وفي العودة إلى ما قبل ظهور الفيروس بشهور قليلة وربما أعوام سنجد ما قامت به الولايات المتحدة اتجاه الصين من سياسات وتوجهات بدءاً من قضية الإيغور المسلمين في إقليم تشينغ يانغ وما حاولت القيام به من تدخّلات حقوقية بحجة حماية الأقلية المسلمة في هذا الإقليم، وصولاً إلى تظاهرات هونغ كونغ ودعمها أميركيّاً للتمرّد ضدّ نظام وضعته الصين تحت مسمّى دولة واحدة في نظامين، مروراً بتسليح تايوان ودعمها ما يشكّل تهديداً للصين وتجاوزاً للسيادة الصينيّة والتي تعتبر تايوان جزءاً من سيادتها، ولم تكن الحرب التجاريّة ببعيدة عن تلك الأحداث والتي أعلنها الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب فور تسلّمه زمام الإدارة مع فرضه الرسوم الجمركيّة على البضائع الصينيّة..
ليأتي فيروس كورونا ضمن سلسلة المواجهة الأميركيّة الصينيّة ولستُ هنا أبتدع ما يحاك من خيال وليست نظرية المؤامرة هي الموجّه وليس ما يتمّ تناقله من روايات حول مصدر الفيروس ومردّها إلى نوعية الطعام الذي يتناوله الشعب الصيني منذ مئات السنين دون إفراز ذلك الفيروس القاتل، فقائمة طعامهم ضمن ثقافتهم الممتدّة آلاف السنين..
إنما مع تطور العالم وما رافقه من تطور تقني وعلمي تطورت معه الحروب بأجيالها والتي صنّفها الخبراء العسكريون في أجيال عدّة من الحروب، وبالرّغم من اختلاف المعايير التكتيكية والعسكريّة، وكذلك المفاهيم النظرية التي تستخدم في التعريف أو التحليل، إنما ميّز معظمهم بين ستة أجيال، وهي:
حروب الجيل الأول
وهي حروب تقليديّة عرفتها الحقبة الممتدّة بين العامين 1648 و1860، وفق الخبير العسكري والكاتب الأميركيّ «ويليام ليند» وتدور رحى هذه الحروب بين جيشين نظاميين في ميدان محدد وعلى أرض واحدة، بحيث تكون المواجهات مباشرة بين خصمين أو أكثر وتُستعمل فيها الأسلحة والذخائر والتكتيات التقليديّة على أنواعها. وهذا الجيل من الحروب يتّسم ببروز مقوّمات الفروسيّة والشجاعة والإقدام على مستوى القادة والأفراد. وأفضل ما ذّكر عن استراتيجيتها هو ما كتبه الصيني سن تزو في «فن الحرب» فهذه الحروب لم تنحصر في الفترة التي أسلفنا ذكرها وفق «ليند»، بل عرفتها البشرية مبكراً استُخدم خلالها عدد كبير من العمليات العسكرية، كالمناورة والالتفاف لتطويق الخصم وضربه في أجنحته للقضاء عليه وتدميره، واستمرّت هذه الحروب حتى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
حروب الجيل الثاني
وهي شبيهة إلى حد ما بحروب الجيل الأول، وتُعرف بحرب العصابات أو الحرب الثورية، لكون رحاها تدور بين جيش نظاميّ تقليديّ ومجموعات قليلة العدد نسبياً تقاتل لتحقيق هدف واحد. وانتشرت هذه الحروب عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في كثير من دول العالم.
والخلاف عن الجيل الأول من الحروب يكمن في التطور الذي حصل في الحركة وتكتيكات المناورة وتقنيات الأسلحة وطريقة إدارة استخدام الدبابات والنيران والطيران بين الأطراف المتحاربة، الأمر الذي جعلها تتمتع بخاصية أكثر دقّة من ناحية إحداث أكبر قدر من الخسائر لدى الطرفين، وتعتمد على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة تبعاً لديناميكيّة الحركة واستمرارية المناورة فيها.
بالإضافة إلى أنها تتمتع بقيادة أحادية تجمع القيادة العسكرية والسياسة معاً، وتعتمد على مساندة الإعلام بشكلٍ رئيسي، لكسب التأييد وحيازة الرأي العام والتأثير فيه.
كما تتميّز «حرب العصابات» باستراتيجيتها الخاصة، إذ تنشأ في الصراع المستمر والطويل مما يحتّم اتّباع أسلوب المفاجأة والمباغتة في القتال ضد الجيوش النظاميّة، واعتماد الضربات الموجعة للعدو في معارك ومواجهات صغيرة ومتعددة، تضعف قدرته وتجعله يتراجع عن أهدافه تحت وطأة الضربات المتلاحقة من قبل خصم يظهر ويختفي وفق الكرّ والفر، فنجده يقاتل وفق استراتيجيةٍ يفرض فيها وجوده وشروطه، كما أنه يحدّد مكان وزمان المواجهة بما يضمن له النجاح.
حروب الجيل الثالث
وتطوّر هذا الجيل من الحروب على يد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية باعتمادهم المرونة والسرعة في الهجوم، فضلاً عن المفاجأة والحرب خلف خطوط العدو، وذلك وفق الخبير الأميركيّ «وليام ليند». إلا أنّ معظم زملاءه العسكريين يقولون بأنها انطلقت من نظرية سياسية عسكرية ظهرت في الولايات المتحدة الأميركيّة عقب انهيار الاتحاد السوفياتيّ السابق، وتحديداً عقب أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2000 وما نجم عنها من تفجير برجي التجارة في نيويورك، وتسمّى النظرية الأميركيّة بـ»الرّدع بالشّك» فأصبحت تعرف بالحروب «الوقائية» أو «الاستباقية» وهي تعني «الضربة الاستباقية»، وشنّ الحرب ضدّ كل ما من شأنه أن يهدّد الأمن القومي الأميركيّ أو السلم العالمي، وتعتبر الحرب الأميركيّة على العراق عام 2003 نموذجاً عنها، بعد أن اتخذت الولايات المتحدة من أحداث 11 أيلول سبباً للوقاية من «الإرهاب».
حروب الجيل الرابع
وهي امتداد للحروب الوقائيّة، وهي بدعةٌ أميركيّة صرفة، وتسمّى بـ»الحرب اللامتماثلة»، وفق ما اتفق عليه الخبراء العسكريون، إذ تُستخدم فيها وسائل الإعلام الجديد والتقليدي، وكذلك منظمات المجتمع المدني والمعارضة، ويستخدم فيه أيضاً النفوذ الأميركيّ في أيّ بلد عبر العمليّات الاستخباريّة، والشركات الأمنيّة الخاصة، وذلك لخدمة المصالح الأميركيّة، وتنفيذاً لسياساتها الاستراتيجية.
وفي تفاصيل نشوء هذا النوع من الحروب هو أحداث 11 أيلول، حيث وجد الجيش الأميركيّ نفسه في مواجهة تنظيمات محترفة عسكرياً ومدرّبة جيداً منتشرة حول العالم، فتوجهت القوات الأميركيّة نحو استراتيجية جديدة لمواجهة «اللا دولة» والتي تمتلك إمكانات ممتازة تنشّط خلاياها في كل مكان فبات لزاماً وفق الاستراتجية العسكرية الأميركيّة ابتكار نموذج جديد لمواجهتها وإضعافها أمام الرأي العام، وإرغامها على الانسحاب من التدخل في مناطق نفوذها..
وكان البروفسور الأميركيّ «ماكس مايوراينغ» أول من تحدّث عن هذه الحرب في محاضرة علنية في معهد دراسات الأمن القومي في «إسرائيل» بتاريخ 13 آب 2012، واختصر تعريفها بالنقاط الآتية: «هي الحرب بالإكراه، وإفشال الدولة، وزعزعة استقرارها، ثم فرض واقع جديد يراعي مصالح الدولة الأميركيّة»، معتمداً على شخصية هاري بوتر الشهيرة وما أوردته أحداث القصة من بروز شخصية شريرة هو «لورد فولدامورت» هو الخصم الشرير الرهيب الذي لا يجرؤ أحد على النطق باسمه وهو ما أراد تطبيقه في هذا الجيل من الحروب عبر ابتكار أشخاص أشرار داخل نطاق الدولة يمكن الاعتماد عليهم لتمرير سياستهم وتنفيذ مخططاتهم وربما كانت فكرة «داعش» الإرهابية إحدى تلك النماذج الأميركيّة.. وتطرق مايوراينغ في محاضرته إلى «هيوغو شافيز» الذي تحدّث عن حروب الجيل الرابع منذ سنوات عدة حين أمر ضابط الجيش في فنزويلا أن «يتعلموا الجيل الرابع من الحروب غير المتماثلة، وأن يطوروا عقيدة للتعامل معها». وأكد البروفيسور الأميركيّ حينها انخراطهم في هذا النوع من الحروب، ومما قاله في تلك المحاضرة، بأنّه بـ»الاعتماد على طابور خامس سيستيقظ عدوّك ميّتاً» وتابع قائلاً: «لم نعد نرسل قوات نظامية عبر الحدود، على الأقل أغلب الأحوال… والقوات العسكرية ليست نظامية، ليست كلها رجال، فيها نساء، وليسوا كلهم بالغين، بل فيهم حتى أطفال.. الهدف هو الإنهاك والتآكل ببطء.. والهدف هو التحكم أو الوصول إلى نقطة التأثير في عدوك.. نستخدم إقليماً غير محكوم بشكل كافٍ ونؤثر على أفراده للتمرّد على دولتهم..».
حروب الجيل الخامس
وهي هجينة مع ما سُمّي بالحروب «غير المتماثلة» وامتداد لها، يعتمد هذا النوع المتطوّر من الحروب في استراتيجيته، على خلق تناقضات بين السلطة والمجتمع في نطاق الدولة الواحدة، عبر استغلال الوسائل كافة، يستخدم فيها العنف غير المسلح، وتعتمد على جماعات عقائديّة مسلحة، وعصابات تهريب منظمة، وتنظيمات صغيرة مدرّبة من أجل صنع حروب داخلية تتنوّع حسب الغاية منها بين اقتصادية وسياسية واجتماعية بهدف استنزاف مؤسسات الدولة المستهدفة ووضعها في مواجهة صراعات داخلية، بالتوازي مع التهديدات الخارجية العنيفة. ويقول أحد المحللين إنّ «الجيل الخامس يعتمد في استراتيجيته على احتلال العقول لا الأرض، وبعد احتلال العقول يتكفّل المحتل بالباقي». وهنا نذكر مقولة للرئيس الراحل حافظ الأسد حينما قال «الأرض إذا احتلت يمكننا استرجاعها أما الإرادة إذا احتلت من الصعب استرجاعها»، وهذا ما تعتمده حروب الجيل الخامس باحتلالها الإرادة والفكر قبل الأرض..
أما من ناحية الأسلحة المستخدمة في هذه الحروب فتستخدم التقنيات الحديثة، كالصواريخ المضادة للدروع، والطائرات الذكية «بدون طيّار» وغيرها الكثير من الأسلحة المتطورة، وبما أنها تعتمد على استغلال جماعات عقائدية تكون في كيان الدولة الواحدة بالتالي تعتمد على العمليات الانتحارية، والأعمال الإرهابية والتطرف، ونصب الكمائن، واستخدام القوة غير المسلحة، والتي يكون فيها العدو فاعلاً من دون أن يظهر بشكل مباشر كتقنيات الإرهاب الإلكتروني، والغزو السيبراني، واستحداث حالة من الفوضى في مواقع الصراع بين أطراف محلية، وتقسيم الشعب الواحد إلى شعوب عبر إثارة النعرات واجتزاء الانتماءات وتفكيك الهوية الواحدة وتحريكها وفق الأهداف السياسية والمصلحية المرجوّة للدولة الأخرى راعية هذه الجماعات ضدّ دولتهم الواحدة.. وما يسمّى بـالربيع العربي هو أحد تطبيقات هذا الجيل من الحروب الهجينة. كما يرى الخبراء أنّ «إغراق المناطق المستهدفة بالمخدرات هو أحد الأسلحة الفعالة لحروب الجيل الخامس».
كما يرى محللون عسكريون بأنّ «حروب الجيل الخامس تستخدم التقنيات الحديثة بهدف إيجاد حكومة في الظل، كما أنّها تتعامل مع كيانات صغيرة متعددة، وممنهجة تعمل على هدم التعليم في الجامعات، وإشاعة الفوضى، وارتكاب أفعال إجرامية للتشكيك في قدرة الدولة على السيطرة الأمنية، وتُسـتغل هذه التشكيلات الإجرامية في فبركة الأخبار وتبديل الحقائق وترويع المواطنين». وما يحدث في البلدان العربية من مشرقها حتى مغربها وانتقال العدوى إلى دول أميركا اللاتينية ترجمة فعلية لهذا النوع من الحروب..
حروب الجيل السادس
المقصود بهذا النوع من الحروب وفق الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين هو «الحرب التي تُدار عن بُعد» عبر استخدام أسلحة ذكية تدخل في صلبها شبكات الإنترنت عبر التجنيد الكامل للمجتمع المستهدف، وتتنوع وسائلها لتشمل استخدام وسائل تجسس جديدة تعتمد على الطيور والحيوانات والأسماك والتي لا يقتصر دورها على التجسس فقط إنما يذهب أبعد من ذلك إلى إلحاق الضرر عن بعد كـ»التفجير عن بعد» وتتبادل الاتهامات ما بين الولايات المتحدة الأميركيّة وروسيا حول مبتكر هذا النوع من الحروب ففي حين يعتقد بعض الخبراء بأن روسيا أول مَن أطلق هذه التسمية وفق ما قاله الجنرال الروسي «فلاديمير سليبتشينك»، حين قال للعالم أجمع «إنّ الحروب التقليدية قد عفا عليها الزمن، وأنّ كل الحروب بعد ذلك ستدار بأنظمة ذكية، وستحصد نتائج ذكية أيضاً». تذهب روسيا إلى رأي منافٍ بحيث ترجعه إلى وكالة «داريا» التابعة لـ»البنتاغون»..
وتستخدم في هذا الجيل من الحروب، الصواريخ القابلة للتوجيه عن بُعد، والقنبلة الذكية المجهّزة للتوجيه الذاتي، وطائرة بدون طيار الصغيرة الحجم لأغراض التجسس على المحادثات بين الأشخاص، والألغام التي يتم تفعيلها أو تعطيلها عن طريق الأقمار الصناعية، وجمع المعلومات الاستخباراتية واستغلال النظام العالمي لسواتل الملاحة (نظام تحديد المواقع العالمي)، وكل ما يمكن استهدافه عن طريق الكمبيوتر أو الأقمار الصناعية.
أسلحة القتل النظيف
كذلك تستخدم أسلحة القتل النظيف، وهي عبارة عن تركيز أمواج راديوية بترددات خاصة وبطاقة عالية جداً إلى أعلى من طبقات الأوزون، بحيث يتم تسخين طبقات الغلاف الجوي بشكل مكثف وتعمل على جعلها كوسادة مطاطية تخزن الطاقة بشكل كبير، وتعمل على ردّة فعل بإطلاق موجات مغناطيسية تخترق الحي والميت نحو منطقة معينة وإطلاق هذه الطاقة وتحريرها من خلال الغلاف الجوي أو الأرض، وتعمل هذه التقنية على إثارة العواصف الماطرة والثلوج العنيفة والفيضانات والجفاف، كما أنها تساعد في كشف بواطن الأرض.
ويضاف إليها نوع جديد من الأسلحة يسمّى بـ»أسلحة الكيمتريل» وهو عبارة عن مركبات كيماوية يمكن نشرها على ارتفاعات جوية محددة لاستحداث ظواهر جوية مستهدفة وتختلف هذه الكيماويات طبقاً للأهداف، فمثلاً عندما يكون الهدف هو «الاستمطار» أي جلب الأمطار يتم استخدام خليط من أيوديد الفضة على بيركلورات البوتاسيم ليتم رشها مباشرة فوق السحب في ثقل وزنها ولا يستطيع الهواء حملها فتسقط أمطاراً، كما تستخدم هذه التقنية مع تغيير المركبات الكيماوية فتؤدي إلى الجفاف والمجاعات والأمراض والأعاصير والزلازل.
وتعتمد أيضاً سلاح «الصوت الصامت» وهي مجموعة من الأسلحة تتمثل في السيطرة الشاملة على العقل باستخدام التقنيات مثل أدوات العرض HD لإرسال هذه التأثيرات لكل بيت وكل أسرة وكل الشعوب المراد السيطرة عليها ضمن حزمة من التقنيات الجديدة والمبتكرة لإحكام السيطرة على العقل.
منظومة الجنّ الفضائيّ
أما أهم ما ابتكرته من أسلحة هذا الجيل فهو «منظومة الجنّ الفضائي» وأطلق هذه التسمية أحد صحافيي الواشنطن بوست منذ أعوام مضت، لأنها اعتمدت على تقنيات عالية التطور تشبه الخيال المحض، فيما أطلق عليها البعض «القرصنة البيولوجيّة». وتشمل هذه المنظومة أقماراً صناعية صغيرة تقدّر بحوالي نصف مليون قمر صناعي في مدارات حول الأرض، بعيداً عن المدارات الاعتيادية متعدّدة الأهداف كالمساعدة في مسح خريطة النشاطات المغناطيسية للعقل والجسم البشري ودراسة إمكانية التحكم في الأفراد بما يعرف شرائح التحكم البشرية، وكذلك التعاون مع سلاح هارب في مزيد من التحكم في الظواهر والكوارث الطبيعية المصنعة، أيضاً تساعد على استهداف الأفراد بموجات مغناطيسية، كذلك التجسس حول العالم وغيرها من مشاريع القرصنة الحديثة بأنواعها المختلفة..
الشعاع الأزرق
وأخيراً استخدام ما سمّي بـ»الشعاع الأزرق» حين تمكنت الأقمار الصناعية من صنع انعكاسات ضوئية على الأرض تشبه كائنات حقيقية مع دمج الريبوتات النانوية مع مادة الكيمتريل الحديثة، وتتحرك تلك الكائنات في عيون من رأوها تحت شمس الظهيرة، وأكدوا أنهم يتعرّضون لغزو كائنات فضائية حقيقية، ولم تظهر حقيقة الأمر إلا بعد أشهر حين كشفتها معلومات استخباراتيّة أميركيّة.
مقارنة عبر الأجيال
وليس إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بعسكرة الفضاء، وتحديد ميزانية خاصة لمواجهة التفوق الصيني والروسي في الفضاء ببعيدة عن هذا الجيل من الحروب، والذي يتميز بغياب مركز الثقل، وفق الخبراء، ففي الحروب السابقة يبرز الصراع بين كيانات ذات هيكلية مؤسسية سواء أكانت جيوشاً منظمة أم جماعات متمرّدة إلا أنها تتمتع بهيكلية هرمية تسلسلية وروح معنوية وإمدادات لوجستية ودعم سياسي وشعبي وما تحويه من مبررات قتالية سواء أكانت قانونية أو حقوقية أو حتى أخلاقية. وتنتهي تلك الحروب بتدمير مركز الثقل وبالتالي تدمير المؤسسة بكاملها أو جزئياً مع الاعتراف بالهزيمة، وهو ما كان سائداً في الحربين العالميتين وكذلك حروب الخليج وغيرها من الحروب التي عنونت بحروب الجيل الأول والثاني والثالث. ناهيك عن أنّ مجال تلك الحروب كان البر والبحر معاً، لتتطوّر في جيلها الثالث مع التطور الاقتصادي والتكنولوجي في عصر الثورة الصناعية، ما أدّى إلى تطوّر أسلحة الدفاع الجوي والطيران وكذلك الغواصات وبدأ معها ضمّ المجال الجوي والفضاء الإلكتروني والمساحات تحت سطح البحار، إلى نطاق الحروب. لتنتقل في ما بعد حروب الجيل الرابع وما تلاها إلى مدى أبعد من الأرض نحو الإرادة، فشملت بنطاقها المجال السياسي والاقتصادي والثقافي والسيبراني والحضاري، فأضحت الحرب صراع إرادات سياسية، اقتصادية، سيرانية، ثقافية وحضارية وليست مجرد صراع مسلح.
الحرب غير المقيّدة
وبالتالي اتسم الجيل السادس من الحروب بسمة «الحرب غير المقيدة»، يجتمع فيها جميع أنواع الحروب الاقتصادية والسيبرانية والمعلوماتية والنووية والبيئية والجريمة المنظمة والحرب الهجينة والعصابات المدرّبة التي يمكن شنّها حتى في حالة السلم وعدم وجود صراعات عسكرية معلنة، وفيروس «كورونا» ليس ببعيد عن هذا الجيل من الحروب البيولوجية والذي كشفت براءات الاختراع الأميركيّة تسجيله في عام 2018 كبراءة اختراع تحت رقم 10130701، ناهيك عن تدخل شركات الأدوية العملاقة لجني مليارات الدولارات سنوياً عبر ابتكار الفيروسات كالسرطان والإيدز وغيرها من أساليب الحروب البيولوجية والتي تعتمد كل شيء في سبيل تحقيق الغاية المرجوّة. وكيف الحال إذا كانت الغاية الأميركيّة القضاء على العملاق الصيني بلا أيّ تردّد ومهما كانت النتائج ولو كان عدد الضحايا بالملايين فهي مَن أطلقت قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناكازاكي.. ولا ننسى التطرّق إلى الثقافة الأميركيّة التي غزت العالم بالوجبات وبالأفلام التي ليست ببعيدة عمّا تطبّقه من سياسات فليس فيلم «نهاية العالم» ببعيد عما يحصل اليوم حين قامت تلك الطبيبة «الإسرائيلية» بإيجاد عُقار ينقذ البشرية من فيروس هتك العالم أجمع، ما يعني أن «إسرائيل» بنت لمواجهته جدار الفصل العنصري، لحماية كيانها من انتشاره، وفق أحداث الفيلم..
وبما أن العالم منقسم إلى عالم الشمال وعالم الجنوب، أو بلدان العالم المتقدم والعالم الثالث، كذلك أجيال الحروب منقسمة. فبينما نحن في الجيل الرابع من الحروب تبعاً للتراجع التقني والعلمي الذي يطغى علينا في حين باتت الحروب بين تلك الدول المتقدمة تقوم على الجيل الخامس والسادس وأحياناً متداخلة بين هذين الجيلين. يبقى علينا تحديد ميزانية خاصة للبحث العلمي وإدراك ما فاتنا من تقدّم عوضاً عن وضع الميزانية في شراء أسلحة باتت تقليدية المستفيد الوحيد منها تلك المجمّعات الصناعية العسكرية..