ربما يظن كثيرون منا أن كبار السن لديهم شعور أكثر بالوحدة، وأن ذلك الشعور يزداد في فصل الشتاء، لكن نتائج الاستطلاع تقول غير ذلك.
- ۱.الشباب أكثر إحساسا بالوحدة
عندما تفكر في كلمة "وحيد"، فإن الصورة التي تتبادر إلى ذهنك عادة هي لشخص مسنّ يعيش بمفرده، وقلما يزوره أحد. وفي الاستطلاع ذكر ۲۷ في المئة من المشاركين الذين تجاوزوا ۷٥ سنة، أنهم في أغلب الأحيان يشعرون بالوحدة.
وهذا المعدل أعلى من بعض استطلاعات الرأي الأخرى، ربما لأن استطلاع الرأي الحالي كان عبر الإنترنت، وقد يكون استقطب الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أكثر من غيرهم.
إلا أن التفاوت بين الفئات العمرية كان لافتا. إذ تبين أن الفئة العمرية الأكثر شعورا بالوحدة والانعزال هي فئة الشباب من سن ۱٦ إلى ۲٤ عاما، فقد ذكر ٤۰ في المئة منهم أنهم في أغلب الأحيان يشعرون بالوحدة.
وقد تدعونا هذه النتائج للتساؤل، لماذا يشعر هذا العدد الكبير من الشباب بالوحدة؟ ربما لأنهم أكثر استعدادا للإفصاح عن مشاعرهم مقارنة بكبار السن الذين قد يحاولون التأكيد على استقلاليتهم.
لكن حتى عندما سألنا المشاركين من كبار السن عن المرحلة العمرية التي شعروا فيها بالوحدة، أجاب أكثرهم بأنها مرحلة الشباب.
وهذا يعني أن الحياة العصرية والأجهزة التكنولوجية ليست السبب الوحيد لانتشار الشعور بالوحدة بين الشباب، إنما ثمة عوامل أخرى ترتبط ببلوغ مرحلة الشباب نفسها.
ولعلنا نتصور دائما أن الشباب في هذه المرحلة العمرية من سن ۱٦ إلى ۲٤ عاما، يكونون أكثر انطلاقا ومرحا، ولكننا ننسى أنها أيضا فترة انتقالية، بها تحديات جديدة مثل بدء الدراسة الجامعية، أو الالتحاق بوظيفة جديدة، وهذا يعني الابتعاد عن أصدقائهم القدامى الذين تربوا معهم منذ الصغر.
وفي الوقت نفسه، فإن الشباب في هذه المرحلة يحاولون استكشاف ذواتهم وإمكاناتهم والبحث عن موطئ قدم في العالم الجديد.
وفوق ذلك، فإن هؤلاء الشباب لم يألفوا مشاعر الوحدة، ولا يعرفون أنها قد تظهر وتزول من وقت لآخر، ولم تتح لهم الفرصة من قبل للبحث عن طرق تعينهم على التغلب على هذه المشاعر، مثل شغل أنفسهم بأنشطة أخرى أو البحث عن الصحبة.
۲- يعتقد ٤۱ في المئة من الناس أن الوحدة قد تكون إيجابية
هذه النتيجة تتفق مع أفكار بعض الناس، مثل عالم الأعصاب الراحل جون كاسيوبو، الذي رأى أن الشعور بالوحدة تطور لدى البشر على مر العصور لأنه قد يكون مفيدا، مع أنه شعور موجع.
إذ أن العيش وسط مجموعات طالما ساعد البشر في النجاة من المخاطر والبقاء على قيد الحياة. والفكرة تتلخص في أن الفرد إذا شعر بأنه منبوذ من جماعة، سيدفعه الشعور بالوحدة إلى التواصل مع الآخرين، والبحث عن أصدقاء جدد أو إحياء أواصر الصداقة القديمة.
لكن المشكلة أن هذا الشعور بالوحدة قد يصبح مزمنا، وعندئذ سيكون له تبعات وخيمة على الصحة النفسية والبدنية.
إذ أثبتت دراسات عديدة أن الشعور بالوحدة، أي ذاك الشعور المؤلم بالوحشة الذي ينتاب المرء رغم أنه قد يكون محاطا بالكثير من الأصدقاء، قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية.
وخلصت دراسات إلى أن الشعور بالوحدة المزمنة يزيد من مخاطر الإصابة بالاكتئاب بعد عام واحد. وبينما ذكر ٤۱ في المئة من جميع المشاركين أن الوحدة قد يكون لها جوانب إيجابية، فإن هذه النسبة انخفضت إلى ۳۱ في المئة فقط بين المشاركين الذين قالوا من البداية إنهم كثيرا ما يعانون من الوحدة.
فقد تقترن الوحدة بالبؤس والكآبة، حتى إن المرء إذا اعترته مشاعر الوحشة والوحدة لفترة طويلة سيعجز عن رؤية أي جوانب إيجابية لها.
۳- من يشعرون بالوحدة ليسوا أقل قدرة على مخالطة الآخرين
يفترض البعض أحيانا أن الشعور بالوحدة قد ينتاب المرء حين يعجز عن إقامة علاقات صداقة، وفي هذه الحالة قد يساعدهم تحسين مهاراتهم الاجتماعية في التخلص من هذا الشعور. لكن النتائج أثبتت العكس.
بداية، تقاس مهارة التفاعل الاجتماعي عادة بمدى قدرة المرء على قراءة مشاعر الآخرين وتعديل ردود فعله لتتوافق معها.
فقد ترتسم على وجوه الآخرين مثلا علامات القلق أو ربما الاستياء من شيء بدر منك دون أن تقصد.
ويتطلب قياس هذه المهارة عرض مجموعة من الوجوه أو الأعين فقط على الأشخاص لتقييم مدى كفاءتهم في الاستدلال على المشاعر بالنظر إلى العيون وتعابير الوجه.
وقد حصل الأشخاص الذين قالوا إنهم كثيرا ما يشعرون بالوحدة في هذا الاختبار على نفس متوسط الدرجات الذي حصل عليه الأشخاص الذي قالوا إنهم لا يشعرون بالوحدة.
لكن لوحظ بعض التفاوت في الدرجات في مقياس عدم الثبات الانفعالي، إذ حصل الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة على درجات أعلى من غيرهم. فربما يكون القلق الذي يستولي عليهم في المواقف الاجتماعية هو الذي يخلق حاجزا يعيقهم عن التواصل مع الآخرين، وليس مهاراتهم الاجتماعية.
٤- الإحساس بالوحدة لا يزيد في فصل الشتاء
قبيل احتفالات أعياد الميلاد، كثيرا ما تطلق المؤسسات الخيرية التي تقدم خدمات للمسنين حملات دعائية تظهر مسنين يعيشون في عزلة عن الناس.
ومن المعروف أن ليلة عيد الميلاد هي مناسبة للتجمع ولم شمل العائلة، ولهذا فإن الكثيرين ترعبهم فكرة قضاء هذه الليلة بمفردهم.
وأطلقت سارة ميليكان حملة ناجحة على تويتر تحت عنوان "يوم عيد الميلاد" لتساعد الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة في إيجاد أشخاص يتحدثون إليهم.
وإذا كنت تعيش في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، فإن احتفالات أعياد الميلاد تكون في منتصف الشتاء، حيث يقصر النهار ويطول الليل ويمكث الناس في منازلهم لفترات أطول، وهذا يزيد من الشعور بالعزلة والوحشة.
ولاحظنا من نتائج الاستطلاع أن الشعور بالوحدة لا يتفاقم في فصل الشتاء، إذ سألنا المشاركين عن الفصل أو الوقت الذي اشتد فيه الشعور بالوحدة، وأجاب أكثر من ثلثي المشاركين أن شعورهم بالوحدة لم يختلف في فصل الشتاء عن سائر الفصول.
ومع أن عددا قليلا من المشاركين اختاروا فصل الشتاء، فإن البعض قال إن الشعور بالوحدة يشتد في فصل الصيف.
إذ يحرص الناس في احتفالات عيد الميلاد على التجمع ودعوة أصدقائهم حتى لا يقضي أحد هذا اليوم بمفرده.
لكن في فصل الصيف، عندما يسافر الجميع لقضاء الإجازة الصيفية، قد تشعر أنك وحيد، ولهذا ربما ينبغي أن نهتم بالأشخاص الذين يشعرون بالوحدة في جميع فصول السنة، وليس في الشتاء فقط.
٥- الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أكثر تعاطفا مع الأخرين
استخدم الاستطلاع مقياسين للتعاطف أو المشاركة الوجدانية مع الآخرين، أحدهما يتعلق بالألم البدني، ويقيس مدى إشفاقك على شخص قد أغلق الباب على يده مثلا، أو أمسك بآنية ساخنة بيديه العاريتين، أو يتأوه من لدغة نحلة.
أما المقياس الأخر فهو يقيم مدى إحساسك بالآلام النفسية للأخرين، إذا رأيت مثلا طفلا يتعرض للتنمر والابتزاز في المدرسة، أو شخصا يشعر أنه منبوذ لأنه غير مدعو إلى حفل عيد ميلاد، أو غير ذلك.
وبالرغم من أن جميع المشاركين في مقياس التعاطف مع الألم البدني حصلوا على درجات متساوية تقريبا، إلا أن المشاركين الذين قالوا إنهم كثيرا ما يشعرون بالوحدة أحرزوا درجات أعلى من المتوسط في مقياس التعاطف مع الألم النفسي.
ولعل ذلك يرجع إلى أنهم عانوا من الشعور بالرفض من الآخرين، ويدركون كم هو مؤلم، فهم أكثر تعاطفا مع الآخرين عندما يرونهم يتعرضون لنفس المواقف التي تعرضوا لها من قبل.