، وبالتحديد أوامر من بن سلمان، فيا ترى أين ذهبت المطالب التركية، وهل كان كل ذلك مسرحية من أجل ابتزاز الرياض واحراجها في هذه القضية؟
بن سلمان كان بحاجة للقمة ليغطي على فشله في كل ملف يستلمه، وخاصة الملفين الداخلي والاقليمي، فمن خلال عقد القمة كان يريد أن يقول لخصومه في الداخل وخاصة الامراء في الأسرة الحاكمة بأنه الأقوى، وان زعماء أقوى الدول استجابوا لدعوته، ولبوا طلبه وشاركوا في القمة، وليقول لهم انه قام بانجاز لا يستطيع أحد القيام به في الظروف الحالية التي يشهدها العالم.
أما على الصعيد الاقليمي فان بن سلمان اراد بعقد القمة أن يوجه رسالة لدول المنطقة بأن أقوى الدول تقف الى جانبه، وانه لا يقف أمامه شيء، غير أنه نسي ان كل ذلك جرى في مخيلته ولا أساس له في الواقع وعلى الأرض، بل على العكس تماما فان الامور تجري بالضد لما يحلم به.
فلا قمة العشرين ولا غيرها قادرة على تثبيت الوضع في السعودية وخاصة كسب ود المعارضين من الأسرة الحاكمة الذين يرفضون جملة وتفصيلا توليه لادارة البلاد، هذا فضلا عن سائر المعارضين سواء في المنطقة الشرقية، أو الدعاة ورجال الدين وائمة الجمعة والجماعة الذين يرفضون سياسات الفسق والفجور التي ينتهجها بن سلمان في المملكة.
ربما تستطيع قمة العشرين صناعة امجاد خيالية ووهمية لبن سلمان، ولكن لا تستطيع صناعة امجاد حقيقية على الأرض فلا تزال مشاكل السعودية مع العديد من الاطراف الاقليمية قائمة ولم تستطع القمة حلحلتها فما بالك بحلها، بل على العكس تماما فان الموقف اليمني احرج بن سلمان، كما ان القطيعة والخلاف مع قطر لا يزال قائما، الى جانب الخلاف مع ايران، وكذلك ملف دعم السعودية للارهاب في المنطقة والعالم.
اليوم الجنوب اليمني يرفض سياسات السعودية وخاصة سياسة فرض عبد ربه منصور هادي عليه، فما بالك بوسط وشمال اليمن، فهؤلاء يدهم الطولى في الذي يجري على الساحة اليمنية، خاصة بعد تهم لآرامكو، وتحريرهم للجوف وقريبا مأرب، فقد برهنوا للعدوان أنهم قادرون على ايذاء المعتدين بل وتسديد ضربات موجعة اليهم، فيا ترى أين الامجاد التي صنعتها قمة العشرين لبن سلمان؟