الحكومة السورية وحلفاؤها تمكنوا من فرض السيطرة على كامل البلاد تقريباً وأهدافهم في إنهاء الوجود المسلح خارج إطار الدولة السورية يقترب من نهايته، ومستقبل إدلب سيكون لمن يملك اليد العليا في البلاد وإدلب لن تخرج عن الحضن السوري لطالما هناك إرادة من الدولة والشعب والجيش بإعادتها بالسلم أم بالحرب.
الأطراف التي أرادت إسقاط الحكومة السورية وادخال البلاد في فوضى عامة، خسرت جميع أوراقها وتعرّضت لخسارات عسكرية ومالية ضخمة، ومن بين هذا الأطراف نذكر "الكيان الإسرائيلي" الداعم الأول للمسلحين في حملتهم ضد الدولة السورية، إذ كان هؤلاء المسلحون بمثابة كنز للكيان الإسرائيلي، حيث كانت تعتقد "اسرائيل" أن بإمكانها إسقاط سوريا عبر هذه المجموعات المسلحة، خاب ظنها واضطرت للدخول على خط الأزمة بشكل مباشر، علّها تنقذ المسلحين من ورطتهم وتعطيهم روحاً معنوية للصمود أطول وقت ممكن، وجميعنا يذكر كيف أن "إسرائيل" كثّفت من حملتها الجوية ضد أهداف سوريّة في جنوب البلاد لإنقاذ المسلحين، وكيف ردعتها المضادات الجوية السورية حتى أنها أسقطت طائرتان هناك.
ضمن هذا التوقيت وبما أن موسكو تعتبر الحليف الأبرز لدمشق، كان الجميع ينتظر أسلوب التعاطي الروسي مع الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، علماً أنها قامت بنشر منظومتي الدفاع الجوي "اس ۳۰۰" و"اس ٤۰۰" بالقرب من قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية وكان ذلك في العام ۲۰۱٦ لمواجهة أي خطر قد تتعرض له هذه القواعد خاصة من قبل واشنطن.
حتى وقت قريب لم يكن لدى الجيش السوري منظومة دفاع جوي متطورة مثل تلك التي بحوزة الروس في سوريا، إلا أن ما حصل الأسبوع الماضي "۱۷ سبتمبر" من إسقاط طائرة روسية فوق مياه البحر المتوسط قبالة محافظة اللاذقية السورية، قلب الموازين في السياسة والعسكر، فقد أغضب إسقاط الطائرة الجانب الروسي ووجهت اتهامات مباشرة للكيان الإسرائيلي وصرحت وزارة الخارجية الروسية بأن "إسرائيل" هي المسؤولة عن إسقاط الطائرة ولم تنفع الزيارات التي قام بها قائد سلاح الجو الاسرائيلي مع وفد رفيع المستوى من تخفيف التوتر، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض لقاء هذا الوفد، حيث اعتبرت موسكو أن "إسرائيل" تجاوزت جميع الخطوط الحمراء ولم تعر أهمية للاتفاق الذي حصل بينهما في العام ۲۰۱٥ حول تنسيق العمليات فيما بينهم فوق الأراضي السورية منعاً للتصادم.
الغضب الروسي تُرجم على الأرض بشكل سريع، إذ منحت موسكو دمشق منظومة الدفاع الجوي "اس ۳۰۰" نكاية بالإسرائيليين، لكون موسكو قد تحملت الهجمات الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية لشهور طويلة واتبعت معها سياسة الصبر والانتظار، لكن روسيا تعلم بقرارة نفسها أن استمرار الوضع على هذا الشكل سيؤثر على العلاقة مع دمشق من جهة ومع طهران من جهة ثانية، لكون الأخيرة أيضاً حليف استراتيجي لموسكو، وتصريح "إسرائيل" المستمر بأنها تستهدف أهدافاً إيرانية قد يؤثر على التحالف الروسي - الإيراني وهذا ما لا يريده بوتين أن يحدث.
روسيا أدارت ظهرها للكيان الاسرائيلي ولم تقنعها جميع المبررات التي قدمها الإسرائيليون حول إسقاط الطائرة التي كان على متنها ۱٤ عسكرياً روسيّاً واعتبرتها إهانة لها وتجاوزاً لجميع التعهدات والاتفاقيات، وبهذا جنت "إسرائيل" على نفسها وآن الأوان لكي توقف موسكو هذا التمادي الصهيوني بحق حلفائها.
إعطاء المنظومة "اس ۳۰۰" للدولة السورية لا يقتصر فقط على ردع الكيان الإسرائيلي عن استهداف سوريا، بل يشمل أيضاً توجيه رسالة للأمريكي الذي يحاول إطالة عمر الأزمة بشتى السبل الممكنة، وبعد أن شعرت واشنطن بأن الجماعات التي كانت تدعمها في طريقها للزوال عمدت لتعميق الأزمة عبر إعلانها المتكرر بأنها لن تخرج من سوريا بما يخالف جميع المواثيق الدولية التي تنص على احترام سيادة الدول.
واشنطن في الأمس وعلى لسان وزير الدفاع ماتيس جددت تأكيدها على البقاء في سوريا حتى في مرحلة ما بعد داعش، وهذا يؤثر بطبيعة الحال على المصالح الروسية في سوريا، حيث إن روسيا لا تريد إطالة عمر الأزمة السورية وتريد تسوية هذه الأزمة وإنهائها بأسرع وقت ممكن لكونها تؤثر على اقتصادها بشكل سلبي خاصة أن الاقتصاد الروسي يعاني حالياً في ظل العقوبات الأمريكية المتكررة والمتجددة على روسيا، وما يجري في سوريا يكلف الخزانة الروسية الكثير، وهنا يبرز التعارض مع الجانب الإسرائيلي والأمريكي، اللذين يريدان إطالة عمر الأزمة عبر الادعاء باستهداف القوات الإيرانية في سوريا، وخلق ذريعة لوجود القوات الأمريكية والضربات الإسرائيلية، لكن إعطاء منظومة الدفاع الجوي "اس ۳۰۰" اليوم إلى سوريا أنهت هذه اللعبة ووضعت النقاط على الحروف، وبالتالي التصعيد في القادم من الأيام سيواجه ردّاً قاسيّاً من الجانب السوري، ولا ندري إن كانت "إسرائيل" سترضخ للشروط الروسية الجديدة خلال الأسبوعين القادمين.