يقف في المعسكر الأول السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي حاول دفع تل أبيب إلى اتخاذ إجراءات ضمّ فورية خلال أقلّ من أسبوع بعد إعلان الصفقة، فيما رسم مستشار الرئيس وصهره، جاريد كوشنر، مساراً آخر عندما قال: «نأمل أن ينتظروا إلى ما بعد الانتخابات، وسنعمل معهم للتوصّل إلى شيء ما».
والظاهر أن الغلبة كانت لكوشنر، الذي أعرب لاحقاً عن اعتقاده بأن نتنياهو «لن يسارع إلى طرح مسألة الضمّ في جلسة الحكومة» الأحد.
هكذا، حسم البيت الأبيض الجدال الإسرائيلي في شأن توقيت الضمّ، الذي أراده نتنياهو سريعاً لتحصيل ما أمكنه من مكاسب شخصية عشية الانتخابات، خاصة أن إعلان الصفقة بذاته لم يغير كثيراً من مزاج الجمهور الإسرائيلي، بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أن لا تغييرات تُذكر بين المعسكرات في حال أجريت الانتخابات الآن.
كان نتنياهو يأمل، من خلال الضمّ السريع، إحداث تغيير في صناديق الاقتراع، وتخفيف وطأة المعارضة اليمينية المتطرفة التي صبّت ماء بارداً على الصفقة وتداعياتها. لكن في المقابل، بدا أن الجيش الإسرائيلي «أُخذ على حين غرّة»، كما تسرّب عن المؤسسة الأمنية التي أشارت مصادر رفيعة فيها إلى أن الجيش تلقّى تفاصيل عن الصفقة قبل ساعات من علم الجمهور بها، الأمر الذي تركه «غير متحضّر لمواجهة التداعيات»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس.
ولعلّ واحداً من أهم عوامل القلق لدى الجيش هو احتمال اشتعال مواجهات واسعة مع الفلسطينيين في الضفة المحتلة، بما يشمل اشتباكات مسلّحة تشارك فيها حركة «فتح» والأجهزة الأمنية، وتكون مسبوقة بقرار من السلطة بوقف «التنسيق الأمني»، يمكن أن يصدر في حال أقدمت إسرائيل على ضمّ المستوطنات والغور، كما كانت تَعِد.
كذلك، تبدي محافل أمنية إسرائيلية رفيعة استياءها من فكرة ضمّ غور الأردن تحديداً، لما قد يتركه تنفيذها من تأثير على العلاقات مع عمّان. وهو استياءٌ ربّما يكون بدوره واحداً من أسباب منع الضمّ الفوري، ريثما يتمّ التمهيد لتطويع موقف المملكة.
وفي هذا الإطار، تقول المصادر الإسرائيلية إن الردّ الأردني العلني، الذي يرفض الصفقة ويصفها بالخطيرة، لا يُعدّ شيئاً مقارنة بما سمعه ضباط يعملون مع الجانب الأردني من ردود قاسية، وتهديدات بأنه «إذا أقدمت إسرائيل على ضمّ الغور، فلن يكتفي الأردنيون بالإدانة».
مع ذلك، رأت «يديعوت أحرونوت»، على ضوء بعض المواقف الفلسطينية الداعية منذ اليوم الأول لإعلان الصفقة إلى التهدئة، أن الواقع الفلسطيني الرسمي بعيد جداً عمّا يمكن أن يدفع إسرائيل إلى الخشية وإلى إعادة حساباتها. فـ«مَن حاول تهدئة الشارع الفلسطيني هم في الواقع مسؤولون كبار (في السلطة)، مثل وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، الذي أعلن أنه لا تأثير لصفقة القرن في الحياة اليومية (للفلسطينيين)، بل إن شخصية كجبريل الرجوب، الذي يُعتبر متشدّداً قياساً بآخرين ومؤثراً في مسلحي التنظيم في مخيمات اللاجئين، قال إن المقاومة مبدأ أساسي، لكن يجب ألا تؤدي إلى الانتحار الجماعي».
وأشارت الصحيفة إلى أن «الكلام عينه صدر عن رئيس السلطة، محمود عباس، الذي أكد أن التحرك سيقتصر على الاحتجاج المدني. أما إسرائيل، المهتمّة بالهدوء، فتلتزم الصمت».
من جهة أخرى، بدا لافتاً أنه على رغم إعلان «صفقة القرن»، والحملة الدعائية التي أعقبتها لنتنياهو ومعاونيه، فقد أشار استطلاع للرأي نشرته «الإذاعة العبرية» إلى أنه لو أجريت الانتخابات اليوم، لبقي توزّع المقاعد في «الكنيست» على حاله من دون تغييرات.
وتقول نتائج الاستطلاع إنه لن يتمكّن أيّ من المعسكرين، اليمين والوسط - يسار، من الفوز بأغلبية 61 مقعداً من أصل 120 من دون ضمّ حزب «إسرائيل بيتنا» بقيادة وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان، الذي أكد أن «عهد نتنياهو ولّى إلى غير رجعة»، وأنّ لديه اقتراحاً يمكن بموجبه تشكيل الحكومة المقبلة من دون الرجل.
جريدة الأخبار