وضع قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله الإصبع على الجرح بما عرضه في خطابه من الوقائع عن ارتباط الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان بقيود الهيمنة الأميركية وضغوطها وهو توجه إلى الشعب اللبناني برمته شارحا الحقائق التي توجب منطقيا ربط التصدي للهيمنة والتحرر من قبضتها بأي عملية إنقاذية للاقتصاد المستنزف والمنهك بعد عقود من قيام النموذج الريعي التابع الذي رعته الدول الغربية الاستعمارية في لبنان عبر الاقتراض المفرط والمتضخم الذي نظمته تحت عناوين المساعدة كعادتها في مؤتمرات باريس اول والثاني والثالث ثم في سلة سيدر مؤخرا.
اولا أشار السيد نصرالله إلى العامل الرئيسي المولد للخلل الاقتصادي والمالي في لبنان الذي تفاقم مؤخرا وهو تدمير قطاعات الإنتاج ومنعها من النمو ومحاصرتها في بلد أغرقته المضاربات المالية والعقارية وعمليات التقاسم الريعي وتحول إلى نموذج استهلاكي كسيح تابع للغرب.
ربط السيد نصرالله ذلك الخلل الهيكلي بالعقوبات المصرفية التي ادت إلى تقلص التحويلات القادمة من اللبنانيين العاملين في الخارج واستهدفت إضعاف الاقتصاد اللبناني بينما منعت الضغوط الأميركية السياسية التقاط فرص الشراكة مع سوريا والعراق والتوجه نحو ايران والصين وروسيا لتطوير الإنتاج ولتوفير فرص العمل التي يولد شحها وانعدامها ميلا متعاظما لهجرة الشباب المؤهل علميا في نزف خطير كان في صلب حالة السخط والغضب التي عبر عنها المنتفضون في ساحات وشوارع لبنان.
ثانيا في حصيلة هذه القراءة برهن السيد نصرالله على وجوب التحرر من الهيمنة الأميركية لتمكين لبنان من اجتياز الأزمة وتخطي الكارثة المحدقة التي يتحدث عنها الجميع وهو بهذا المعنى اعاد تاكيد الحاجة لحكومة سيادية وطنية قادرة على التخلص من قيود الهيمنة الأميركية وتحدي الضغوط بأخذ قرار يبنى على المصالح الوطنية اللبنانية العليا.
كان قائد المقاومة موفقا جدا في شرح الفرص الأربع الكبرى للانقاذ الاقتصادي من ضمن التوجه شرقا:
الفرصة الصينية التي يمكن ان توفر طاقة تمويلية واستثمارية ضخمة من خلال شركاتها القادرة على تنفيذ المشاريع الكبرى المطلوبة لإحياء دورة الإنتاج وبكلفة منخفضة ودون شروط تمس السيادة الوطنية.
الفرصة العراقية التي توفر سوقا كبيرة واسعة للمنتجات الصناعية والزراعية اللبنانية ولتنمية الإنتاج وزيادة فرص العمل فالعراق كان لعقود طويلة شريك لبنان الأول تجاريا والمصدر الرئيسي للسياحة العربية في لبنان.
وملاقاة الفرصة العراقية توفر انفراجا سريعا في زمن كساد الإنتاج والخراب اللاحق بالصناعة والزراعة وهي تتطلب العمل المشترك مع الحكومة السورية الشقيقة التي يمكن التفاهم معها على تسهيل انتقال البضائع والأفراد بين لبنان والعراق.
الفرصة السورية هي ضرورة لملاقاة الفرصة العراقية بحكم قدر الجغرافية إضافة إلى بعد رئيسي هو من مسلمات السياسة والاقتصاد السياسي يتعلق بمشاركة الشركات اللبنانية في ورشة إعمار سورية بعد الحرب وهي الورشة التي تعتبر باعتراف الخبراء أهم حركة اقتصادية مولدة للفرص الاستثمارية ولفرص العمل الكمية والنوعية في المنطقة خلال العقود القادمة وحيث حظرت الولايات المتحدة على الحكومات اللبنانية المتعاقبة أي تواصل مع الحكومة السورية الشقيقة، وبالتالي حرمان اللبنانيين من أي دور محتمل في تلك الورشة العملاقة وتستخدم التهديد بالعقوبات في منع ذلك الدور كما تعرقل جهارا جهود لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم.
الفرصة الإيرانية التي سبق لسماحة السيد ان تناول عناصرها مرارا واصطدمت اقتراحاته برفض سياسي مسبق يتناغم مع الضغوط الأميركية ويلبي شروطها بدءا من رفض عروض سابقة لتجديد مصافي النفط وصولا إلى الهبة العسكرية للجيش اللبناني وحيث تمتلك إيران إمكانيات كبرى في مجالات الطاقة ومعامل توليد الكهرباء وغيرها من القطاعات الحيوية التي يمكن للشركات الإيرانية العامة والخاصة ان تستثمر فيها بشروط متكافئة لدعم الاقتصاد اللبناني.
ليست هذه هي الفرص الحصرية في التوجه شرقا فاحتمال الشراكة مع روسيا قائم ومفتوح في عدة مجالات اقتصادية مهمة ينبغي ان تطرقها الحكومة اللبنانية السيادية دون الخضوع للمنع الأميركي.
ثالثا رب سائل لماذا لم يتوج سماحة السيد كلمته بالدعوة إلى تشكيل حكومة غالبية تطبق هذا المشروع فورا ؟
وهو خيار موضوع على الطاولة كما يبين خطاب قائد المقاومة اذا تعذر التفاهم عليه ضمن حكومة وحدة وطنية وقد أراد السيد نصرالله من موقعه القيادي المسؤول وبحرصه الوطني المشهود ان يكاشف الشعب اللبناني بحقيقة الفرص المتاحة ومستلزمات تحقيقها سياسيا وتعبئة الشعب وكسب قناعاته هي مقدمة السير في اي خيار ناضج يتطلب استعدادا جديا، وخطاب قائد المقاومة يجب ان يكون منطلقا سياسيا وإعلاميا لعمل وطني واسع يشارك فيه جميع دعاة التحرر المتطلعون إلى الإنقاذ والاستقلال الوطني الحقيقي في رسم الخيارات سياسيا واقتصاديا ولا شك فإن من الأفضل والأسرع والأقل كلفة هو تأمين اوسع شراكة ممكنة في هذا المشروع مما يتطلب قبل قرار تشكيل حكومة الغالبية النيابية اختبار فرصة تبنيه في حكومة وحدة وطنية بمشاركة القوى الرئيسية في البلد بما فيها بعض القوى التي ظهرت في الانتفاضة او ما يطلق عليه تسمية "الحراك الحقيقي" لتمييزه عن الأطراف التي ركبت الموجة وسائر مجموعات الخطف السياسي للتمرد الشعبي التي بدات تتكشف هوياتها المحلية والخارجية.