فيما الوضع الاقتصادي يتجه من سيئ إلى أسوأ، ويترنّح النظام الصحّي ـــ السيئ أساساً ـــ أمام أعداد الإصابات المتزايدة، بشكل كبير، والتي بات غير قادر على استيعابها.
رغم ذلك، يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب متلهّفاً لإيقاف الإغلاق الذي فرضه تفشي فيروس «كورونا»، ويريد عودة الحياة الاقتصادية، بأي ثمن وبأسرع وقتٍ ممكن. وهو، في سبيل ذلك، يكرّر فكرة غير مبنية على أساس واضح، وهي أنّ «هذه الأزمة ستنتهي بحلول عيد الفصح، وستكون الكنائس يومها ممتلئة بالأميركيين». ما دفع أنتوني فاوتشي مدير المعهد الوطني للأمراض المُعدية، الى الاعلان عبر شبكة «سي أن أن»، بأنّ الفيروس هو من يفرض الوقت، ولا يمكن لأحد وضع تاريخ معيّن له.
يفاخر ترامب بأنّ بلاده أجرت فحوصات إصابة في ثمانية أيام، أكثر ممّا أجرته كوريا الجنوبية في ثمانية أسابيع (تسقط المقارنة إذا ما قيست الى نسبة عدد السكان في البلدين)، ويصرّ على أنّ جهود بلاده أكبر من إجراءات أي دولة في هذا العالم. إلا أنّ ما يحصل على أرض الواقع يناقض ذلك.
أما الإنجاز الوحيد الذي ربما حققه، حتى الآن، فيتمثل في إقرار مجلس الشيوخ، بأغلبية ساحقة، خطة «تاريخية» بقيمة ألفي مليار دولار لدعم أكبر اقتصاد في العالم لمواجهة التداعيات الكارثية للوباء الذي حصد، إلى الآن، حياة أكثر من ألف شخص في الولايات المتحدة. الخطة المدعومة من الرئيس، هي ثمرة مفاوضات شاقة بين مجلس الشيوخ والبيت الأبيض، ولا تزال بحاجة لإقرارها في مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، في جلسة تصويت مقرّرة اليوم، قبل أن يحيلها الكونغرس إلى ترامب ليوقّع عليها.
إلّا أنّ كل هذه الجهود لن تعيد اقتصاد البلاد إلى سابق عهده، وربما أبرز دليل على ذلك، إعلان وزارة العمل تقدّم 3,3 مليون شخص بأول طلبات تعويضات البطالة المسجّلة، للأسبوع الممتد بين 15 و21 آذار، وبارتفاع بثلاثة ملايين طلب عن الأسبوع السابق الذي سجّل نحو 282 ألف طلب جديد. ويعدّ هذا الرقم غير مسبوق في الولايات المتحدة، الأمر الذي حدا بجيمس بولارد رئيس المصرف المركزي في سانت لويس، أن يصرح في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ» بأنّ معدّل البطالة قد يرتفع إلى ثلاثين في المئة في الأشهر المقبلة. كذلك، تتوقع مجموعة «موديز» المصرفية انكماشاً نسبته 3,8 في المئة في الولايات المتحدة، في عام 2020، بينما يرى «دويتشه بانك» أنه أسوأ انكماش للاقتصاد الأميركي، منذ «الحرب العالمية الثانية على الأقل».
معدّل البطالة قد يرتفع إلى ثلاثين في المئة في الأشهر المقبلة
في هذه الأثناء، تواجه الولايات المتحدة تداعيات من نوع آخر، خصوصاً في ولاية نيويورك، بؤرة انتشار الوباء في البلاد، حيث أعلن حاكم الولاية أندرو كومو، أن المستشفيات لديها ما يكفي من معدات الحماية الشخصية الطبية، للأسبوعين المقبلين فقط، مكرّراً الإعلان عن الحاجة إلى حوالي 30.000 من أجهزة التنفس، ومناشداً الحكومة الفيدرالية الحصول على مزيد من الإمدادات.
وحتى ظهر الأربعاء، كان لدى الولاية 4000 جهاز تنفّس في المستشفيات و4000 أخرى في الطريق من الحكومة الفيدرالية. وقال كومو إن نيويورك اشترت أيضاً 7000 جهاز تنفس و«لا تزال تتسوق». يأتي ذلك فيما ارتفع عدد الوفيات بـ«كوفيد ــــ 19» في الولاية، بشكل كبير خلال الساعات الـ24 الماضية، حيث سُجّلت 100 وفاة إضافية، ما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 385.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أشارت صحيفة «نيويورك بوست»، إلى أنّ النقص في المستلزمات الطبية الوقائية في نيويورك مروّع للغاية، لدرجة أنّ الممرضات في أحد مستشفيات مانهاتن، لجأن بفعل شعورهنّ باليأس، إلى ارتداء أكياس القمامة كبديل عن الألبسة الواقية.
على مستوى آخر، يواجه نظام السجون في المدينة تصاعداً كارثياً في حالات الإصابة بالفيروس، بحسب ما أفادت به «نيويورك بوست»، أيضاً، والتي أشارت إلى أن بعض السجون تواجه معدل إصابة أكثر من 80 مرة من بقية الولايات المتحدة. ونشرت «جمعية المساعدة القانونية»، التي تُعنى بالدفاع عن حقوق السجناء في نيويورك، أرقاماً تشير إلى أن الفيروس ينتشر بسرعة بين نزلاء السجون. وبحسب الجمعية، هناك حوالي 75 حالة إصابة، معظمها في مركز الاحتجاز الرئيسي في المدينة ــــ جزيرة ريكرز.
إلى ذلك، أعلن البنتاغون، أنّه جمّد لمدة شهرين كلّ تنقلات العسكريين الأميركيين حول العالم، بما فيها عمليات إرسال الجنود إلى مناطق القتال، أو إعادتهم إلى وطنهم. وقالت وزارة الدفاع الأميركية، في بيان، إنّ وزير الدفاع مارك إسبر أمر بوقف تنقّلات كلّ موظفي البنتاغون الموجودين في الخارج، من مدنيين وعسكريين، لمدة 60 يوماً، مشيرة إلى أنّ التجميد يشمل أيضاً أفراد أسر هؤلاء الموظفين إذا كانوا يعيشون معهم في الخارج.
ولغاية أمس، أحصت وزارة الدفاع الأميركية 435 إصابة بفيروس «كوفيد ـــ 19» في صفوف موظفيها العسكريين والمدنيين وأفراد أسرهم والمتعاقدين معها. وتوفي متعاقد واحد بسبب الفيروس. كذلك، أعلنت البحرية الأميركية تسجيل ثلاث إصابات على متن حاملة الطائرات «يو إس إس ثيودور روزفلت»، التي تبحر في المحيط الهادئ، في أول عدوى تسجّل على متن سفينة حربية أميركية.
الفيروس سيعود بشكل موسمي
حذر مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية أنتوني فاوتشي خلال المؤتمر الصحافي اليومي لفريق العمل في البيت الأبيض، من ان فيروس كورونا قد يعود في دورات موسمية، مشددا على الحاجة الملحة لإيجاد لقاح وعلاجات فعالة.
كما أفاد أن الفيروس بدأ ينتشر في البلدان الواقعة في النصف الجنوبي للكرة الأرضية حيث يحل فصل الشتاء. وهناك حاليا تجربتان سريريتان في الصين والولايات المتحدة للقاحات قد لا تكون متاحة في السوق قبل سنة أو سنة ونصف سنة. كما يتم البحث في علاجات، أدوية جديدة وأخرى موجودة مثل مضادات الملاريا الكلوروكين وهيدروكسي كلوروكوين.
وألمح فاوتشي إلى أن الطقس البارد مناسب أكثر من الطقس الحار والرطب لـ«كوفيد-19». ويمكن تفسير ذلك بفعل أن القطرات التي يخرجها المرضى من خلال السعال أو العطس تبقى لفترة أطول في الهواء الطلق في البرد، وأن الدفاعات المناعية تضعف في الشتاء. وهناك تفسير آخر محتمل وهو أن الفيروسات تتحلل بشكل أسرع على الأسطح الحارة، إذ تجف الطبقة الدهنية الواقية التي تغلفها بشكل أسرع.