النزعة الدينية
من اهم خصوصيات ثورة الشعب الايراني قيامها على المحور الالهي. فنحن نقرأ في المادة 56 من دستور الجمهورية الاسلامية: "السيادة المطلقة على العالم والانسان لله، وهو الذي منح الانسان حق السيادة على مصيره الاجتماعي".
وقد جاء في وصية مؤسس الثورة الاسلامية: "نحن نعلم ان هذه الثورة الكبيرة التي حدت من نفوذ ناهبي ثروات العالم والظالمين في ايران العظيمة انتصرت بفضل التأييد الإلهي. فلو لم تكن النصرة الإلهية لما انتفض شعب يبلغ 36 مليون نسمة انتفاضة واحدة رغم ذلك الاعلام المناهض للاسلام ولعلماء الدين وخاصة في القرن الاخير، ولما أزاح جانباً كل القوى الداخلية والخارجية في جميع ارجاء البلد بفكر واحد وصرخات الله اكبر والتضحيات المدهشة والاعجازية... ولا شك في أن ذلك تحفة الهية وهدية غيبية منّ بها الله المنان على هذا الشعب المظلوم والمنهوب". (صحيفة الامام ج21ص 401)
شعبية الثورة
نحن نلاحظ الشعبية في الثورات الاخرى أيضاً الى حد ما. إلا أنها تبرز اكثر في ثورة ايران الاسلامية. لقد نزل معظم ابناء الشعب الى الساحة في هذه الثورة وطالبوا باسقاط النظام الشاهنشاهي وإقامة النظام الإسلامي. وقد ساهم الجميع في هذه الثورة؛ العسكري والعامل والموظف والفلاح والطالب الجامعي والمعلم.
وهذا الجانب من الشعبية بارز الى حد كبير. وقد كان العنصر الرئيس للكفاح في غالبية الثورات القوى المنظمة الحزبية وشبه العسكرية، حيث حسمت الامر عن طريق الحرب المسلحة وكان دور الشعب داعم لها في الغالب. إلا ان كل الشعب كان له دور في ثورتنا فلقد هب في عموم البلاد لمحاربة النظام البهلوي بكل قوة و بأس.
القيادة والمرجعية
من الخصوصيات المهمة للثورة الاسلامية أنها مستوحاة من السمة الالهية والتوجه العقائدي الديني، ودور الدين وعلماء الدين في قيادة الثورة وتوجيهها. في حين ان كل الثورات الاخرى كانت في مقابل الدين. الثورة الايرانية بدأت بقيادة علماء الدين وتوجيههم وتكللت بالنجاح. وكان الامام الخميني يقف على رأس هؤلاء الكبار، حيث كان يتمتع بأعلى المناصب الدينية أي المرجعية. وكانت قيادته تتمتع بخصوصيات بارزة نذكر منها:
أ) الامام الخميني الذي كان مرجعا دينياً، كان يتمتع بقاعدة شعبية واسعة وعميقة.
ب) برهن على قيادته السياسية والثورية من خلال انتفاضة الخامس عشر من خرداد وشجاعته المنقطعة النظير في تلك الاحداث وخلال مرحلة النفي.
ج)كان الامام المخطط للثورة وكان في نفس الوقت مديرها ومنفذها.
الاصالة
لأصالة الثورة الاسلامية بعدان: نظري وعملي. فلم تكن تطلعات هذه الثورة وافكارها مستوردة في البعدين النظري والعملي، بل كانت حصيلة المجتمع الايراني وتاريخ ايران. فلقد اعتنق الايرانيون الاسلام منذ الف واربعمائة سنة، وتحول خلال هذه الفترة الى العنصر الاصلي والاساسي لثقافتنا ووطنيتنا. كما انتصر شعبنا في البعد العملي ايضا بقوته ودون الدعم المالي والتسليحي للشرق والغرب، وبالاعتماد على الله وشعار" انتصار الدم على السيف".
اسلامية الثورة الايرانية وتدينها
من الشروط الاولى للثورة الايرانية، الاسلام، والسبب في ذلك ايديولوجيتها وماهيتها ومنشؤها واهدافها. وقد كان قائد هذه الثورة رجل دين ومرجعاً دينياً . وتم تنظيمها عن طريق النظام التقليدي للحوزات العلمية الدينية والذي يعود تاريخه لالف عام.
وكان المصدر الرئيس للشعب ومؤسسيها سيادة الاسلام والتشريعات الالهية على مصيرهم والخروج من سيطرة الاستبداد الداخلي والاستكبار العالمي. ولذلك فإن هذه الظاهرة اتصفت بالصفة الاسلامية بسبب الدور الاساسي للدين الاسلامي في ظروف الثورة الاسلامية.
المنشأ الحسيني للثورة
يرى الكثير من المفكرين الذين نظروا في مجال اسباب انتصار الثورة الاسلامية في ايران أن عامل الدين هو من اقوى العوامل واكثرها اصالة، حيث ادى دوراً كبيراً في ظهور الثورة وانتصارها. كما أن نظرة الى الادبيات السياسية الشائعة في تيار حدوث الثورة الاسلامية وشعارات قادة النهضة وكلماتهم وبياناتهم، تكشف عن هذه الحقيقة وهي أن الثقافة الحسينية ونهضة الامام الحسين(ع) أدت من بين العناصر الدينية دوراً كبيراً في هذا المجال. وإن ثقافة الشهادة، والمحاربة الدائمة للباطل، ومحاربة الطاغوت، ومبدأ اتباع رضا الله ومصالح المسلمين ، وكذلك ثقافة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كل ذلك كان من الخصائص المؤثرة للثقافة الحسينية في الثورة الايرانية . ويمكن التعرف على الاشكال المختلفة لتأثير الثقافة الحسينية في فكر قيادة الثورة وفعلها، واهداف الاشخاص الثوريين واسلوب الكفاح .وتتجلى ايديولوجية كل ثورة وماهيتها بشكلها البسيط والشعبي في شعاراتها. وكانت منذ القدم أداة للتعرف على اهداف مطالب الشعب ومظهرها.
وتتلخص الشعارات الرئيسة للشعب الايراني والتي كانت تطرح مطالبه، في اربعة محاور اساسية:
1. الاستقلال
لاشك في أن المطالبة بالاستقلال كانت اكثر شعارات الشعب أصالة في عهد النضال ضد النظام الشاهنشاهي الظالم. وقد كانت ايران في عهد الشاه تلعب دور"شرطي المنطقة" لاميركا والغرب. وكان قانون الحصانة الدبلوماسية الذي قدمته الحكومة وصادق عليه مجلس الشورى الوطني، يضمن الحصانة للمستشارين الامريكيين كي يعمدوا في داخل ايران الى نهب اموال الشعب وثروته العامة دون اي خوف وقلق. كما كان جيش نظام الشاه تحت تصرف الجنرالات الامريكان بشكل كامل ولم يكن يمتلك اي ارادة.
وكان الاستقلال اكبر منجزات الثورة الاسلامية للشعب الايراني. ولذلك فإن دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية يؤكد في فقراته المختلفة وبشكل بارز على استقلال البلاد. ويمكن القول دون اية مبالغة ان ايران اكثر بلدان العالم استقلالاً اليوم.
2. الحرية
كانت الحرية من جملة مطالب الشعب دوماً وفي صدر اهداف النهضات والحركات الاستقلالية والتحررية في ايران في القرنين الاخيرين. وكان النظام البهلوي المستبد والدكتاتوري يبخل على الشعب حتى بالحد الادنى من الحريات وذلك من خلال خلق جو الارهاب والرعب وكان بدلاً من ذلك يملأ السجون بالمجاهدين في طريق الحق.
وكانت المجالس والحكومات العميلة تتوالى الواحدة تلو الاخرى وترحل وكان دور الشعب والقانون هو الوحيد الذي لم يكن يحظى بالاهمية. وكانت الحكومة البوليسية التي تشكلت خاصة بعد انقلاب 28 مرداد 1332هـ ش (1953م) بتوجيه من امريكا وبريطانيا لدعم نظام الشاه في ايران بشكل شامل، تكرس كل جهدها لقمع الحرية ومحاربة المجاهدين في طريق الحق.وفي مثل هذا الجو، اطلق الشعب الايراني صرخة " الحرية" الى جانب الاستقلال " و"الجمهورية الاسلامية".
3. الجمهورية الاسلامية
كان الشهيد آية الله المطهري يرى أن "الجمهورية" هو شكل نظام الحكم ،فيما تجسد"الاسلامية" محتوى ادارة البلاد. وقد حلت الجمهورية الاسلامية محل النظام الملكي بأصوات فاقت 98%. واعلن الامام الخميني (رض) بدوره هذا اليوم عيداً في خطاب بهذه المناسبة فقال: "مبارك لكم هذا اليوم الذي اطحتم فيه بالعدو المارد وفرعون العصر بعد استشهاد الشباب الغيارى ولوعة الامهات والآباء والآلام المبرحة. واعلنتم حكومة العدل الالهي بآرائكم القاطعة.
الحكومة التي تتساوى فيها جميع شرائح المجتمع ويشرق نور العدل الالهي على الجميع دون تفرقة. وينزل فيها مطر الرحمة الالهية على الجميع بشكل متساو". (صحيفة الامام ج6 ص453)
4. لا شرقية لا غربية
يعبر الشعار المهم المتمثل في "لاشرقية لاغربية" عن رفض تسلط الاجانب على شؤون البلد الداخلية. وعلى اثر انتصار الثورة الاسلامية، قامت استراتيجية السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية في اطار سياسة لا شرقية، لا غربية على عدة اسس هي: رفض اي تسلط وخضوع للتسلط، المحافظة على الاستقلال الشامل والسيادة الوطنية للبلد، والدفاع عن حقوق كل المسلمين، وعدم الالتزام ازاء القوى المتسلطة، والعلاقات السلمية المتبادلة مع الحكومات غير المحاربة، ومنع عقد اي اتفاقية تؤدي الى تسلط الاجانب. ودعم الكفاح المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في اية منطقة من العالم، وفي ظل اتخاذ مثل هذه السياسة اتسعت ابعاد الكفاح ضد الاستكبار في ايران وسادت ثقافة محاربة الاجانب والاستكبار.
الكاتب: سيد امير حسين كامراني راد
التلخيص: مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (رض)