في هذا الصدد، استكشفت مجلة "فورين بوليسي" آراء المفكرين من الطراز العالمي وكتاب العالم، حول العالم ما بعد فيروس كورونا، وكتبت أن وباء فيروس كورونا، مثل سقوط جدار برلين وإفلاس بنك "ليمان براذرز" الأمريكي الكبير، هو حدث واسع النطاق في العالم يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى.
ونقلت المجلة عن العلماء قولهم، بما أن المرض الذي أودى بحياة الناس وعطل الأسواق واختبر كفاءة الحكومات، سيؤدي إلى تغيير دائم للسلطة السياسية والاقتصادية في العالم.
تعزيز القومية
يقول "ستيفن والت" الخبير السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة: إن تفشي وباء كورونا سيمكّن الحكومات ويعزز القومية. ستتخذ الحكومات بجميع أنواعها إجراءات فورية لإدارة هذه الأزمة. وسيزيد فيروس "كوفيد 19" أيضًا من دوران السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق.
لقد قدمت كوريا الجنوبية وسنغافورة أفضل استجابة لتفشي الكورونا، وقد استجابت الصين بشكل جيد بعد الأخطاء الأولية، لكن الاستجابة في أوروبا وأمريكا كانت بطيئةً وانتقائيةً، وقد أضرت بحالة "العلامة التجارية" الغربية.
ما لا يتغير هو الطبيعة المتناقضة جذريًا للسياسة العالمية. لقد فشلت الكوارث السابقة، بما في ذلك وباء الإنفلونزا في عامي 1918 و1919، في إنهاء منافسة القوى العظمى في العالم، لتكون بداية حقبة جديدة من التعاون العالمي، و"كوفيد 19" سيفشل أيضاً.
في هذه الفترة، سنشهد تراجعًا للعولمة أكثر من المعتاد، حيث يتوقع المواطنون الحماية من الحكومات الوطنية، وتسعى البلدان والشركات إلى الحد من الأضرار في المستقبل.
باختصار، سيخلق كوفيد 19 عالماً أقل ازدهارًا وحريةً وانفتاحًا. لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، ولكن تركيبة الفيروس القاتل والتخطيط غير الملائم والقادة غير الكفوئين وضعت الإنسانية على مسار جديد ومقلق.
نهاية العولمة
يقول "روبين نيبليت" مدير معهد "تشاتام هاوس" للدراسات: إن وباء فيروس كورونا يمكن أن يكسر ظهر العولمة الاقتصادية. لقد خلق النمو الاقتصادي الصيني وقوتها العسكرية بالفعل عزمًا لدي الحزبين في الولايات المتحدة، لفصل الصين عن التكنولوجيا المتقدمة والملكية الفكرية الناشئة في الولايات المتحدة، وإرغام الحلفاء على اتباع هذا الاتجاه.
وفي ظل هذه الظروف، من غير المرجح أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة لجميع الأطراف، والتي حددت ظروف أوائل القرن الـ21. أيضاً، في غياب الحافز لحماية الإنجازات المشتركة الناتجة عن التكامل الاقتصادي العالمي، فإن هندسة السيادة الاقتصادية العالمية، التي تأسست في القرن العشرين، تختفي بسرعة.
وفي هذه الحالة، يحتاج القادة السياسيون إلى ضبط النفس من أجل مواصلة التعاون الدولي وعدم العودة إلى المنافسة الجيوسياسية المفتوحة. القادة الذين يمكنهم توفير بعض رأس المال السياسي لأنفسهم، من خلال إثبات قدرتهم الإدارية في أزمة كورونا للمواطنين، ولكن أولئك الذين فشلوا، سيكون من الصعب عليهم مقاومة اللوم، وإلقاء مسؤولية فشلهم علي الآخرين.
العولمة المتزايدة بقيادة الصين
يقول "كيشور محبوباني" الدبلوماسي البارز وأستاذ ورئيس كلية السياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية: إن وباء كوفيد 19 لا يغير بشكل أساسي الاتجاه الاقتصادي العالمي، ولكنه سيسرع فقط التغيير الذي بدأ في الأساس، أي الانتقال من العولمة التي تركز على الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين.
لماذا يستمر هذا الاتجاه؟ لقد فقد الشعب الأمريكي ثقته بالعولمة والتجارة العالمية. واتفاقيات التجارة الحرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو بدونه، تعتبر سامةً.
من باب المقارنة، لم تفقد الصين إيمانها، لماذا؟ هناك أسباب تاريخية أعمق. يدرك القادة الصينيون الآن جيدًا أن قرن الإذلال الصيني من 1842 إلى 1949، كان نتيجةً لجهود القادة العبثية لقطع العلاقات مع العالم. وبدلاً من ذلك، كان انتعاش الصين الاقتصادي على مدى العقود القليلة الماضية نتيجةً لتفاعلاتها العالمية.
لقد شهد الشعب الصيني انفجار الثقة الثقافية، وأصبح يعتقد أن بإمكانه التنافس في أي مكان.
ومن ثم، كما ذكرت في كتابي الجديد "هل فازت الصين؟" هنالك خياران أمام أمريكا. إذا كان الهدف الرئيسي لأميركا هو الحفاظ على التفوق العالمي، فسيتعين عليها التنافس مع الصين في منافسة جيوسياسية، والنتيجة ستكون صفر اقتصادياً وسياسياً.
ولكن، إذا كان هدف أمريكا هو تحسين رفاهية شعبها، الذي قد تدهورت ظروفهم الاجتماعية، فعليها أن تعمل مع الصين. المستشار الحكيم يقترح أن التعاون هو الخيار الأفضل. رغم ذلك، بالنظر إلى المناخ السياسي السام في أمريكا تجاه الصين، ليس من الممكن أن ينجح نهج المستشار الحكيم.
تساقط الديمقراطيات
يقول "جون إكنبيري" منظر العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الأمريكية: إنه على المدى القصير، غذت هذه الأزمة الجدل حول استراتيجية الغرب الكبرى في جميع المعسكرات المختلفة. القوميون ومناهضو العلمانية، معارضو الصين وحتى الأمميين الليبراليين، سيرون جميعهم أدلةً جديدةً تلخص وجهات نظرهم.
ونظراً للضرر الاقتصادي والتفكك الاجتماعي الذي يتكشف، من الصعب ملاحظة شيء مثل التقدم نحو القومية، التنافس على مستوى القوى العظمى، الفصل الاستراتيجي وما شاكل.
ولكن كما في الثلاثينات والأربعينات، قد يتطور تيار متناقض ببطء، تيار الأممية بشكل مماثل لتلك التي كان يروج لها فرانكلين داي وروزفلت وبعض السياسيين الآخرين في فترة الحرب وما قبلها.
لقد أظهر انهيار الاقتصاد العالمي في الثلاثينات، مدى ترابط المجتمعات الحديثة ومدى ضعفها تجاه ما عبَّر عنه روزفلت بالانتشار.
أمريكا وبدلاً من أن تتعرض للتهديد من قبل القوى العظمى، كانت مهددةً من قوى الحداثة العميقة. وما كان روزفلت وغيره من الأمميين يبحثون عنه، كان نظاماً لما بعد الحرب، الأمر الذي يخلق نظامًا مفتوحًا يعتمد على أشكال جديدة من الحماية وقدرات إدارة الاعتماد المتبادل.
لم تستطع أمريكا الاختباء بسهولة داخل حدودها، ولكن للعمل في نظام مفتوح لما بعد الحرب، كان هناك حاجة لخلق بنية أساسية عالمية للتعاون المتعدد الأطراف.
لذا، من المرجح أن تتبع أمريكا والديمقراطيات الغربية الأخرى المسار المشابه لردود الفعل هذه المرة أيضاً، وهي ردود الفعل التي تتأثر بالإحساس بالضعف. قد تكون ردود الفعل هذه في البداية أكثر وطنيةً، ولكن على المدى الطويل، ستخرج هذه الديمقراطيات من قوقعتها، وستتخذ شكلاًجديدًا من الأممية البراغماتية والحمائية.
ربح أقل، ولكن استقرار أكثر
يقول "شون كي أونيل" إن كوفيد 19 يقوض حالياً المبادئ الأساسية للإنتاج العالمي. وسيتعين على الشركات الآن إعادة التفكير والحد من سلاسل التوريد متعددة الجنسيات ومتعددة المراحل، التي تسيطر اليوم على عملية الإنتاج.
لقد تعرضت سلاسل التوريد العالمية لضغوط من قبل، والسبب في ذلك من الناحية الاقتصادية، كان زيادة تكاليف العمالة في الصين، الحرب التجارية لدونالد ترامب والتقدم في مجال الروبوتات والأتمتة والطباعة ثلاثية الأبعاد.
سياسيًا أيضًا، فإن فقدان الوظائف خاصةً في الاقتصادات المتطورة، قد عزز هذه العملية. وكورونا قضي علي الكثير من هذا التواصل. وإغلاق المصانع قد حرم الشركات المصنعة الأخرى وحتى المستشفيات والصيدليات ومحلات السوبر ماركت وتجار التجزئة، من الوصول إلي المنتجات المطلوبة.
ستدخل الحكومات علي الخط، وتجبر الصناعات الاستراتيجية لرسم مخططات الدعم المحلي.
أصغر وأفقر وأبخل
يؤثر هذا الوباء في ثلاثة مجالات: أولاً، يغير انتشار فيروس كورونا سياساتنا داخل البلدان وفيما بينها. المجتمعات وحتى الليبراليون تتجه الآن نحو الحكومات، والنجاح النسبي للحكومات في التغلب على الوباء وتأثيره الاقتصادي، سيؤدي إلي تفاقم أو ضعف القضايا الأمنية والاستقطابات الأخيرة في المجتمعات.
وثانياً، هذه الظروف لا تعني نهاية العالم المترابط. إن الوباء في حد ذاته دليل على ترابطنا المتبادل. ولكن في جميع المجتمعات، هناك نوع من التحول إلى الداخل ومحاولة إيجاد الاستقلال والسيطرة على مصير الإنسان. نحن نتحرك نحو عالم أفقر وأبخل وأصغر.
وأخيراً، هناك بوادر أمل وشعور جيد. الهند في مبادرة مبدعة، عقدت عبر الفيديو مؤتمراً مع قادة جنوب آسيا، لتطوير استجابة إقليمية مشتركة لهذا التهديد. وإذا دفعنا هذا الوباء إلى تحقيق فوائد التعاون المتعدد الأطراف بشأن القضايا العالمية، فإن الفيروس سيخدم غرضًا مفيدًا.
حاجة أمريكا إلى استراتيجية جديدة
يقول "جوزيف ناي" منظر الحروب الناعمة والدبلوماسية العامة: في عام 2017، أعلن ترامب عن استراتيجية جديدة للأمن القومي كانت تركز على منافسة القوى العظمى. ويظهر كوفيد 19 أن هذه الاستراتيجية ليست كافيةً. وحتى لو استمرت الولايات المتحدة في ممارسة قوتها العظمى، فإنها لا تستطيع حماية أمنها لوحدها.
وفيما يتعلق بالتهديدات عبر الوطنية مثل كوفيد 19 وتغير المناخ، لا يكفي التفكير في تفوق الولايات المتحدة على الدول الأخرى. ومفتاح النجاح هو معرفة أهمية تقاسم السلطة مع الآخرين. جميع الدول تعطي الأولوية لمصالحها، لكن السؤال المهم يرتبط بمدى اتساع هذه الميزة أو تحديدها. ويظهر كوفيد 19 أننا فشلنا في تكييف استراتيجيتنا مع هذا العالم الجديد.
مؤرخو كوفيد 19
يقول "جون إيلين" إنه كما كان الحال دائمًا، سيُكتب تاريخ كوفيد 19 من قبل أولئك الذين تغلبوا على هذه الأزمة. وكل بلد وكل فرد يواجه الضغط الاجتماعي لهذا المرض بطرق جديدة وقوية.
بالطبع، تلك الدول التي ستصمد، سواء بسبب نظمها الاقتصادية والسياسية الفريدة، أو من منظور الصحة العامة، ستدعي النصر أمام الدول التي حققت نتائج مختلفة ومدمرة.
بالنسبة للبعض، هذا انتصار كبير وحاسم للديمقراطية والتعددية والرعاية الصحية العالمية، وبالنسبة للآخرين، فإنه يمثل مصالح واضحة ناتجة عن السيادة الاستبدادية والحاسمة.
على أي حال، إن هذه الأزمة ستغير الهيكل الدولي للسلطة، بطرق بدأنا تخيلها للتو.
لاري غريت: مرحلة جديدة من الاستثمار العالمي
الصدمة الرئيسية للنظام المالي والاقتصادي العالمي، هي إدراك أن سلاسل التوريد وشبكات التوزيع العالمية معرضة بشدة للاضطرابات. لذلك، فإن وباء فيروس كورونا ليس له تأثير اقتصادي طويل المدى فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تغيير أكثر جوهريةً.
لقد مكَّنت العولمة الشركات من إطلاق الإنتاج في جميع أنحاء العالم، وإيصال منتجاتها إلي الأسواق سريعاً، وبالتالي التخلص من تكاليف التخزين. والمنتجات التي تبقى على الرفوف لأكثر من بضعة أيام، تعتبر إخفاقًا في هذه السوق.
وأظهر كوفيد 19 أن مسببات الأمراض لا تؤثر فقط على الناس، بل يمكنها أيضًا تعطيل نظام التوريد الفوري للسلع والمنتجات.
ريتشارد هاس: مزيد من الدول الفاشلة
ستجبر أزمة كورونا معظم الحكومات على الانطوائية لعدة سنوات على الأقل، وبدلاً من التركيز على ما يحدث خارج حدودها، ستركز على ما يحدث داخل هذه الحدود.
وبالنظر إلي الحاجة إلى تخصيص الموارد لإعادة الإعمار الداخلي، ومعالجة العواقب الاقتصادية لهذه الأزمة، في رأيي نتيجةً لضعف سلسلة التوريد، سنرى المزيد من الخطوات نحو الاكتفاء الذاتي الانتقائي، المزيد من المعارضة للهجرة واسعة النطاق، وحتى الالتزام والاستعداد الأقل لمعالجة المشاكل الإقليمية والعالمية.
أتوقع أن تجد العديد من البلدان صعوبةً في التعافي من هذه الأزمة، ويصبح ضعف البلدان أو ظاهرة الدول الفاشلة أبرز سمات العالم.
كوري شيك: فشل أمريكا في قيادة العالم
أمريكا وبسبب النظرة الانتفائية المحدودة لحكومة هذا البلد، وعدم الكفاءة المدمرة، لن تعود تعتبر رائدة العالم. يمكن الحد من التأثير العالمي لهذا الوباء بشكل كبير إذا قدمت المنظمات الدولية المزيد من المعلومات المسبقة، ليكون لدي الحكومات مزيد من الوقت لإعداد وتوجيه الموارد نحو الاحتياجات. لقد فشلت واشنطن في اختبار القيادة.
نيكولاس بيرنز: قوة الروح البشرية
كوفيد 19 أكبر أزمة عالمية في القرن الحالي. عمق ونطاق هذا المرض هائل. هذه الأزمة الصحية تهدد جميع سكان العالم البالغ عددهم سبعة مليارات و800 مليون نسمة.
ويمكن أن يكون تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية الناتجة عنها أكبر من الكساد الكبير في عامي 2008 و2009. كما يمكن لأي أزمة أن تكون صدمةً كبيرةً، لتغيير النظام الدولي وتوازن القوى بالطريقة التي نعرفها.
حتى الآن، كان التعاون الدولي غير كاف بشكل مؤسف. فإذا فشلت الولايات المتحدة والصين، بوصفهما أقوى دول العالم، في حل خلافاتهما حول من المسؤول عن الأزمة الحالية، فإن مصداقية البلدين ستتضرر بشكل كبير.
وإذا فشل الاتحاد الأوروبي في تقديم مساعدة أكثر نجاعةً لمواطنيه البالغ عددهم 500 مليون نسمة، فقد تستعيد الحكومات الوطنية في المستقبل المزيد من سلطاتها من بروكسل. وفي الولايات المتحدة، ما هو على المحك هو قدرة الحكومة الفيدرالية على اتخاذ تدابير فعالة للقضاء على هذه الأزمة.
ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة على قوة الروح الإنسانية في جميع البلدان، بما في ذلك الأطباء والممرضات والقادة السياسيين، والأشخاص العاديين الذين يظهرون قوة المرونة والتأثير والقيادة.
وهذا الأمر يثير الأمل في أن ينجح الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم في الاستجابة لهذا التحدي الاستثنائي.
موقع الوقت التحليلي