سلام من الله عليكم – إخوتنا وأخواتنا المستمعين والمستمعات – في هذا اللقاء الذي يتجدّد معكم عند محطّة أخري من محطّات برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر والذي سنواصل الحديث فيه عن المرأة والمواثيق والمعاهدات الدوليّة والتأثيرات التي تركتها الفيمينيّة علي هذه المعاهدات والمواثيق ، ندعوكم للمتابعـــة ...
مستمعينا الأحبّة !
تشتمل معاهدة إزالة التمييز ضدّ النساء علي مقدّمة وثلاثين مادة . والمراد من عبارة إلغاء التمييز ضدّ النساء في مادّتها الأولي ، القضاء علي كل شكل من أشكال التمييز والاستثناء والقيود علي أساس الجنس . كما تؤكد المادة الثانية وحتي السادسة عشرة علي التساوي بين النساء والرجال في كلّ المجالات . وقد أعلن عدد من البلدان الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة موافقته علي هذه المعاهدة . وبالطبع فإن بعضاً من مواد هذه المعاهدة يتعارض مع التشريعات الإسلاميّة والقيم الأخلاقية وقوانين البلدان المختلفة . ولذلك فإن الكثير من البلدان الإسلاميّة وغير الإسلامية لم ينضم بعد إلي هذه المعاهدة أو انضمّ إليها ولكن بشروط .وعلي سبيل المثال فإن هناك من بين البلدان الأعضاء في المنظمة الدولية خمسة بلدان لم تنضم إلي هذه المعاهدة وهي إيران والصومال والسودان وجنوب السودان وتونغا كم أن الولايات المتحدة الأمريكية وبالايو أمضتا علي هذه المعاهدة ولكنهما لم لن ينضمّا إليها بعدُ .
وتعدّ لجنة إزالة التمييز ضد المرأة مؤسّسة للإشراف علي حسن تنفيذ المعاهدة وقد تأسّست بموجب المادة السابعة عشرة من المعاهدة وتضمّ ثلاثة وعشرين عضواً. والمسؤولية الرئيسة التي تقع علي عاتق هذه اللجنة دراسة ومتابعة التقارير الواردة من البلدان الأعضاء في المعاهدة وتقديم المقترحات أو التوصيات العامة علي أساس دراسة التقارير . ويجب أن يقدَّم التقرير إلي اللجنة في كل عام بعد المصادقة أو الإلحاق ثم يقدّم بعد ذلك مرّة كل أربع سنوات أو عند طلب اللجنة .
وتواجه معاهدة حظر التمييز ضدّ النساء الكثير من التحدّيات لأن الروح الغالبة عليها مستمدّة من الرؤية الفيمينيّة وهي موضع جدل ونقاش اليوم . ويري البعض أنّ انهيار الأسرة و ضعف دور الأخلاق في المجتمعات يدلّان علي عدم كفاءة المعاهدة . لأنّ أنموذج التساوي والتشابه يعتبران من المعايير المهيمنة علي المعاهدة . فهذا المعيار يؤدّي من الناحية العمليّة إلي تزعزع بناء الأسرة و ارتفاع سنّ الزواج ( الزواج المتأخّر ) و انخفاض سنّ العلاقات غير المشروعة وما إلي ذلك وذلك بسبب تجاهل وإهمال دور الزوجيّة والأمومة . كما أن من الخصائص المهمة للمعاهدة ، هيمنة النزعة إلي التأكيد علي الحقوق فقط وتأصيل الشؤون الحقوقيّة و إغفال العناصر الدينية والأخلاقيّة والثقافية . علماً أن هذه الخصوصية تقتصر علي المجتمع الغربي في العصر الحديث . وعلي سبيل المثال فإن المعاهدة لا تتّخذ أي موقف إزاء المفاسد الأخلاقيّة و الفوضي الجنسيّة .
أحبّتنا المستمعين !
ذكرنا أن بعض مواد المعاهدة تتنافي مع أحكام الشريعة الإسلاميّة و تتعارض مع القيم الأخلاقيّة لبعض البلدان وقوانينها . ولذلك فإن الكثير من البلدان الإسلاميّة وغير الإسلاميّة لم تنضمّ إلي هذه المعاهدة أو قبلوها ولكن بشروط . وبدورها فإن جمهوريّة إيران الإسلاميّة لم توافق علي بعض من موادّ هذه المعاهدة وخاصة المادة الأولي وحتي السادسة عشرة لأن هذه المواد تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم و الأحكام الفقهيّة ودستور إيران .
جدير ذكره أنّ دستور جمهورية إيران الإسلامية منح النساء حقوقاً ومكانة خاصة نظراً إلي منزلتها السامية في الفكر والمنظومة الإسلاميّة . وقد حظيت حقوق المرأة في ظل هذه القوانين وفي إطار المعايير الإسلاميّة بالاهتمام بالمشاركة في الحكم والأنشطة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصاديّة . واستناداً إلي دستور جهورية إيران الإسلامية ، فإن المرأة ليست أداة بل تتمتع بقيمة وكرامة سامية بالنظر إلي مسؤوليتها الخطيرة والدور الرئيس الذي تؤدّيه في الأسرة .
ولذلك فإن معارضة البلدان الإسلاميّة للمعاهدة ، يعود سببها الرئيس إلي تعارضها مع النهج الإسلامي والمصالح الوطنية والدينية لتلك البلدان . فحينما يريد بلد ما الانضمام إلي معاهدة ما ، فإنه لابدّ وأن يأخذ بنظر الاعتبار مصلحته في ذلك ، وهل تتطابق مع قيم ذلك البلد وأنظمته ؟ ومن البديهي أن بعض مواد هذه المعاهدة تتناقض مع النظام الفكري والفكر الغالب في البلدان الإسلاميّة . ولكن ولأن المباديء الفكرية السائدة في البلدان الغربيّة وبعض المؤسسات الدولية تقوم علي الأفكار الليبراليّة ، فإنها توافق علي المواد الرئيسة في هذه المعاهدة .
ومن إشكاليّات معاهدة إزالة التمييز ضدّ المرأة ، أنها تجعل مؤسسة الأسرة تواجه تحدّيات كبيرة . ولاشك في أن مؤسّسة الأسرة تمثّل أهم مؤسسات المجتمع و لها مكانة متميّزة من حيث المستوي والقيمة . هذا في حين أن المعاهدة ينظر لي المرأة والرجل علي أنهما كائنان مستقلّان وغنيّان عن بعضهما البعض . وهذه الرؤية تحدّ من التزامات المرأة والرجل لبعضهما البعض و وتضعف أساس الأسرة.
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ويبدو أن معاهدة إزالة التمييز ضد النساء تحدّثت بشكل متكرّر عن إلغاء عدم المساواة بين المرأة والرجل . كما أن أي شكل من التمييز ضد النساء يجب أن يزول من وجهة نظر المعاهدة وأن يتمتّعن بحقوق متساوية مع الرجال . كما أن هذه المعاهدة تعتبر الاعتقاد بأي نوع من الاختلاف علي أساس الجنس بين المرأة والرجل تمييزاً وتطالب بالقضاء عليه استناداً إلي بعض مواد هذه المعاهدة .
ولكن من الضروري الإشارة إلي أن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل وعدم الالتفات إلي الاختلافات بينهما ، مصدره تأثيرات الثقافة الإنسانيّة و العلمانية الغربيّة . ولذلك وبما أن المنظّرين لمبدأ التساوي بين المرأة والرجل في الغرب ، أخطؤوا في معرفة حقيقة هذين الموجودين ودورهما الحقيقي في نظام الخلق ، فإنهم عجزوا عن إقامة العدالة بين هذين الجنسين .
والحقيقة أن النساء في العالم الغربي تضرّرن أكثر من الآخرين من شعار التشابه. فقد تمّ تقسيم المسؤوليات العائليّة بين المرأة والرجل بالتساوي من دون الالتفات إلي الخصوصيّات النفسية و الجسديّة . وقد دفع ذلك النساءَ إلي أسواق العمل من أجل الحصول علي مكانتهن الاجتماعيّة وهو ما أدّي بدوره إلي أن تتضرّر النساء أكثر من الرجال من الناحيتين الجسميّة والروحيّة .
مستمعينا الأكارم !
دقائق حافلة بالفائدة والمتعة قضيناها مع حضراتكم عبر حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامجكم الفيمينيّة تحت المجهر حتي لقائنا القادم الذي سنخصّصه للمرأة ومكانتها الرفيعة في الإسلام ، تقبّلوا منّا أجمل التحايا وأطيب المني وإلي الملتقي .