ووفقًا للقانون العماني، يجب أن يكون السلطان الجديد "عضوًا في العائلة المالكة، ومسلماً وبالغاً وعاقلاً وابناً مشروعاً لوالدين عمانيين".
بموجب هذا التعريف، كان يمكن أن يخلف الملك أكثر من ثمانين شخصًا. ولكن من ناحية أخرى، نظرًا لظروف عمان الخاصة، فقد لعبت وصايا السلطان قابوس وضرورة اختيار شخصية معروفة وكذلك قرارات المجلس الملكي، دوراً حاسماً في تحديد الخليفة.
لقد ترك السلطان قابوس رسالة مختومة لتعيين خليفته، تقليلاً للنزاعات بعد وفاته. وقد تم انتخاب "هيثم بن طارق" سلطاناً جديدًا بعد اجتماع المجلس السلطاني ومجلس الدفاع. وأعلن التلفزيون العماني الحكومي أيضاً أن انتخاب خليفة السلطان الراحل، استند إلى رسالة كتبها السلطان قابوس في هذا الصدد.
السلطان الجديد ...
ولد السلطان هيثم بن طارق في مسقط في أكتوبر 1954، وهو عضو معروف من عائلة "آل بو سعيدي" السلطانية.
لقد تخرَّج من جامعة أكسفورد، ثم واصل دراسته في كلية "بيمبروك" بجامعة "كامبردج" في عام 1979، في بريطانيا. شغل العديد من المناصب في قطاعات الثقافة والرياضة والسياسة والدبلوماسية والمؤسسات الاقتصادية في سلطنة عمان. وهو أيضًا ينتمي إلي عائلة بو سعيد، المنسوبة إلى أحمد بن سعيد(1741)، أحد مؤسسي الحكم العماني.
عمل هيثم بن طارق في بعض الأحيان كمبعوث خاص للسلطان قابوس. وكان رئيسًا للاتحاد العماني لكرة القدم بين عامي 1983 و1986، كما ترأس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الآسيوية الشاطئية الثانية 2010.
كما شغل أيضًا منصب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية لمدة ثماني سنوات، وبدأ بأنشطته السياسية والدبلوماسية في هذه الفترة بعد أن كان رئيساً لاتحاد كرة القدم.
وفي عام 1994، عينه السلطان قابوس أميناً عاماً لوزارة الخارجية، ثم شغل منصب وزير الثقافة العماني من عام 2002 حتى تعيينه سلطاناً جديداً، وقد حضر في حفل تنصيب حسن روحاني للولاية الثانية في طهران.
سياسات الملك الجديد ...
في خطابه الأول بعد تعيينه سلطاناً جديداً، أعلن هيثم بن طارق أنه سيواصل سياسة "عدم التدخل". قائلا: "تستند هذه السياسة إلى التعايش السلمي بين الأمم، وسلطنة عمان لا تنوي التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بهدف احترام السيادة الوطنية للدول الأخرى وكذلك التعاون الدولي". كما أكد أن بلاده ستواصل السير على طريق السلطان قابوس.
وبعد تدهور صحة سلطان عمان الراحل، كانت هناك همسات منذ أشهر حول أربعة أشخاص بارزين للخلافة. وكان اختيار كل واحد منهم يدل على اتجاه عمان الجديد.
أحد هؤلاء الذي كان من أهم منافسي هيثم بن طارق، هو "أسعد بن طارق آل سعيد" ابن عم السلطان قابوس ونائب رئيس الوزراء لشؤون التعاون والعلاقات الدولية، الذي اتسم بخلفية تعليمية وعسكرية، وكان يمثل السلطان قابوس في المؤتمرات الدولية الهامة.
ومن بين الأشخاص الآخرين، "شهاب بن طارق" القائد السابق للبحرية العمانية، و"تيمور بن أسعد" وهو ابنُ ابنِ عم السلطان قابوس بن سعيد، ويبلغ عمره 38 عاماً.
قبل بضعة أشهر من خلافة طارق، كتبت صحيفة "رأي اليوم" في تقرير: "إن التحالف السعودي والكيان الإسرائيلي يسعيان لخلافة أسعد بن طارق". والسبب في ذلك هو خلفية بن طارق العسكرية ودراسته في إحدى الجامعات التي درس فيها بن زايد، ورغبة بن طارق للعب عمان دوراً أكبر في التحالف السعودي.
ومع ذلك، فإن عمان بلد يعتمد على تجارة النفط وصادراته. من ناحية أخرى، فإن المذهب المهيمن في هذا البلد هي الأباظية، التي ليس لها اتساق ايديولوجي مع التحالف العربي. وعلى الرغم من أنه في الحرب علي اليمن، بذلت السعودية والإمارات من خلال استفزاز عمان، جهودًا كبيرةً لإخراج مسقط من الحياد، لكنهما فشلتا في النهاية.
يلعب مجلس عمان السلطاني دوراً هاماً في تحديد السياسة الداخلية والخارجية للسلطنة، وبسبب عدم وجود أحزاب في سلطنة عمان، كان دور المجلس في تحديد الخليفة حاسماً في النهاية.
لذلك، فإن وجهة نظر هذا المجلس حول تعيين الخليفة، تعني التوجهات الأساسية للمجلس الملكي لرسم السياسة المستقبلية لسلطنة عمان، والذي لم يظهر رغبةً في انتهاج سياسة أمنية في السياسة الخارجية.
البعد الكاريزمي وسجل السلطان قابوس الرائع في إصلاح الشؤون الاقتصادية وسبل العيش والشؤون الاجتماعية في سلطنة عمان، جعل الشعب والنخب في عمان يتوقعون أن يواصل السلطان الجديد سياسة الحياد وتعزيز مستوي الاقتصاد العماني. وبالنظر إلى سجل هيثم بن طارق ورئاسته السابقة للجنة الرئيسية للرؤيــــــة المستقبلية "عُمان 2040"، فإن انتخابه من قبل المجلس السلطاني ورسالة السلطان قابوس المختومة، يؤكد على حياد عمان ونهجها الاقتصادي.
من ناحية أخرى، فإن خلفيته في المناصب الثقافية والرياضية، جلبت له شعبيةً أكبر بين جيل الشباب والشعب العماني.
وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي والجيوسياسي لإيران، فإن سياسة عمان على مدى الأربعين عاماً الماضية كانت ثابتةً تجاه إيران. وبسبب هذا التأثير الجيوسياسي والسياسي، من المتوقع أن يواصل السلطان الجديد نفس النهج السابق والمتزايد في المجالات التجارية والسياسية والجيوسياسية تجاه إيران.
مع ذلك، فإن السلطان الجديد ليس لديه الكاريزما الخاصة للملك قابوس. حيث كان للسلطان قابوس القول الفصل في تحديد جميع التوجهات والقرارات في سلطنة عمان، ولكن في ظل الظروف الحالية سوف يزداد دور المجلس الملكي. كذلك من المتوقع أن يتوسع في المستقبل دور البرلمان العماني، الذي حل محل المجلس الاستشاري منذ عام 1991.
في هذه الظروف، وبالنظر إلى أن السلطان الجديد على عكس الملك قابوس ينتمي لاسرة كبيرة نسبياً، لذلك سوف يتزايد خوف المنافسين من تركيز السلطة في هذه العائلة في المستقبل، وعلى الرغم من أن القانون العماني ينص على آلية لمنع تركيز السلطة في أسرة محددة، لكن استقطابات السلطة ستزداد في مستقبل سلطنة عمان، وهذا يمكن أن يزيد من جشع التحالف العربي للتأثير في السياسة العمانية.
ومع ذلك، وبالنظر إلى الآثار الإيجابية للسياسة الخارجية المتمثلة في "الصداقة مع الجميع ولا عداء لأحد"، في الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني والنمو الاقتصادي في سلطنة عمان، في ظل الظروف المضطربة في المنطقة والنظام الدولي، يبدو من المرجح أن تكون استراتيجية استمرار الحياد في السياسة الخارجية، موضع إجماع للمؤسسات المؤثرة في صنع السياسات بهذا البلد.