يتحدث المسؤولون الأمريكيون عن مخاوف بشأن إمكانية التجسس الصيني على الدول الغربية، في حال تحمل مسؤولية توفير خدمات الإنترنت من الجيل الخامس، في حين أن إجراءات ترامب خلال العامين الماضيين لتقييد الشركات الصينية مثل هواوي قد جرت بأهداف متعددة، تتخطي المخاوف من إمكانية تجسس هذه الشركة.
فرض عقوبات على شركة هواوي
أوائل 2018، قدم ترامب اتهاماته بشكل جاد بخصوص شركة هواوي "زد.تي.إي" في خضم الحرب التجارية مع الصين. تعمل هواوي على تطوير التقنيات والبنية التحتية للجيل الخامس من الإنترنت فائق السرعة. وأوروبا هي أكبر سوق خارج آسيا لهذه الشركة الصينية.
تسبّب ترامب من خلال توجيه تهمة التجسس على شركة هواوي بكثير من الجدل بين الشركات الاقتصادية العملاقة في العالم، مثل ألمانيا واليابان ودول رئيسة مثل كندا وبريطانيا وأستراليا، لاستخدام أو عدم استخدام البنية التحتية للجيل الخامس من تطوير الاتصالات. ونقلت رويترز في تقرير عن مسؤولي البيت الأبيض قولهم: "قامت السلطات الأمريكية بنسخ معلومات من الأجهزة المحمولة للمديرين التنفيذيين للشركة الصينية في المطارات، والتي تتضمن تفاصيل النشاط المشبوه للشركة".
المعلومات التي تشير إليها رويترز كانت تتعلق بتحقيقات الهولدنغ "إتش.إس.بي.سي" على أنشطة هواوي، وكذلك اتهامات شركة "سكاي كوم". كما زعم الأمريكيون أن شركة هواوي قامت بتبادل التكنولوجيا والسلع والخدمات مع إيران من خلال شركة "سكاي كوم"، واستلمت أموالها من البنوك الدولية.
كما أن سرقة الذراع الروبوتية(سرقة الملكية الفكرية لروبوت تبي من شركة تي.موبايل)، وقضية ورق الزجاج الماسي، من التهم الأخري التي وجهها ترامب إلي هواوي.
في ديسمبر 2018، تم توقيف كبير المسؤولين الماليين في تلك الشركة "منغ وازو" في كندا بسبب بعض التهم. وأجرت محكمة أمريكية التحقيقات والمتابعات حول أنشطة التجسس المحتملة لهواوي، وفقاً لقانون المراقبة "فيسا"، ولكنها لم تقدم قط نتائج هذا التحقيق بالكامل.
كذلك، زعمت صحيفة "وول ستريت جورنال" أيضًا أن فنيي هواوي ساعدوا الحكومات الإفريقية في التجسس على منافسيها في الانتخابات. وقد ضغط ترامب علي حلفائه الأوروبيين لعدم مواصلة العمل مع هواوي لتطوير تكنولوجيا الجيل الخامس للشركة، وحجة ترامب الأكثر أهميةً هي تضرُّر أمريكا وأوروبا الثنائي جراء هذا التعاون، بسبب تجسس هواوي.
ومع ذلك، بعد فوز جونسون في الانتخابات وتصميمه على مغادرة الاتحاد الأوروبي، يركز ترامب على بريطانيا وجونسون بشكل خاص، للسعي إلى امتناع بريطانيا النهائي عن التعاون مع هواوي.
بريطانيا في خضم حرب ترامب الاقتصادية مع الصين
في أعقاب تهم ترامب الموجهة إلي شركة هواوي وخلق الشكوك لدى المسؤولين الأوروبيين، أصبحت خدمة التجسس البريطانية(إم16) متواطئةً أيضًا مع ترامب، وضغطت على المسؤولين البريطانيين للتوقف عن العمل مع شركة هواوي.
لكن المسؤولين الأوروبيين وبعد التحقيقات الأولية، خلصوا إلى أنه لا ينبغي لهم حرمان أنفسهم من تكنولوجيا الجيل الخامس لهواوي، وحتى مع إمكانية تجسس هواوي، يجب عليهم منع احتمالية تجسس هذه الشركة من خلال تعزيز الدروع الأمنية في المجال السيبراني والرقمي، وكيفية استخدام معدات هواوي.
لذا، دعت أنجيلا ميركل الدول الأوروبية قبل شهرين إلى تبني نهج مشترك تجاه الصين وإطلاق الجيل الخامس من هواوي. وأكدت أن "المعايير الأمنية" يجب أن تكون أساساً لاتخاذ القرارات، وليس حذف الشركات من العقود التكنولوجية في أوروبا.
كذلك، قالت المستشارة الألمانية للمشرعين في اجتماع بالبرلمان الألماني: "إن أحد أكبر الأخطار هو أن دول الاتحاد الأوروبي لديها سياساتها الخاصة تجاه الصين، وفي هذه الحالة سوف تظهر إشارات مختلفة للعالم. وهذا سيكون كارثياً ليس فقط للصين ولكن أيضاً بالنسبة لنا في أوروبا".
كان للجهود التي بذلتها ألمانيا لمواصلة العمل مع هواوي تأثيرها على القرار البريطاني، حيث لم تكن لدى بريطانيا رغبة تذكر في قطع العلاقة.
في عهد رئاسة تيريزا ماي لمجلس الوزراء، أصدرت ترخيصًا في مايو من هذا العام للتعاون ومواصلة عمل شركة هواوي، لتطوير وتزويد المكونات اللازمة لشبكة الإنترنت "جي3"، والتي لا تشكل جوهر هذه التكنولوجيا. ولمعالجة المخاوف الأمنية في هذا الترخيص، سمحت حكومة تيريزا ماي باستخدام الهوائيات والمكونات الأخرى لشبكة الجيل الخامس، من خلال حذف استخدام الرقائق المطورة للبنية التحتية من قبل هواوي.
مع اقتراب القرار النهائي لحكومة جونسون بشأن التعاون مع شركة هواوي، حذّر ترامب جونسون في محادثة هاتفية في أوائل فبراير، قائلاً: "إذا وافقت حكومة لندن على مشاركة شركة هواوي الصينية في مشروع إطلاق الإنترنت عالي السرعة من الجيل الخامس، فإن طريق البلدين فيما يتصل بالأمن القومي سينفصل".
واقترح ترامب علي جونسون أن يعمل البلدان معًا لملء فراغ هواوي. في المقابل، اعتقد البريطانيون أن القيام بذلك سيكون مكلفًا ويستغرق وقتًا طويلاً. في الوقت نفسه، اقترح وزير الخزانة "ستيفن منوتشن" أنه إذا انسحب الجانب البريطاني من التعاون مع هواوي، فإن صفقات تجارية كبيرة ستكون في طريقها إلي البلدين.
لقيت هذه التهديدات والتشجيعات انتقادات في وسائل الإعلام البريطانية، وفسرت على أنها سياسة العصا والجزرة. وترك القرار النهائي لمجلس الأمن القومي البريطاني.
هذه المرة، دعا ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، في رسالة تحذيرية، مجلس الأمن القومي البريطاني إلى وقف التعاون مع شركة هواوي. ولكن بعد يومين من المكالمة الهاتفية لترامب، أذن مجلس الأمن القومي البريطاني، كما في عهد تيريزا ماي، بتعاون محدود مع هواوي.
وفقًا لقرار مجلس الأمن القومي البريطاني، تُمنع هواوي من توفير وتركيب المعدات في الأجزاء الحساسة لشبكة الاتصالات البريطانية التي تدعي الجوهر الأساسي، ولن يُسمح لها سوى بتجهيز 5٪ من الأجهزة الهامشية للشبكة.
كما مُنعت الشركة الصينية من المشاركة في المناطق القريبة من القواعد العسكرية والنووية. ورداً على هذا القرار، غرَّد مايك بومبيو علي تويتر: "إن الضوء الأخضر البريطاني سيعرض سيادة البلاد للخطر".
أهداف أمريكا
كانت مخاوف إدارة ترامب القومية أكثر بكثير مما يمكن أن تعزا إلى القلق بشأن تجسس الصين على بريطانيا، لذلك، يسعى ترامب إلى تحقيق أهداف أخرى في الضغط على بريطانيا.
بالنظر إلى أهمية الثورة الصناعية الرابعة في مستقبل البلدان، يسعى ترامب إلى منع تطور الاقتصاد الصيني في هذا الصدد.
بحسب "غوانبينغ" وهو من كبار المسؤولين التنفيذيين لشركة هواوي، تجاوزت إيرادات الشركة في عام 2019، 109 مليارات دولار. وكانت الشركة تخطط لتصل أرباحها إلي 150 مليار دولار العام المقبل.
تمثل هذه الإيرادات المثيرة للإعجاب زيادةً بنسبة 21٪ عن العام الماضي، وأعلى معدل نمو في العامين الماضيين. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتجاوز فيها إيرادات هواوي 100 مليار دولار.
وكان "جيانغ تاو" نائب رئيس هواوي للحوسبة الذكية قد أعلن في وقت سابق: "لقد استثمرنا 100 مليون يورو في تطوير برنامج حول النظام البيئي للذكاء الاصطناعي. هذا هو أطلس هواوي 900، وهو أقوى مجموعة ذكاء اصطناعي في العالم. يجب على العلماء في الوضع الحالي، قضاء حوالي ساعتين في كل عملية بحث عن 200 ألف نجم في السماء، ولكن بمساعدة أطلس هواوي 900 سيستغرق الأمر حوالي 10 ثواني فقط".
لقد أدت قدرات هواوي هذه إلى منافسة شديدة بين عمالقة التكنولوجيا في الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي. وتتطلع هواوي إلى تجاوز "أبل" أيضاً.
تقدُّم هواوي أقلق أمريكا وبعض شركات التكنولوجيا. من ناحية أخرى، فإن فوائد هواوي وعدم وجود أدلة كافية لدي ترامب، جعلت الشركات والقادة الأوروبيين غير قادرين على حرمان أنفسهم من فوائد هذه الشركة.
يقول "ماركوس غروبوش" الرئيس التنفيذي لشركة "تبمتون" الألمانية، في هذا الصدد: "تعتبر هواوي حاليًا تقنيةً رائدةً، بينما يتأخر الآخرون حوالي 18 إلى 24 شهراً. شخصياً أتساءل أليست هذه التوصيات ذات دوافع سياسية؟ لأن هواوي هي التي وفرت معدات الإنترنت للجيل الثالث والرابع والذي يعرف بـ "جي3 وجي4".
مع توسُّع هواوي، فإن العديد من الخدمات الرقمية التي كانت مملوكةً تقليديًا لأمريكا، ستخرج من احتكار هذا البلد. وبعد قرار الحكومة الأمريكية الأخير بالضغط على الشركة الصينية، أوقفت "جوجل" وصول هواوي إلي تحديث نظام التشغيل لأندرويد. وعلى الرغم من أن القرار كان صدمةً كبيرةً للشركة، إلا أنها سعت إلى بناء نظام تشغيل جديد.
يقدر المحللون الاقتصاديون أنه حتى لو كانت الشركة ممنوعةً على نطاق واسع من بيع معداتها في الولايات المتحدة، فسيظل لديها حوالي 40٪ إلى 60٪ من التحكم في الشبكات في جميع أنحاء العالم. حتى أن العديد من الشركات الأمريكية تريد العمل مع هواوي. حيث قال وزير التجارة الأمريكي "ويلبر روس" في أغسطس الماضي، إنهم تلقوا أكثر من 50 طلب عمل مع شركة هواوي، بما في ذلك شركات مثل إنتل وكوالكوم وبرودكوم.
قدمت أمريكا نفسها حتى الآن على أنها مركز نشاط المجموعة التجسسية التي تدعي " العيون الخمس"، والتي تتكون من خمس دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. ولكن مع صعود الصين في التكنولوجيا الرقمية، تجد أمريكا احتكارها في مجال التحكم في المعلومات في خطر أيضاً، وتشعر بالقلق إزاء تفكك نظام التجسس "العيون الخمس"، الذي هي مركزه.
على الرغم من أن إمكانية التجسس من قبل الشركات التي تبني شبكات الإنترنت وأجهزة الثورية الإلكترونية الدقيقة كانت موجودةً من قبل أيضاً، إلا أن البلدان المختلفة لم تحرم نفسها من فوائد هذه الاتصالات، وقد سعت إلي أمنها السيبراني عن طريق أساليب مكافحة التجسس، لأنه لا توجد دولة قادرة أو راغبة في التخلف عن ثورة الالكترونيات الدقيقة والمعدات الرقمية.
من ناحية أخرى، قدمت هواوي ضمانات لكسب ثقة الدول الأخرى أيضاً. يقول "كارل سونغ" نائب رئيس الاتصالات العالمية في هواوي: "نأمل في توصيل 500 مليون شخص آخر بهذه التقنيات في السنوات الخمس القادمة. التعاون مع أوروبا مهم جدًا لشركة هواوي. بالنسبة لنا، يمثل الأمن السيبراني مسألةً مهمةً أيضًا، ويمكننا معالجة هذه المخاوف بطريقة عقلانية وقائمة على الحقائق".
بالنظر إلى ما سبق، فإن عراقيل ترامب في طريق تقدم هواوي مقطعية، ولا يمكنه أن يعوق نموها وتعاونها مع الدول الأخرى بشكل مؤكد.
المصدر: الوقت