الدكتور غسان سلامة، المبعوث الدوليّ إلى ليبيا، أكّد هذه الحقيقة في تقريره الذي قدّمه إلى مجلس الأمن الدولي، حيث كشف أنّ الجنرال حفتر يعزّز قوّاته على طول خطوط جبهة طرابلس، حيث يتدفّق المقاتلون المرتزقة من السودان وتشاد إلى جانب معدّاتٍ عسكريّة تصل إلى مطار بنينة، وقاعدة الخادم الجويّة في الشرق على متن طائرات شحن، وبمعدّل أكثر من رحلةٍ يوميّا، وفي الوقت نفسه وصل آلاف المقاتلين السوريين إلى طرابلس، وانتشروا إلى جانب قوّات تابعة لحكومة الوفاق، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وكالة ” أسوشيتد برس” العالميّة قالت إنّ أكثر من 4000 مقاتل سوري أرسلتهم تركيا وجنّدتهم وصلوا إلى العاصمة الليبيّة، وأنّ العشرات منهم، إن لم يكن أكثر ينتمون إلى جماعاتٍ إسلاميّة متطرّفة مثل “القاعدة” و”داعش” ولكن المرصد السوريّ لحقوق الإنسان الموالي للمعارضة السوريّة ومقرّه في بريطانيا، يعتقد أنّ الرّقم أكبر بكثير وقد يفوق الـ5000 مقاتل.
***
كان لافتا أنّ الرئيس رجب طيّب أردوغان الذي هدّد بإرسال قوّات تركيّة لنصرة حليفه السراج، واستصداره قرارا عن البرلمان التركيّ يشرّع هذه الخطوة، لم يرسل إلا بضعة عشرات من المستشارين، واكتفى بإرسال المقاتلين السوريين، بعد إغرائهم برواتبٍ عاليةٍ تصل إلى 5000 دولار شهريّا، لتجنّب وقوع خسائر في صفوف القوّات التركيّة، ممّا قد يؤدّي إلى تأليب الرأي العام التركيّ الرّافض في أغلبيّته لأيّ تورّط عسكريّ لبلاده في ليبيا (58 بالمئة من الأتراك رفضوا و34 بالمئة أيّدوا)، حسب استطلاعات الرأي.
إرسال هذا العدد من المقاتلين السوريين إلى ليبيا في وقتٍ تتساقط فيه القرى والبلدات والمدن السوريّة في ريف إدلب مثل خان شيخون ومعرّة النعمان، وأخيرا سراقب، أثار العديد من علامات الاستفهام، مثلما أثار حالة من الغضب في أوساط بعض أنصار المعارضة السوريّة على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوقة بانتقادات للرئيس أردوغان نفسه.
السّؤال الذي يطرح نفسه هو أين سيذهب هؤلاء المقاتلون السوريّون في حال جرى التوصّل إلى اتّفاقٍ بين الطّرفين المتقاتلين؟ فالمرتزقة التشاديّون والسودانيّون الذين يقاتلون في صفوف قوّات حفتر يمكن أن يعودوا إلى بلادهم، لكنّ الحال مناقض لذلك تماما بالنّسبة إلى المقاتلين السوريين، فتركيا لن تقبل بعودتهم إلى أراضيها، والدولة السوريّة لن ترحّب بهم في مناطقها، وإذا استمرّ تقدّم الجيش العربيّ السوريّ مدعوما بالقوّات الروسيّة بالوتيرة الحاليّة، فإنّ سقوط مدينة إدلب بات مسألة أيّامٍ معدودة.
هناك خياران أمام هذه القوّات التّابعة للمعارضة السوريّة، فإمّا القتال حتّى الموت في جبهات القتال التي قد تشتعل في الأيّام القليلة القادمة، أو أن ينضمّوا، أو نسبة كبيرة منهم إلى فروع تنظيميّ “القاعدة و”داعش” في “المغرب الإسلامي”، الأمر الذي سيؤدّي إلى انتشارهم في معظم دول شمال إفريقيا ومنطقة السّاحل الإفريقي.
اللّافت أنّ التنظيمين المذكورين يعيشان حاليّا مرحلة إعادة رصّ الصّفوف، ويهدّدان بالعودة إلى شنّ هجمات ضدّ أعدائهما، وزعزعة استقرار دول الاتّحاد المغاربيّ، فقد أعلن المتحدّث باسم تنظيم “الدولة الإسلاميّة” أو “داعش”، أبو حمزة القرشي قبل أسبوع في تسجيلٍ مدّته 37 دقيقة، أنّ زعيم التّنظيم الجديد إبراهيم الهاشمي القرشي قرّر بدء مرحلة جديدة ألا وهي “قتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المسلمين”، بينما تعهّد تنظيم “القاعدة” بالثّأر لمقتل قاسم الريمي زعيمه في الجزيرة العربيّة في اليمن في هجومٍ لطائرةٍ أمريكيّة مسيّرة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى اندماج التّنظيمين أو التّنسيق بشكلٍ أعمق بينهما، مثلما يرجّح الكثير من الخبراء.
ليبيا، إذا استمرّت حالة عدم الاستقرار الحاليّة فيها، فإنّها ستتحوّل إلى الحاضنة الأدفأ لمرحلة نهوض “القاعدة” و”الدولة الإسلاميّة”، ففيها أكثر من 15 مليون قطعة سلاح على الأقل، وآلاف الأطنان من الذّخائر، وحواليّ 1.8 مليون كيلومتر من الأراضي الشّاسعة وحواليّ ألفيّ كيلومتر من السّواحل شبه الخالية على الشّاطئ الجنوبي للبحر المتوسّط، حيث يمكن الوصول إلى السّاحل الأوروبيّ الشّماليّ المقابل بسهولةٍ.
***
هل كان الرئيس أردوغان يفكّر بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة بمثل هذا السّيناريو عندما هدّد أوروبا بورقة المهاجرين غير الشّرعيين، وعبر النّافذة الليبيّة وليس التركيّة؟
لا نملك الإجابة، ولكن ما نعرفه أنّ حواليّ 700 من المقاتلين السّوريين تمكّنوا من التسلّل عبر البحر إلى أوروبا في الأشهر القليلة الماضية، حسب تقارير إخباريّة، والرّقم في تزايدٍ الأمر الذي أدّى إلى زيادة التوتّر في العلاقات التركيّة الفرنسيّة تحديدا.
الوضع الليبيّ الرّاهن كان وما زال مصدر قلقٍ مزمنٍ لدول الاتّحاد المغاربي، وخاصّة الجزائر وموريتانيا وتونس، ولكنّه قلق قد يتزايد في الأيّام والأشهر المقبلة، وهذا ما يفسّر تحوّل الجزائر إلى محجٍّ لمعظم الأطراف المتورّطة في هذا الصّراع، حيث يحاول الجميع ابتداء من تركيا ومرورا بالإمارات، وانتهاء بفرنسا، كسب ودّ قيادتها.. وما علينا إلا الانتظار.
بقلم:عبد الباري عطوان
المصدر: رأي اليوم